الفصل السابع
هناك فى ليل الصحراء البارد, كانت فيكى غير قادرة على السيطرة على عالمها. أرادت أن يقبلها جيل , ربما للأبد لكنها لم تكن تريده أن يقبلها الآن فى هذا المكان. مع أنها رفعت يديها لإبعاده عنها, إلا أن أصابعها توقفت على صدره المتصبب عرقاً.
كان بعض الرجال قد عانقوا فيكى من قبل لكن أحداً لم يعانقها بهذه الطريقة. كان جيل يحاول تعليمها أجمل و أنعم أسرار الملامسة. لف ذراعه حول حول خصرها, ضاماً إياها نحوه بحنان. بينما أتجهت يده الثانية نحو رقبتها, ثم تحت شعرها, ارتعشت فيكى, ليس بسبب البرد فهى لم تعد تشعر به.
قال هامساً قرب شفتيها: "لا ترتعشى, و لا تقاومينى فنحن فريق, يا فيكى. أنا أثق بك, و بإستطاعتك الوثوق بىّ. أظهرى أنك تثقين بيّ, عانقينى."
كانت تعلم أن عليها أن تتراجع, لكنها لم تفعل بقيت داخل محيط ذراعيه.
"أرينى أنك تثقين بىّ. عانقينى من دون جمهور و لو لمرة واحدة."
كانت يداها ما تزالان على صدره تتحسسان دفئه و دقات قلبه الثابتة تحت أطراف أصابعها.
قال و أنفاسه دافئة على وجهها: "فيكى, عانقينى." كان صوته خافتاً, مشجعاً رقيقاً.
وقفت على أطراف اصابعها و هى ما تزال ترتجف. ببطء و تردد, ثم طبعت قبلة فوق شفتيه لم يقم بأى حركة لجعلها تقترب اكثر. و مع أنه كان يوجد عندها دافع للانسحاب, إلا أنها لم تفعل. وجدت نفسها غير قادرة على معانقته بجرأة أكبر مع أنها ارادت ذلك.كانت غير قادرة على القيام بأكثر من ذلك, ظنت أنها أحست بضربات قلبه تتسارع. كانت يده ثابتة على وجهها, و كان ينتظر خطوتها التالية.
"أوهـ." قالت لاهثة و خرجت منها الكلمة من دون إرادة. أخجلها الصوت و تراجعت عنه محدقة بالأنوار المتلألئة بين أغصان الصنوبر. بقيت يده للحظة على خدها, و لكن, عندما رفضت النظر إليه أحست بيده تهوى.
أخذها من يدها. "هيا لنذهب و نتظاهر بأننا عاشقان."
"هل من المفروض الآن أن أغمرك بالعاطفة؟ و لكن هذه ليست طبيعتى, و قد لا حظت ذلك."
قادها نحو البقعة الأقرب إلى السليفرادو. شد على يدها. "لن ننقاد كثيراً للعاطفة. حاولى أخذ الأمر بروية. أتفقنا؟"
"لكن روتش قال..."
قال جيل و هو يلف ذراعه حول كتفها: "أنسى ما قاله روتش."
تمكنت من رسم ابتسامة صغيرة على وجهها. "ماذا تعلم عن الأمر؟ هل وقعت يوماً فى الحب؟"
أحست بذراعه تشدها بقوة. ثم سكت برهة. "لقد أحببت مرة." جلس على الحافة العريضة و أحلسها بقربه. "حسناً. الآن نتحدث. بين كل فترة و أخرى و سوف أعانقك. تابعى النظر فى عينى كما و كأننا عاشقان."
نظرت فيكى فى عينيه اللتين بدتا بسواد الليل. ابتسمت محاولة إبقاء صوتها هادئاً و غير مبال. "هل هذه روح الأخراج تصدر منك الآن. ترسم هذه الأحداث فى ذهنك؟"
قرب جبهته من جبهتها و لمس شفتيها بسبابته. "أنا لست من هذا النوع من المخرجين, الوحدة الثانية هى ما أريد."
سألته: "و ما الوحدة الثانية؟"
ابتسم لها, عضت على شفتها و حاولت الابتسام مرة أخرى.
"جيد, حافظى على هذه الأبتسامة, أنها عذبة."
نظرت إليه غير واثقة من النظر إلى عينيه.
فقال و هو ينظر فى وجهها: "هذا هو المطلوب." لقد فهمت أنك تبدين كامرأة مغرمة, أنك ممثلة حقاً." حملق بها طويلاً.
أحست فجأة بالدموع فى عينيها, و حاولت إخفاءها و هى ترفع ذراعيها نحو رقبته. وضعت يديها على تجويفة كتفيه القاسية و شبكت أصابعها وراء رقبته.
أتسعت عيناه عندما رأى خيال الدموع فى عينيها و قال برقة: "يا إلهى, يا إلهى." و جذبها نحوه و ضغط وجهها على كتفه و كأنه يطمئنها إلى أنها بأمان. ضمها لفترة طويلة و قلبه يخفق بسرعة مثل قلبها.
ثم انحنى و عانقها, كانت يداه لا تزالان تلامسانها. لم يعد يطلب منها معانقته فقد قامت بذلك طبيعياً, لأنها أرادت ذلك.
رفع خصلة من الشعر عن وجهها ثم حدق بشفتيها. "فيكى." و هز رأسه و هو بين العبوس و الأبتسام: "من الأفضل أن ندخل."
مدت يدها فالتقطها و قبلها. و هذه المره, عندما تبادلا النظرات, لم يكونا يتظاهران و كلاهما كان يعرف ذلك.
فى الداخل, صب جيل قليلاً من البراندى و شربه دفعة واحدة. كان وجهه متوتراً و قال من بين اسنانه: "حسناً, لقد انتهت المهمة."
وقفت أمام باب الشرفة متوترة. كانت تعلم أن عليها الذهاب إلى غرفتها و إغلاق الباب بينهما, لكنها لم تستطيع, ليس الآن.
"متى...متى وقعت فى الحب؟"سألته و هى تنظر إليه.
وضع كأسه و حملق بها. "منذ سنتين." صب لنفسه كأساً آخر و استدار ينظر إليها. أى نوع من النساء هى؟ سأل نفسه. تقف هناك مع مجوهراتها و ثيابها الغالية الثمن و كأنها أنسانة من الطبقة الراقية و فى الوقت نفسه خجولة مثل تلميذة مدرسة.
"ماذا حدث لها؟ المرأة التى أحببت؟"
تفرس جيل بكأسه: "لقد ماتت."
"أنا آسفة."
"و أنا أيضاً."
"هل كنت.... كنت تريد الزواج منها؟"
رشف كأسه و نظر إلى اللون البنى للمشروب. "نعم. كنت أريد الزواج منها."
تقدمت فيكى نحو الأريكة و جلست. و مررت يدها فى شعرها و نظرت إلى جزمتها البيضاء اللون. "أنا آسفة, لم يكن على إثارة الموضوع. أنه فقط....."
"انه فقط ماذا؟ سألها بتجهم. بدت متعبة و مرتبكة. كما أنها بدت مزيجاً من أميرة الاستعراض و ملكة الثلج.
لعقت فيكى شفتيها. "أنه فقط.... لو تزوجتها, هل تكون هنا الآن؟ تفعل هذا؟ ما نقوم به سوياً؟"
كان سؤالاً غريباً, و فكر, إنه سؤال ما كان يجب أن يُطرح أبداً لو كانت ميللى على قيد الحياة. ميللى, فكر بمرارة, ميللى كانت الفتاة التى يجب أن يفكر يها, ليس فيكى.
كانت ميللى المرأة الوحيدة التى أحبها بصدق, لم يكن من شأنه التورط مع هذه الطفلة الجالسة أمامه, هذه الفتاة الغريبة و التى لا تربطه بها اية قواسم مشتركة.
و قال بعد فترة قصيرة: "كلا, لما كنت هنا."
أومات برأسها و كأنها أحست بالرضى. "حتى لو عنى ذلك فرصة لإخراج...ما تسميه... الوحدة الثانية؟ الإثارة؟ لما كنت هنا حتى لهذا السبب؟"
"كلا. كنت وجدت سبيلاً آخر. لما كنت تركتها للقيام بشئ كهذا."
أومأت برأسها مرة ثانية لم تكن فيكى إلى ماذا تريد الوصول و لماذا أعطته الاندفاع بالحديث أو الحديث عنها, لككنه فعل.
"كان اسمها ميلانى." قال محاولاً إخفاء العاطفة من صوته. "كانت من مونترى, مثلى. كانت فتاة ذكية, فتاة لامعة.... درست التاريخ فى الجامعة و تخرجت بتقدير جيد جداً. لكن عمل المخاطر كان يستهويها. مثلى تماماً. و هذا..... ما قامت به كعمل. كانت جيدة." أصبح صوته أكثر نعومة و هز رأسه متذكراً. "كانت جيدة."
لم تقل فيكى شيئاً, و ما زالت محولة أنظارها عنه, بل كانت تستمع فقط. و كانت ملامحها حزينة.
"التقينا خلال تصوير لقطة. فيلم من نوع الروديو. لم يكن فيلماً مهماً. لكنى ما زالت أذكره حتى الآن. أول مرة رأيتها كانت على صهوة حصان كبير. قله لها: "كيف يمكن لفتاة صغيرة مثلك امتطاء حصان كهذا؟" و قالت: "راقبنى فقط, يا راعى البقر."
هز رأسه. و هو يتذكر. كانت ميلى داكنة الشعر و العينين. كانت بينهما قواسم مشتركة كثيرة
"ثم بدأت تشعر بالتعب. بدا ذلك غريباً لأنها كانت دائماً بصحة جيدة. لكن حالتها كانت تسوء. عندما ذهبت إلى الأطباء...." توقف و أخذ رشفة من كأسه. "....علموا أن هناك شئ غير طبيعى."
أخذ نفساً عميقاً. "أخبرونى أنه بقى لها ثلاثة أو أربعة أشهر لتعيشها. قالوا أت العلاج الكيميائى لن ينفع معها. كان المرض قد تفشى فى جسدها بقوة."
شعر بتوتر فى جسده لهذه الذكرى. "كان علىّ إخبارها بذلك. قالت إنها تريد سماع الخبر منى و ليس من الإطباء. لذلك أخبرتها أنه لم يبقى لها سوى أربعة أشهر و لا يمكنها مقاومة ذلك."
ظهر التوتر على فكه. نظر حوله فى الغرفة إلى المرايا التى لا نهاية لها. "لكنها لم تستطيع مقاومته. عاشت فقط أربعة أشهر. جعلناها أجمل أيام العمر. كانت أشجع امرأة عرفتها فى حياتى. لن يكون هناك واحدة مثلها أبداً. أبداً."
أنهى كأسه و وضعها جانباً ثم عقد ذراعيه. "هذه هى القصة."
رفعت فيكى رأسها و يداها موضوعتان على ركبتيها, و للمرة الثانية وجد أنه من الصعب قراءة تعابير وجهها القاسية. كان يعلم أن تعابير وجهه كانت بقسوة تعابيرها. أدار نظره فى الغرفة و كأنه يبحث عن شئ يقوله. "لماذا هذه الغرفة مختلفة عن مختلفة عن غرفتى؟" سألته ذلك و كان شاكراً لها تغيير الموضوع.
"يبدو الأمر و كان أحداً ما أحضر غرفتين من بلدين مختلفين و ألصقهما معاً."

أنت تقرأ
روايات احلام/ عبير:التظاهر
Romance"لتحب و تحترم......" تركزت نظرة الكاهن على فيكى! و أخذت إنطباعاً باهتاً فى أنه سألها أن تتعهد بالحب و احترام الرجل الواقف إلى جانبها. أومأت برأسها و هى تشعر بعدم إستطاعتها الكلام. شد جيل على يدها. "أجل أتعهد." أستطاعت أخيراً أن تقول. و من مكان ما زع...