25. شيء يستحق الحياة

516 27 2
                                    

ضممت ساقاي لحضني أكثر وأنا أجلس على هذا السرير البارد رغم

التدفئة المركزية في هذه الغرفة الخالية سوى من أنفاسي الهادئة , دسست

رأسي بينهم واستسلمت لدموعي , لا أذكر شيئاً مما حدث بعد ذاك اليوم

سوى استيقاظي على صوت طنين الأجهزة فنظرت بعينان نصف مفتوحتان

للواقفين حولي أتنقل بينهم بنظري واحداً واحداً , طبيبي الألماني ... عمتي

ودموعها الغالية تتساقط في كفيها و ..... رجل غريب في ملامحه شيء ما

...... نعم أنا أعرفه ولكن لا أذكره , أشار بأصبع يده السبابة أمام وجهه

بشكل قلب مبتسماً فتذكرت ما تعني هذه الإشارة , نعم تذكرتها تعني المفقود

من حياتي , تعني يا قمر أن أحد نصفاك الضائعان قد عاد , تقطعت أنفاسي

في جهاز التنفس الموضوع على أنفي وفمي وعيناي اغرورقوا بالدموع

ومددت يدي له ببطء رغم المغذي المحقون بها وجهاز قياس النبض والتعب

والمرض إلا أنني رفعتها بسهولة نحوه فأمسكها وقبلها قبلات لا يمكنني

معرفة عددها من كثرتها , كان يضمها لصدره ويتحدث ولا اسمع سوى

كلمة ( ابنتي ) فنزلت دموعي تتساقط بعدد يفوق عدد قبلاته بعشرات المرات

لتتجمع كل سنين البؤس والحرمان وتندفع من كل خلايا جسمي التي عاشت

فيها وتخرج في صوت هامس مخنوق " أبي "

لينطلق ذاك الجهاز بطنينه المرتفع فأبعده الطبيب عني يود إخراجهم من الغرفة

ونظري يتبعه ونظره للخلف عندي فعجز لساني عن نطق الحروف رغم كل

محاولاتي , أردت أن أترجاهم أن يتركوه معي ولو للحظة أخرى بعد

أتركوني أنعم به لا تأخذوه مني مجدداً , ارتفعتْ شهقاتي الراجية علهم يرأفوا

بحالي فحقنوني بتلك الحقنة الكريهة التي تأخذني للظلام الدامس الخالي حتى

من الكوابيس المرعبة ولم استفق من حقناتهم المتتالية تلك إلا بعد وقت طويل

لأجد نفسي في مكان آخر بل مستشفى آخر , أخبرني الطبيب هنا انه ولحسن

حظي كان الطاقم الألماًني في المستشفى بعد نصف يوم من سقوطي لأنهم كانوا

في زيارتهم السنوية لتعاقد البلدين صحيا فما كانوا سيجدون وقتا لنقلي لهم في

بلادهم وكان الموت سيكون أسرع منهم فأجروا لي جراحة كانت نسبة الفشل

فيها ثلاث أضعاف نسبة النجاح وكنت ميتة بين أيديهم وميتة بعد العملية لأشهر

لولا أن أمر الله لم يقضي بعد بموتي لكان الموت أقرب لي من الحياة وما كنت

Lunar mansionحيث تعيش القصص. اكتشف الآن