طارت الحروف من لساني ولم استطع قول شيء ولم أشعر بنفسي إلا وأنا ألتفت
ناحيتها وأشدها لحضني بقوة وأقول " قمر لا تعترضي نامي في حضني وسننسى
كل هذا غدا الآن أريدك هنا "
ابتعدت وجلست على طرف السرير وقالت بعبرة
" ليتك لم تقل هذه الجملة ليتك اكتفيت باحتضاني في صمت "
مددت يدي لها وقلت بهدوء " حسناً تعالي لن أتكلم أبداً "
قالت " لا أريد جرح كرامتك يا زين ولا أريدك أن تجرحني مجدداً أرجوك فابتعادنا أفضل "
انقلبت للجانب الآخر موليا ظهري لها وقلت ببرود " لن يحدث شيء مما حدث سابقاً وأنتي
غير راضية تأكدي من ذلك فلن أقربك إلا بموافقتك ورضاك "
لذنا بالصمت كلينا وبعد قليل نمت ولم أستفق إلا عند الفجر وهي غير موجودة في السرير
كل ما أردته البارحة أن أحضنها وامسح على شعرها وهي في مخيلتي قمر الطفلة وسأتجاهل
ضوء القمر للبارحة فقط لكنها ترفض حتى عطفي عليها ترفض حتى اقترابي منها ترفضني
بكل بساطة , غادرت السرير متأففاً دخلت الحمام غسلت وجهي وعدت للنوم وكأني أريد
الهروب من كل واقعي , بعد وقت طويل طرق أحدهم باب الغرفة لم تكن الطرقة لقمر قطعا
فجلست بسرعة , هل حدث لها مكروه يا ترى !!عاد الطرق مجدداً فقلت بتوجس " من ؟! "
فتح عندها كارل الباب ودخل يسحب قمر معه في يده وقال مبتسماً
" هيا لنخرج معاً سوف نغادر ولم نتمشى معاً هيا صباح الخير "
ضحكت وهززت رأسي بيأس وقلت
" آمنت الآن أنه ليس المعلم فاشل أنت من لا أمل فيك "
ثم أبعدت اللحاف عن جسدي ووقفت وقلت " حسناً أستحم ونخرج "
خرجنا بعد وقت قصير , صدَق كارل لم نتمشى معاً حتى أنا وقمر الزوجان لم نتمشى
ولا لخطوتين , كنت طوال الوقت أجلس مع البقية مبتعداً عن الشاطئ في مكان بعيد
ومنعزل وهي مع النساء الأخريات أو تسجن نفسها في الشاليه وإن تقابلنا نتشاجر فوراً
خرجنا نتمشى قرب الشاطئ ثلاثتنا أنا وبجانبي قمر وبجانبها كارل ممسكا يدها
كنا نمشي في صمت ولا شيء سوى أصوات الناس بقربنا في كل مكان حتى قال
كارل بسرور " كل من يراني يظن أني ابنكما هههه وقلت نعم أنا ابنهم "
قالت قمر " ابني في التاسعة كيف يكون ذلك "
قال مستاء " قالت لي تلك المرأة الوقحة كيف ابنهما ولا تشبه والدتك
الفاتنة ولا والدك الوسيم .... هل أنا قبيح !! "
ضحكت وقلت " كنت قلت لهم أنك طفرة وراثية "
قالت قمر بضيق " كارل لا تقل عنها وقحة هي أكبر منك "
تأفف وقال " لما زين لم يتضايق من كلامي هل هو سيء أيضاً "
تجاهلته ناظرة جهة البحر فقلت بابتسامة " سننجب فتاة ونزوجها لك ما رأيك "
ضحك وقال " إن كانت كقمري حسناً ولكن أريد منزلا وسيارة أيضاً معها "
ضحكت كثيراً ثم قلت ونظري على وجه قمر التي كانت تنظر لخطواتها في الرمال
" فتاة كقمر ومنزل وسيارة هذا كثير وحدها كانت ستكفيك "
قال بضيق " أين سنسكن إذاً وكيف سنتنزه بدون سيارة "
ضحكت قمر ضحكة صغيرة وقالت " نزوجها لوالدك ما رأيك "
قال ضاحكاً " نعم وخذا منه منزل وسيارة مقابل لها وزوجوني الأخرى وأعطوهم لي "
ضحكت كثيراً حتى تعبت ثم قلت " ولما نأخذ منه هو ونعطيك أنت "
لوح بيده في الهواء وقال " أنا وحدي ولكن والدي لديه أمي وابنته سليطة اللسان طويلة اليد "
أوقفتنا حينها فتاتان وقالت إحداهما لي بصدمة " أنت زين مالك أليس كذلك ؟! "
قلت " نعم "
صرخت ومن الصدمة بقيت أنظر لها دون أن أرمش ثم أخرجت الأخرى دفتراً وقالت
" وقع لنا أرجوك وأكتب لي شيئاً هنا "
أمسكت منها القلم والدفتر ووقفت هي ملتصقة بي تنظر لما أكتب , شعرت حينها بيد
تسحبني وصوت قمر وهي تقول " عذرا يا آنسة زوجي مشغول وعلينا الذهاب "
قالت الفتاة بدهشة " الكاتب زين مالك تزوج "
قالت قمر بغيظ وهي تسحبني وتسير " نعم وعليه المغادرة أيضاً "
ابتعدنا عنهما بخطوات فوقفت وقلت " قمر ما بك !! "
قالت بضيق ملوحة بيدها في الهواء " ألم ترها كيف كانت تلتصق بك وأنت تكتب
هل ضاقت الأرض بها ألا تستطيع أن تصبر حتى تكتب ثم تقرأها "
قلت بهدوء " قمر الأمر لا يستحق كل هذا الضيق "
قالت بغضب متجاهلة أين نحن الآن
" بلى يستحق ألم يكن اصطدام الشاب بي يستحق هذا مثله وأكثر "
هكذا إذا تردين لي الصفعة , كتفت يداي لصدري وابتسمت بسخرية وقلت
" ظننت لك مشاعر تعرف الغيرة على زوجك لم أتوقعك تنتهزي الفرص لتنتقمي "
نظرت لي بصدمة ثم قالت مغادرة من أمامي " غبية أقسم أنني أكبر غبية في الوجود "
وابتعدت عائدة من حيث أتينا نظرت جهة كارل وقلت " هل هي تغضب هكذا دائماً "
هز رأسه بلا وقال " كانت هادئة وحزينة دائماً أمي كانت تقول لتريشا دائماً ليتك مثل قمر
تتحدث بهدوء وتتحرك بهدوء حتى أنها لا تضربني عندما تدرسني ولا تغضب حين لا أفهم "
لما هي مشدودة الأعصاب هذه الأيام إذاً ولما تغضب مني وتستاء من كل شيء أفعله إن
كانت لسنين معهم هادئة طوال الوقت لما معي لا ولما كانت ستقبل شفتاي صباح الأمس
ولما تضايقت من الفتاة !! لازالت تحبني ... لا مستحيل لو كانت تحبني ما فعلت ما فعلته
وخانتني ولم توضح لي حتى الآن سبب خيانتها لي , ثم إن كنت سأفسر الشبه قبلة تلك حباً
فقبلتي لها كل ليلة ستكون حباً وإن فسرت تضايقها من الفتاة غيرة فسأفسر تضايقي حتى
من أخي جنون الغيرة حتى أنني كدت أرمي الكعكة التي أعدتها في الرمال لمدحهم لطعمها
من ثم انتقلوا لمدحها هي , إذا هو ليس حب ولا غيرة ما يكون إذاً , فسر شعورك نحوها يا
زين لتفسر شعورها , نظرت لكارل ثم نزلت لمستواه وقلت
" سنفعل شيئاً لنعلم إن كانت قمر غاضبة منا حسناً "
هز رأسه بنعم فقلت له ما سنفعله وعدنا للشاليه كان الجميع يقومون بجمع أغراضهم
وطبعاً نحن لم نفعل شيئاً سوى الركوب في السيارة , يالك من نابغة يا قمر خلصتنا
من أصعب مهمة , ركبت السيارة وقمر كانت فيها منذ وقت طويل وعلى حالها متكئة
على زجاج النافذة قبل حتى أن ننطلق , ركب كارل وغادرنا عائدين
في الطريق تحدث كارل حسب الاتفاق طبعاً وقال موجهاً حديثه لقمر
" قمري متى ستعودين إلينا ؟َ! "
قالت وهي متكئة على زجاج النافذة وعيناها مغمضتان " لن أعود لكم "
قال بتذمر " هل أحببته أكثر منا ونسيتنا "
غلبتني ابتسامتي ولم استطع أن امسكها , صدقت قمر حين قالت لا تستهن به
قالت مجيبة عليه " نعم "
قال " كنتي معنا لسنين كيف تحبينه أكثر منا "
قالت " عندما تكبر وتتزوج ستحب زوجتك أكثر من أي أحد "
أشرت له بيدي أن يتابع فقال " لن أحبها أكثر منكم "
قالت " لا تقلق فقد يعيدني زين إليكم قريباً "
قال " لما !! "
قالت " نعم يعيدني ... نعم يكرهني "
أشرت له بيدي ليسكت وركزت نظري على أنفاسها كانت تتنفس
بقوة وصعوبة , قلت بهدوء " قمر "
قالت " عينا التنين اخرجي من رأسي "
قلت بصوت أعلى " قمر "
قالت بهذيان " أصابعي أشعر بالبرد أمي افتحي لي الباب "
أمسكت يدها فكانت ساخنة جداً أوقفت السيارة جانبا أمسكت وجهها ورفعت
رأسها للكرسي , كانت خداها مشتعلتان من الاحمرار وشفتاها ترتعش
ضربت خديها وأنا أقول " قمر هل تسمعيني قمر استيقظي "
لكنها لم تفتح عينيها ولم تجب كانت ساخنة كالنار وعادت للهذيان مجدداً
وكانت تقول " لا شعري لا البرد ... زين زين "
أمسكت يداها بقوة وقلت " أنا زين يا قمر أفيقي أنا هنا لا عينا التنين ولا السطح
ولا برد ولا أي شيء أنا وحدي هنا , أنا زين قمر استفيقي "
ولكن عبثا حاولت شغلت السيارة وطرت بسرعة جنونية يد على المقود والأخرى
تمسك يدها وليس على لسانها سوى الماضي , ذهبت بها للمستشفى من فوري
نزلت وأنزلتها بين ذراعاي وقلت لكارل " أغلق السيارة وابق فيها إياك أن تنزل منها "
قال وهو يغلق الباب " حسناً "
دخلت بها ركضاً لتستلمها مني الممرضات في قسم الطوارئ رجعت لكارل وأنزلته معي
كي أضمن أنه لن ينزل لو تأخرت فيضيع مني , جلست أنا وهو ننتظر في صمت حتى
خرج الطبيب فوقفت من فوري وقلت " كيف هي الآن "
قال " حمى بسيطة لا تقلق أعطيناها خافض للحرارة وحقناها بالمغذي ستنام لوقت "
اتصلت بعدها بأهل كارل وأخبرتهم أني سأحضره بعد قليل كي لا ينشغلوا وما أن
أغلقت الخط حتى اتصل بي انريكي فأجبت فقال من فوره " مرحباً زين هل وصلتم "
قلت " لا نحن في المستشفى "
قال بصدمة " المستشفى ماذا حدث هل تعرضتم لحادث سير "
قلت بهدوء " لا ... قمر تعبت وجلبتها هنا "
قال بعد صمت " تعبت من ماذا هل هي حامل هل نقول مبروك "
قلت بتذمر " انريكي أنا لست بمزاج سخافاتك أخبرتك سابقاً أن
هذا مؤجل لقد أصيبت بالحمى "
كانت ميا تتحدث بجانبه فقال " هكذا إذا كيف تفعل ذلك "
قلت بتوجس " انريكي ماذا هناك ؟! "
قال " ميا قالت أن قمر قضت ليلة البارحة كلها جالسة عند
الشاطئ والموج يضرب قدميها "
لهذا إذا لم أجدها حين استيقظت , مجنونة كيف تقضي كل ذاك الوقت هناك
وصلني صوت انريكي قائلاً " زين تسمعني !!... لما قضت الليل خارجاً ؟ "
قلت " سنتحدث لاحقاً وداعاً الآن "
أغلقت الخط وما هي إلا لحظات وكانت عمتها وزوجها داخلان ركضاً وصلا
عندي أمسكت يدي وقالت بخوف " ما بها قمر يا زين ماذا حدث لها ؟! "
قلت مطمئنا " حمى بسيطة لأنها تبللت قليلاً البارحة لقد طمأنني الطبيب قبل قليل "
تركت يدي أمسكت يد زوجها وقالت " هيا لنتحدث معه تعلم أن قلبها في فترة نقاهة
وتعلم ما حدث حين أصيبت بالحمى سابقاً "
نظرت لهما بصدمة وقلت " ماذا حدث !! "
قال السيد طوم " هل أخبرت الطبيب عن قلبها "
قلت " لا "
تغير لون وجهه وكأن الموت دخلته فقلت بحدة " ماذا هناك أخبراني ما بها "
غادر مسرعا ومتجاهلا كلامي لحقت به ركضاً ودخلت خلفه لحجرة الطبيب فقال
" عذرا أيها الطبيب أنا قريب السيدة التي جاءتكم منذ قليل لقسم
الطوارئ هل حقنتموها بمهدئ "
قال بصدمة " لا كنا سنفعل للتو "
قال بحدة " لا أوقفهم "
خرجت ركضاً من عندهم وعدت لحجرتها كالبرق فتحت الباب بقوة وجدت الممرضة
تضع الإبرة في المغذي أخذتها منها ورميتها بعيداً وقلت بغضب " هل انسكب منها شيء "
نظرت لي بصدمة فصرخت بها " تكلمي هل انسكب من المهدئ شيء "
قالت " لا "
تنهدت براحة وقلت " لا تعطيها إياه "
قالت بضيق " هل أنا الممرضة هنا أم أنت ؟! ثم أنت ترى حالتها تهذي دون توقف "
صرخت بها " إن حدث لها شيء قاضيتك فهمتي المهدئ ممنوع عنها "
بقيت تنظر لي بصدمة فدخل حينها الطبيب والسيد طوم وقال الطبيب
" لا تحقنوها بالمهدءات مفهوم "
قالت بضيق ونظرها علي " مفهوم "
طلب منا الخروج وتركها ولكني رفضت , بقيت جالسا بجانبها أستمع لهذيانها المتكرر
عينا التنين البرد والسطح شعرها و زين , كانت تترجى الباب أن يفتح وتترجى والدتها
أن تأتي وتأخذها وذكرت حتى الشواء وكل شيء وكنت أشعر بالسكاكين تُغرس في قلبي
مع كل كلمة تقولها , سحقاً لك يا زين كنت طفلاً لكن ليس لدرجة أن تعجز عن فهم
معاناتها وإيجاد حل لها ولو تهريبها من ذاك السطح وأخذها لدار الأيتام فهي أرحم مئة
مرة من الذي عاشته , قد أسامحك على أي شيء تفعله لها الآن لخيانتها لك لكن طفولتها
لا أسامحك عليها أبداً , بعد ساعات انخفضت حرارتها وتوقفت عن الهذيان ونامت نوماً
طبيعياً دون مهدءات وبقيت بجوارها حتى الصباح
في اليوم التالي أذن لها الطبيب بالخروج , حمدا لله أنهم لم يحقنوا المهدئ , لكنّ
الخطأ على عمتها وزوجها كيف لم ينبهوني لهذه النقطة كل ما همهم حينها هو الإنجاب
دخلت الممرضة لتنزع منها إبرة المغذي وجهاز قياس النبض ونظرت باتجاهي وقالت
" ألن تكتب لنا شيئاً جديداً سيد زين معجبيك ينتظرون منذ زمن "
نظرت لها باستغراب , يبدو لي ذاكرة الفتيات كالصاروخ حتى أنهن
يعرفنني من الصور في الجرائد , قلت مجاملا بابتسامة
" كتبت بعض المقالات ثم هناك غيري كثر وأفضل مني "
قالت مبتسمة " لم تستهوني أي مقالة بعد مقالاتك "
بدأت أذكرها ببعض الكُتاب الجيدين وهي تضع ملاحظة سيئة على كل واحد منهم
وتنظر اتجاهي كل حين فقالت قمر بضيق " هيه أنتي إنك تخرجينه بشكل خاطئ
انتبهي لعملك واتركي عنك المقالات "
نظرت لها وقالت " عذراً يا آنسة هذا عملي وأتقنه وعيناي مغمضتان "
قالت قمر بسخرية " المغذي لازال مفتوحاً يا متقنة هل ستنزعينه هكذا ثم
أنا لست آنسة وهذا زوجي "
أغلقت المغذي ونظرت لي وقالت " لم تتحدث الجرائد عن أنك تزوجت !! "
قلت ونظري على قمر " حدث الأمر سريعاً وحديثاً "
أبعدت نظرها عني متضايقة ثم قالت وهي تبعد يد الممرضة عنها
" اتركيني أنزعه وحدي فقد عشت به لأشهر "
خرجت الممرضة ووجهها يتلون من الغضب ونظرت قمر ليدها وهي تمسح الدم
منها بواسطة القطنه وقالت بضيق " قل أني أخطأت وتسرعت هذه المرة أيضاً
يالها من مستهترة عيناها في جانب ويداها تلعبان في جانب تظنني غبية , أجل
فهي صحتي وليست صحتها ولا صحتك "
قلت بضيق " قمر لما هذا الموقف منها لقد نبهتها وانتهى "
نظرت لي وقالت بسخرية " لا تخف كثيراً على مشاعرها "
قلت بحدة " قمر لما هذا الكلام الآن كانت تتحدث عن الكُتاب الجدد يعني
حديث عادي فسري لي سبب تضايقك منها بهذا الشكل "
قالت بابتسامة حزينة " رد صفعة كالسابقة هذا ما تفكر به أليس كذلك "
نظرت لعينيها شبه الدامعتان وقلت بهدوء ممزوج بالضيق
" تتصرفين كالأطفال تماماً "
خبئت وجهها في ذراعها وبدأت بالبكاء دون كلام فتنهدت وقلت بهدوء
" قمر ليس هذا مكاناً مناسباً لنتشاجر ولا لتبكي "
نظرت لي وقالت بعبرة " لما يحق لك أنت أن تتضايق من اقتراب أحد من زوجتك لأنها
ملكك وأنا لا يحق لي , لما تتجاهلني وتهمشني دائماً , أنا في النهاية بشر ولا أحب أن
تتكلم أحداهن مع زوجي هكذا أنت تضعني أمامهم موضع المنبوذة المهملة التي لا تعنيك "
اقتربت منها جلست بجوارها ضممتها من كتفيها وقلت بهدوء
" حسناً لن يتكرر ذلك توقفي عن البكاء الآن "
هدأت بعد وقت فهي إن بكت لا تتوقف إلا حين ترغب هي بذلك وبعد أن تفرغ
كل ما في جوفها من مياه , مسحت على خدها وقلت
" كانت تسألني وأنا أجيب هل كان علينا صنع مشكلة من هذا "
قالت ونظرها للأسفل وشهقاتها الصغيرة لازالت تتالى
" أريد الخروج من هنا الآن وحالاً "
ابتسمت بعفوية وأوقفتها عدلت لها شعرها وخرجت بها من هناك للمنزل فطلبت مني
أخذها لمنزل عمتها فوضعتها هناك فيبدو لي هي بحاجة للابتعاد عني لأرحمها مني
إن بقيت أمامي فلن أعاملها إلا بالقسوة أغلب الأحيان , بعد يومين تلقيت اتصال هاتفي
من انريكي فأجبت قائلا " ما بك تتصل في هذا الوقت هل بكم مكروه ؟! "
لاذ بالصمت فقلت بحدة " انريكي تكلم ماذا هناك "
قال بهدوء " والدك توفي بالأمس "
من صدمتي لم أستطع حتى الكلام فقال " زين هل أنت معي "
قلت " نعم ... كيف حدث ذلك ؟! "
قال " أزمة قلبية , أنا هناك هل ستأتي ؟! "
قلت " لا أعلم "
قال بغضب " زين ما بك يا رجل الكل يسأل عنك هنا أنت ابنه الوحيد "
تنهدت وقلت " سأرى "
أغلقت الخط وسندت رأسي على يداي على طاولة المكتب أمامي فهذا حالي منذ عدت
من الرحلة فلم تعتب قدمي غرفة نومنا خوفاً من أن تنجرف مشاعري للغائبة عنها وأنا
أرى أشيائها وأشم عطرها , تنهدت بضيق ومسحت وجهي , ستُ أعوام مرت لم أره
فيها منذ ذاك اليوم حين طردني من المنزل بدم بارد ورغم أنه يعلم ببراءتي من التهمة
لم يكلف نفسه عناء التكلم معي والاعتذار أو حتى طلب أن أعود للمنزل دون أن يعتذر
لم أنسى يوماً ولن أنسى ذاك اليوم الذي نظروا لي فيه بنظرات كالجليد وهوا يطردني
وكأنهم ليسوا عائلتي , آنجل الوحيدة التي كانت تمسك يد والدي وتبكي بحسرة وتترجاه
أن لا يفعل ذلك , آه لم يخرجني من تلك النكبة سوى ضوء القمر لا الكتابات ولا الشهرة
ولا شيء و وحدها انتشلتني من ذاك الحزن دون علم منها لتعود وتطعنني لتقتلني تماماً
ودون رحمة فكيف أغفر لها الآن كيف
تنهدت بضيق وغادرت غرفة المكتب ودخلت غرفة نومنا ما أن فتحت الباب حتى
غمرت أنفاسي رائحة عطرها التي لم تغب لحظة عن خلايا صدري فتحت الخزانة
لآخذ أغراضي فقادتني يدي لفساتينها المعلقة وأمسكت الفستان الزهري الذي ارتدته
تلك الليلة أخرجته ورميته على وجهي وأغمضت عيناي أستنشق عبيره لا بل عبيرها
فيه لتظهر صورتها ذاك اليوم أمامي وهي تلبسه ليكشف انحناء خصرها وتقاسيم جسدها
وساقيها البيضاء الناعمة وكأنها أميرة من الخيال , تنهدت وأبعدته عن وجهي ورميته
في الخزانة وطردت تلك الأفكار الغبية من دماغي وأغلقت بابها وخرجت من الغرفة
في اليوم التالي ذهبت لمنزل عمتها وأخبرتهم أنني أريد مقابلتها وبقيت انتظرها في غرفة
الجلوس حتى دخلت علي بفستانها الزهري اللون القصير وخدان متوردان يعكسان لونه
والعينان العسلية الواسعة والشفاه الوردية , كانت كفتيات القصص الخيالية تماماً
اقتربت وقالت " مرحباً زين "
بقيت أنظر لملامحها في صمت فتنقلت عيناها في ملامحي بحيرة وقالت " ما بك ؟! "
لا اعلم كيف علمت أن ثمة أمر حدث رغم أن ملامحي كانت جامدة تماماً عن أي تعبير
نظرت للأرض وقلت " والدي توفي منذ يومين "
شهقت بصدمة وكأنها تعرفه ثم قالت " كيف ؟! "
نظرت لها وقلت " أزمة قلبية "
قالت بحزن " يرحمه الله ويخلفكم فيه خيراً "
قلت بهدوء " شكراً لك "
رفعت شعرها خلف أذنها وقالت " ماذا ستفعل الآن ؟! "
نظرت لمفاتيحي بين يدي أشتت نظري عليهم ثم نظرت لها وقلت
" سأذهب لهم اليوم إن كنتي تريدين البقاء ابقي هنا فلن أتأخر "
هزت رأسها بقوة حتى تحركت غرتها الناعمة وقالت
" لا سأذهب معك يجب أن أكون معك هناك "
قلت معترضا " قد تتعبك الرحلة لابد وأنك لازلت متعبة أنظري لخداك كيف لونهما "
قالت بإصرار " بل سأذهب وخداي ليسا من المرض متوردان
هذا لأني استيقظت من النوم الآن "
نظرت لها بحيرة , إذاً أنا لم أرها مستيقظة من النوم قبلا لكن كيف ألم تكن تنام !!
تنهدت وقلت " حسناً جهزي نفسك لنعود للمنزل وسنغادر بعد قليل "
غادرت من فورها مسرعة وما هي إلا لحظات ودخلت لتخبرني أنها جاهزة عدنا للمنزل
في صمت جمعَتْ أغراضاً لها ولي في حقيبة وغادرنا المدينة متوجهاً للمدينة التي لم
أزرها منذ ذاك اليوم , ساد الصمت مطولاً في الطريق ثم كسرَته قمر قائلة
" كم عدد إخوتك وما أسمائهم "
نعم كيف فآتني هذا عليها أن تعرفهم لتسأل عنهم , قلت " آنجل و كارلا و لوسيا "
عادت للصمت فقلت " هناك ما عليك معرفته قبل الوصول هناك "
نظرت لي بحيرة فقلت " أنتي تعلمين أني أعيش وحيداً فأي شيء ستتوقعينه منهم
لا أريد مشكلات يا قمر كلها أيام قليلة ونعود "
قالت " بالتأكيد ولكن ألا أخ لهم غيرك "
قلت " لا "
قالت " كيف سيبقون وحدهم "
قلت بسخرية " هم لم يحتاجوني يوماً "
قالت " ولكن الوضع تغير الآن من يحميهم من الناس والمجهول هم نساء وحدهم "
قلت بحدة " قمر هذا الموضوع منتهي الكلام فيه هم طردوني ولم يريدوني يوماً "
ثم تأففت بضيق وقلت " لننهي الحديث في الأمر "
قالت بهدوء وعيناها على يديها في حجرها
" تخيل أن إحداهن أصابها مكروه على من ستلقي الناس اللوم حينها "
قلت بصراخ زلزل السيارة " قمر كم مرة سأعيدها "
ارتجفت خوفا وهي تنظر لي ثم لاذت بالصمت ولم تتحدث حتى وصلنا عبرت الشوارع
لم تتغير كثيراً , وصلنا المنزل ولاحظت قمر تفرك يداها بتوتر نظرت لها فكانت عيناها
على المنزل المجاور لمنزلنا فتحت باب السيارة وهي على حالها لم تتحرك توجهت ناحيتها
فتحت الباب وقلت " قمر هيا لقد وصلنا "
نظرت لي بصمت ثم نزلت تتبعني حتى دخلت وتوجهت أنا لمجلس الرجال حيث وقف
الجميع لتعزيتي , منهم من أعرفه وتعرفت عليه رغم مرور السنين ومنهم من لا أذكره
وأمضيت اليوم هكذا في استقبال التعازي وكل مخاوفي أن تقابل قمر عينا التنين هنا
ولكن هذا اختيارها , هي أرادت المجيء وعليها أن تستحمل
اتصلت بآنجل قبل وقت وطلبت منها أن تخبرني لو حدث شيء مع قمر , كان كل
خوفي من أن تكون الحمى لم تزل معها بعد
عند المساء وبعد أن غادر الجميع وقفت ودخلت للمنزل , لا أنكر أني أكابر على
نفسي لأدخل لهم ولولا الحياء كنت بقيت في المجلس حتى غادرت من هنا___________________________________________________
نهاية التشابتر
توقعاتكم
رح تشوف سيلينا عينا التنين و لا لأ؟
أنت تقرأ
Lunar mansion
Fanficرواية تحكي الحب تحكي الرومانسية والأحلام المستحيلة رواية تحكي الحاضر وتسافر بكم للماضي وللذكريات المنسية لتحكي الحزن لتحكي البؤس والحرمان والطفولة الأليمة