الفصل الحادى عاشر
استفاقت فيكى على رائحة القهوة و اللحم المقدد و الخبز المحمص الطازج. كانت الستائر مفتوحة و أشعة الشمس الساطعة تدخل إلى الغرفة. كان يوماً جميلاً و قد وقف جيل على الباب حاملاً صينية الفطور.
كان يبدو وسيماً جداً لدرجة أنه هز مشاعر فيكى. "مرحباً." قال بطريقة عادية. "أنه يوم جميل. تريدين الزواج؟ تريدين تناول الفطور؟ ليس ضرورياً بهذا الترتيب."
جلست فى سريرها محاولة تنظيم شعرها.
"لا تفعلى." قال و هو يمد يده معيداً يدها إلى الوراء. "لا ترفعيه إلى الوراء. دعيه ينسدل بحرية. ألا يعجبك ان تبدى على طبيعتك؟"
سحبت يدها من يده حتى لا تشعر بدفء لمسته على لمست كتفه كتفها. كان بامكانها الأحساس بدفء جسده, و تنشق رائحة صابون الحلاقة الذى يستعمله.
حاولت تجاهل قربه منها بالنظر إلى الطعام الموضوع أمامها. أخذت قطعة من الخبز و دهنتها بالزبدة.
"الرجل ذو العينين الشاحبتين, هل وجدوه؟"
راقبها جيل و هى تاكل الخبز. "لا اثر له. إنهم يأملون أن تكونى مخطئة. لكنهم أحضروا المزيد من الحراس, تحسباً لأى طارئ."
وضعت كوب القهوة و تذكرت وجه ذلك الرجل. "لم أكن مخطئة. كان الرجل هو نفسه, و كان فى هذا الفندق."
هز جيل كتفيه و كانت تعابير وجهه متجهمة. "لقد مشطوا الفندق. و أضافوا عدداً من الحراس على كل مداخل الشقة إنهم يدققون مع كل الداخلين و الخارجين. إنه آمن."
ابعدت فيكى الصينية عن ركبتيها. لم تعد جائعة حتى أنها لم تشرب قهوتها.
فقال بهدوء: "عليك أن تأكلى. هل تزعجك كثيراً امكانية وجوده هنا؟"
"كل هذه المسألة تزعجنى. أتمنى لو تنتهى."
فقال و ما زال ينظر إليها: "صحيح. و أنا أيضاً. يا لها من طريقة لقضاء عيد الشكر. لكن -لو كان ذلك يساعد- فأنا هنا. لقد قلت لـ روتش بأننى سأبقى إلى جانبك. لن يقترب منك أحد ما دمت أنا موجوداً."
أثرت كلماته بها, لكنها لم تكن تريد ذلك. أبعدت نظرها عنه, لاحظت أن وجهها كان عارياً و تمنين لو أنها وضعت قليلاً من الماكياج. "أكره الشعور بأننى مسؤولة من هذا أحد."
"لا تنظرى إلى الموضوع بهذه الطريقة, إننا نعمل معاً و كل واحد منا يعتمد على الآخر."
"ليس الشئ نفسه." قالت ذلك و هى تراقب شعاع الشمس على السجادة. "لا أحب الشعور بأننى بحاج للحماية, بإمكانى الأهتمام بنفسى."
"لكنى لست نفسك حقاً. أنت كاريسا. قد يكون ذلك خطراً, أخذت نفساً عميقاً, ثم تنهدت بخيبة أمل. "لقد مللت الإدعاء بأننى شخص آخر. و قريباً جداً سوف أعود إلى حقيقتى من جديد."
أزاحت الغطاء للخروج من السرير لكن جسد جيل منعها و قال متحدياً: "هل تفعلين؟ هل حقاً تتوقفين عن التظاهر و تعودين إلى حقيقتك؟"
"أجل." و الآن اسمح لى بالنزول, أو حتى أنك لن تسمح لىّ بدخول الحمام وحدى؟"
لم يتحرك, بل رفع حاجباً. "حتى تتمكنى من وضع قناع, كالعادة لماذا لا تبقين هنا و تتصرفين على طبيعتك؟ كونى منفتحة و صريحة."
"أنا منفتحة و صريحة." قالت و هى تدور من حوله حتى تخرج من السرير.
فقال مضيفاً: "طبيعية تماماً."
توقفت و استدارت لمواجهته.
فضحك: "يا إلهى, يا فيكى, لا أستطيع التصديق بأنك نمت فى هذا السروال الضيق. أننى مستغرب أن ساقيك ما والتا تتحركان. إن تواضعك غير عادى. لا شئ فيك عادياً."
"لا شأن لك بسروالى أو ساقى." ودخلت الحمام و أقفلت الباب وراءها.
سمعت صوته من وراء الباب, "عندما تكونين جاهزة يمكننا الصعود إلى الشقة."
لم تجب فيكى, بل حملقت فى وجهها العارى فى المرآة.
"ليس علىّ الأعتماد عليه." قالت بقسوة لنفسها. "لأيس علىّ الاعتماد على أحد. ابداً و سوف أصبح امرأة طبيعية و محترمة يوماً ما."
لكن هذه السخرية ايقظت فيها خوفاً داخلياً حقيقياً. ربما كانت تخدع نفسها -وكان هو على حق- لم يكن عندها وسيلة لكى تصبح مثل باقى الناس. كان حلماً مستحيلاً, مثل حلم روندا.
ما أن دخلت فيكى و جيل الشقة حتى أعطى روتش ورقة لـ فيكى. "تغييرات آخر لحظة." قال بسرعة و لم ينتظر جواباً بل خرج إلى الشرفة حيث كان منسقوا الزهور يزينونها بالأزهار و الشرائط الملونة. كانت الأزهار البيضاء قد قطفت هذا الصباح خصيصاً لهذه المناسبة. و كان المتعهدون ينصبون خيمة حريرية قرب البحيرة الصغيرة لحفلة الأستقبال.
"و الأن ماذا؟" قالت فيكى بخوف. أخذ جيل الورقة من يدها و فتحها. "لا شئ هاماً. لقد قرر أن ترفعى شعرك إلى فوق, أبقيه بسيطاً, مثلما فعلت كاريسا فى الفيديو. بعد الحفلة أرمى بباقة الورد للأشبينة بدلاً من الضيوف." أومأت فيكى برأسها و قد حفظت التعليمات.
"هل هذا كل شئ؟" سألته و قد شعرت بشئ من الراحة.
"هذا... ثم ندخل, لا أحملك فوق العتبة, بل ندخل متشابكى الأيدى. علينا جعل ذلك يبدو رفيع المستوى."
دخل ليفرينغهاوس و جبهته تتصبب عرقاً. "انتما الإثنان, تبقيان بعيداً عن الأنظار. لا أريد أن يراكما أحد حتى موعد الاحتفال. ابقيا فى غرفتها, لأننى استعمل غرفتك...." قال موجهاً إصبعاً نحو جيل. ".... كـ مركز اتصال. هيا."
جذب فيكى من ذراعها و أدخلها إلى الغرفة ذات الطواويس. تبعها جيل و على وجهه ابتسامة ساخرة.
"بعيداً عن الانظار! ابقيا بعيداً عن الانظار!" واصل ليفرينغهاوس اصراره.
قالت فيكى بعد أن غادر الغرفة: "إنه مجنون. أيظن أنه هو العروس؟"
فقال جيل من جانب فمه: "سوف يكون كل شئ جنونياً من الآن فصاعداً. بالنسبة لىّ, قد أنام قليلاً على سرير حقيقى, هل تمانعين؟"
فأشارت نحو السرير المنجد على شكل طاووس و هى تقول ببرود. "دونك السرير, سوف يستغرقنى تصفيف شعرى حوالى ساعتين. شكراً لله على أننى سأضع خماراً."
جلس جيل على السرير, و هو يتثاءب, و مضى يخلع جذاءه بينما أخذت فيكى رداءاً مخملياً ذا لون لؤلؤى من الخزانة و ذهبت إلى الحمام للإستحمام و الإستعداد.
عندما ظهرت بعد ساعتين, كانت تسمع أصواتاً متعالية من الشرفة و من الغرف الأخرى فى الشقة. كان النجارون يطرقون فى الحديقة و سمعت صوت طائرة مروحية, أو ربما أكثر من واحده. كانت تعلم بأنهم كانوا يتوقعون مروحيات الصحافة و مروحيات رجال الأمن معهم.
لكن جيل ديسباين, كان ينام فى سريرها, و الغطاء الحريرى الأزرق يغطى نصف صدره العارى. راقبت تنفسه و تذكرت ملامستها لجرحه, عندها أحست بشعور غريب يتصاعد إلى حنجرتها.
كانت الأصوات تهدر خارج الغرفة, و من مكان ما كان روتش يصرخ بسبب كعكة الزفاف. سيطر الذعر على فيكى. ما قاله جيل كان صحيح. سوف يكون كل شئ جنونياً من الآن فصاعداً . كل شئ و كل واحد -ما عداه هو- كان العالم يُجن خارج الغرفة. فقط جيل ينام فى سريرها نوماً هادئاً.
كان اعضاء الفرقة الموسيقية الخمسه قد أخذوا أماكنهم بستراتهم البيضاء و ربطات العنق السوداء. جلسوا فى مكان مخصص لهم على الشرفة تحت قوس مزين بالورود خلف المنظرة المخصصة للعروسين.
وقفت فيكى فى الحمام, كان شعرها مرفوعاً و منظماً و تبرجها كاملاً, حتى أن روتش اعترف بذلك. و لأن المناسبة كانت جدية فقد حافظت على تبرجها طبيعياً أكثر منه مسرحياً.
بالنسبة للثوب, كانت قد اتخذت قرارها, سوف يلفت انظار الصحافيين. كان يبدو تقليدياً و جميلاً. و لكن, عندما ارتدته فيكى, شعرت بأنها تغيرت, و ذلك لأن الثوب كان أكثر روعة مما توقعت, رائعاً لدرجة أنه كان أقرب إلى ثوب سحرى.
تساءلت عما سيقوله جيل عندما يراها. و كان قد استيقظ منذ حوالى الساعة.
كانت الاوركسترا قد عزفت بضعة مقاطع افتتاحية و قد أدى أحد اشهر مغنى فيغاس أغنية عن الحب الأبدى. كانت موسيقى الزفاف على وشك البدء.
كانت فيكى تعلم أن جيل موجود الآن فى المنظرة المخصصة للعروسين يتلقى تعليمات ليفرينغهاوس الغاضب أبداً, و الذى كان يمثل دور اشبين العريس. أما دو الأشبينة فقد كانت تمثله فتاة هادئة تُدعى لوريتا, و هى ابنة عم كاريسا.
و قالت لوريتا عن كاريسا: "لم أعرفها جيداً. يمكنكم المراهنة على أنها لم تكن لتدعونى إلى عرسها الأصلى, لكنها تدفع لىّ أجراً للقيام بهذا و احتفظ بالفستان."
كان روتش متأنق بربطة عنق سوداء, سروال أسود و سترة من الستان, المسؤول عن تسليم العروس إلى عريسها.
"حذرهما روتش: "دقت موسيقى الزفاف." و أحست فيكى بدمها يتجمد. إنتبها. "وليكن تصرفكما طبيعياً. ركزا على الزفاف وحده, و تجاهلا كل شئ آخر."
فتح أحدهما باب الغرفة من الخارج. أمسكها روتش من ذراعها.
و همس: "ليبدأ السير و أنت...." و نظر إلى فيكى ببرود. "... تابعى الابتسام."
اجبرت نفسها على الابتسام. كانت لوريتا فى طريقها إلى المنظرة. كانت الأرض مفروشة بالورود الصفراء و الزهرية اللون. و طفلان, توأمان, فتاة و صبى, كانا قد أُحضرا من مكان ما لحمل ذيل ثوب العروس. فكرت فى أن روتش قد اخبرها أنهما كانا من أقرباء كاريسا و أن أهلهما كانا من بين المدعوين.
كانت سماء بعد الظهر زرقاء. و كان الممر نحو المنظرةمزيناً بأشجار الورد الأصفر و الزهرى, المزروعة فى أحواض بيضاء و فضية.
كانت القاعة مزينة بمئات الورود و الأوركيد, مربوطة بشرائط بيضاء و فضية. و كان باستطاعة فيكى رؤية جيل من خلف خمارها, مرتدياً سترة بيضاء و قميصاً أبيض و سروالاً و ربطة عنق سوداوين, واقفاً بجانب ليفرينغهاوس.
راقبت فيكى الورود المنثورة فى طريقها لكى لا يتقابل نظرها مع نظرات جيل. بدت التعابير على وجهه, عندما لمحته, قاتمة و حزينة.
و سألت فيكى بتوتر محاولة المحافظة على ابتسامتها: "كم طائرة مروحية توجد فوقنا؟"
فتمتم روتش: "ست. سوف تغضب كاريسا. لقد حلقت سبعة عشرة مروحية خلال حفل زفاف ليز تيلور الأخير."
"سبعة عشرة؟" فكرت فيكى باشمئزاز, كيف تحمل الحضور ذلك و كأنهم فى مطبعة؟ هل العالم مجنون؟
و وكزها روتش بكوعه بطريقة خفية. "لا تبتسمى للأرض, ابتسمى له, اللعنة. بامكان الناس الرؤية من خلال الخمار."
رفعت فيكى رأسها لكنها لم تنظر إلى جيل. بدل ذلك, ألقت نظرة على السيلفرادو. كم مصوراً و جاسوساً موجودين هناك؟ و ارتجفت لمجرد التفكير بهؤلاء الذين ينظرون إليها من دون أن تراهم.
مرة أخرى التقى نظرها بنظرة جيل و اختفت الابتسامة.
كان ليفرينغهاوس يقف إلى يمينه و الكاهن إلى يساره؟
أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير:التظاهر
Storie d'amore"لتحب و تحترم......" تركزت نظرة الكاهن على فيكى! و أخذت إنطباعاً باهتاً فى أنه سألها أن تتعهد بالحب و احترام الرجل الواقف إلى جانبها. أومأت برأسها و هى تشعر بعدم إستطاعتها الكلام. شد جيل على يدها. "أجل أتعهد." أستطاعت أخيراً أن تقول. و من مكان ما زع...