17. منزل الطفولة

479 28 0
                                    

  منذ انتقلنا إلى هنا تحول أغلب وقتي لجحيم فلا شيء سوى سجن نفسي في هذه

الغرفة حتى أنني أصبحت آكل وجبة طعام واحدة وليس يومياً , زين في صومعته

الجديدة وشقيقتاه لم تتقبل أي منهما إياي ولا أنا كذلك فسجنت نفسي ولا شيء سوى

الوحدة والآلام , لم ينم زين ليلة البارحة معي يبدوا لي عاد لسجن نفسه بعيداً عني

ولم أنم أنا أيضاً لأن الكوابيس لم تتركني , لما لا يفهم أنه أماني الوحيد أن قربه

يجعلني أنام في سلام

خرجت فجرا للمطبخ لشرب بعض الماء وما أن فتحت الثلاجة حتى دخلت كارلا

غريب وجودها هنا في هذا الوقت والمكان تحديداً !! نظرت لي ببرود وقالت بهمس

وكأنها تحدث نفسها " سأدمره كما يدمرني "

نظرت لها بصدمة وقلت " من تعني !! "

قالت بابتسامة سخرية " ستعلمين قريباً وليس قريباً بل قريباً جداً "

ثم بدأت برفع صوتها قليلاً ونعتي بألفاظ وأمور لم أفعلها أو أرها حياتي ولم تعطني

المجال حتى للرد عليها والدفاع عن نفسي وخرجت من فورها , بما تهذي هذه

المتعجرفة تبدوا لي فقدت عقلها بعدما رفض زين خطيبها وطرده

بعد ذلك بساعة دخل علي زين الغرفة وقال أننا سننتقل لمنزل الجيران , شُلت أطرافي

للخبر لكن علي الاستحمال هو خير لي من البقاء مع شقيقتاه هنا , غريب أمره لما

تغير بعد ليلة البارحة يبدوا نومه هناك قرر فيه هذا القرار القاسي وحتى ملامحه

تغيرت للخشونة , آه من قلبك يا قمر حتى متى سيحب هذا المتحجر لما لا أكرهه لماذا

جلست على السرير وضممت ساقاي لحضني وذهبت في رحلة بكاء طويلة ومريرة

انفتح حينها الباب وقف زين أمامه وقال بصوت حازم

" هل لي أن أعرف سبب هذا البكاء ؟! "

خبئت وجهي أكثر وقلت " هل ممنوع أن أبكي "

دخل وأغلق الباب بقوة وقال بحدة " لا أحد يبكي بغير سبب حسب اعتقادي "

قلت " بلى أنا "

قال بغضب " قمر كم مرة نبهتك على طول لسانك معي "

رفعت رأسي ونظرت له نظرة تحدي وقلت " لا أذكر "

اقترب مني أمسكني من ذراعي ورفعني إليه وقبض يده الأخرى وضغط بها على

خدي وقال بغيض ومن بين أسنانه " قمر لا أريد أن أضربك لا أريد فلا تستفزيني "

قلت ودموعي تجري على خداي

" افعلها يا زين افعلها فقد ترحمني بها هي أهون علي من جرح كرامتي بسببك "

ضغط عل خدي بقبضته أكثر وهو يضغط فكاه حتى كادت أسنانه تتحطم فأغمضت

عيناي بشدة أنتظر مصيري بين يديه الغاضبتان فأفلت ذراعي وخرج وتركني أصارع

آلام يدي التي عادت تمزقها بقوة ولم أره بعدها يومان كاملان لا أنا خرجت من الغرفة

ولا هو دخلها ولست أعلم حتى إن كان في المنزل أم لا

استيقظت اليوم مبكراً ارتديت تنوره قصيرة واسعة بيضاء اللون بنقوش بنفسجية على

أطرافها وقميص بنفسجي بأكمام قصير يصل طولها لنهاية الذراع به أزرار بيضاء من

الأمام وياقته من الداخل بيضاء أيضاً , خرجت للمطبخ والجميع منهمك للتحضير لحفل

خطوبة لوسيا , نظرتْ لي لوسيا  بابتسامة وقالت

" مرحباً قمر أخبروني أنك متعبة ولم تخرجي من غرفتك "

توجهت ناحيتها سلمت عليها وقلت " متى الحفل ؟! "

ضحكت آنجل وقالت " حقا أنك لا تعلمين شيئاً الليلة سيحضر أهل خطيبها سيكون حفلاً عائليا "

قالت كارلا بسخرية " كيف لم يخبرك زوجك أم أنكما متخاصمان !! "

نظرت لها ببرود وقلت " بل لا يخبرني بالأمور التي لا تهمه "

خرجت حينها آنجل لسماعها بكاء ابنتها ونظرت أنا لكارلا وقلت

" هل لي أن أعلم ما قلته يومها ومن أين أتيتِ بكل تلك الأكاذيب "

ضحكت كثيراً ثم قالت " لا تهتمي للأمر وانسي ما حدث "

ثم غادرت ضاحكة دخلت آنجل وقالت " ما بها !! "

تنهدت وقلت بضيق " تمارس غطرستها علي كما الجميع "

وضعت يدها على كتفي وكانت تود قول شيء لولا دخول من لم أره منذ أيام

وقف عند الباب نظر لي نظرة تفحصيه شاملة ثم نظر لآنجل وقال ببرود

" مرحباً آنجل "

قالت بابتسامة " سلمت علي منذ قليل أم أنك نسيت "

قال ببروده ذاته " لا لم أنسى ولكن أحببت أن أسلم عليك ثانيتا هل من مانع ؟! "

ضحكت وقالت " لا أمانع طبعاً ولكن أستغرب لما "

قلت أنا ببرود كبروده " لكي يشعر الجدار أنه لا أهمية له لديه ولا يراه أيضاً "

نظرت آنجل حولها وقالت " أي جدار !! "

لم استطع إمساك نفسي عن الضحك رغم ألمي وحزني فضحكت وانهمرت دموعي مع

ضحكاتي فلم أعلم هل أضحك أم أبكي فغادرت المطبخ مسرعة أمسح دموعي ومررت

بجانبه وهو كالتمثال لم يحرك ساكنا , عدت للغرفة ولم أغادرها وبعد وقت طرقت آنجل 

علي الباب ودخلت ووجدتني جالسة على السرير جلست بجواري وقالت

" ألن تجهزي نفسك سيصل الضيوف قريباً "

لذت بالصمت فقالت " ماذا اشتريتِ من أجل اليوم ؟! "

ابتسمت بألم وقلت " شقيقك لم يجد لي وقتا ليأخذني اشتري شيئاً "

تنهدت ولم تعلق على الأمر ثم وقفت وقالت " هيا أرني فساتينك لنختار وأحداً "

قلت ببرود ونظري أسفل " لا أريد الحضور "

جلست وقالت " قمر ما بك صارحيني ؟! "

قلت ببكاء " آنجل لا أريد التحدث أرجوك "

تنهدت وقالت " حسناً لن نتحدث ولكنك سترتدين أجمل ما لديك وتخرجين معي

لا تكوني ضعيفة أمام أحد يا قمر أريهم أنك لا تكترثي لأي شيء "

لم أتحرك أو أتكلم فشدتني من يدي وقالت " هيا قفي يا قمر "

وقفت وفتحنا الخزانة فتشت في فساتيني وقالت

" رائع كلها جميلة وتنفع لهذه الليلة وهذا أجملها "

أخرجت فستاناً دمي اللون بمشبك كريستالي عند

طرف الخصر تتدلى منه مجموعة سلاسل بحمالات من الكريستال وضعته على

السرير وقالت " سأخرج الآن وأعود بعد قليل أريد رؤيته عليك "

خرجت وتركتني وقفت أمامه قليلاً ثم لبسته وضعت بعض الماكياج بحركات بطيئة

وبدون رغبة , بعد ذلك دخلت آنجل فوقفت لها فنظرت لي مطولاً ثم قالت

" يا الله ما أجملك يا قمر أقسم أنك قمر حقاً "

قلت بابتسامة باهتة " شكراً لك "

ثم رفعتُ غرتي بيدي للأعلى وقلت

" ولكن هذه لا ترتفع للأعلى ولا تليق بالفستان وهي هكذا "

قالت بحماس " لدي الحل "

ثم خرجت وعادت تحمل في يدها علبة مثبت شعر وقالت

" هيا أجلسي واتركي الأمر لي "

ضحكت وقلت " لن ينجح هذا صدقيني "

قالت بابتسامة " ستري إما أنا أو هي الليلة "

جلست وظهري للمرآة وبدأت بتثبيت غرتي خصلة خصلة وشدتها بمشابك كريستالية

وقد أفرغت كل عبوة المثبت عليها وبعد جهد كبير أنزلت بضع خصلات على جبيني

وقالت " رائع انتهينا "

نظرت للمرآة فكانت بالفعل تبثثها للأعلى وغيرت في شكلي كثيراً فحضنتها بحب وقلت

" شكراً لك يا آنجل أنتي رائعة حقا "

أبعدتني عنها وقالت " تعالي معي هناك من عليه رؤيتك هكذا "

جمدت مكاني وقلت " لا لا أريد "

قالت وهي تسحبني من يدي " بلى عليه رؤية هذا المشهد أقسم أن يغمى عليه "

سمعنا حينها صوت استقبال لضيوفهم فقالت آنجل بضيق

" ها قد جاء من أفسد كل شيء ولكن لا بأس هيا لنخرج لهم "

خرجنا معاً واستقبلنا الضيوف معهم كانوا امرأتان وثلاث فتيات شابات وطفلين

كنت طوال الوقت أرافق آنجل حيث ذهبت وأتجنب الجميع , بعد وقت سمعنا صوت

زين ينادي آنجل فوكزتني وقالت بهمس " أخرجي إليه "

لم أتحرك من مكاني فقالت بصوت مرتفع قليلاً

" علي الذهاب للمطبخ قومي يا قمر وانظري ما يريد زوجك "

لقد وضعتني في موقف محرج أمامهم ولم يكن أمامي سوى الخروج له فهي غادرت

من فورها جهة المطبخ , خرجت وما أن وقفت أمام الباب حتى نظر لي مطولاً بصمت

وكأنه يرسم تفاصيل وجهي لينتقل بعده لجسدي فحركت قدمي وقلت وعيناي أرضاً

" هل تريد شيئاً ؟! "

أدخل يديه في جيوبه وقال بعدما شبع من تفحصي " قلت آنجل فلما لم تأتي "

كتمت دموعي ووجعي وكل شيء وقلت بلامبالاة

" مشغولة في المطبخ وطلبت مني رؤية ما تريد "

غير من وقفته وثنى ساق أمام الأخرى متكأ على حافة الباب وقال

" ولما تحدثينني هكذا "

أشحت بنظري جانبا ولم أُجيب أعلم أنه يستفزني لأتكلم ثم يصرخ بي كعادته

كتف يديه لصدره وقال" منذ متى تملكين هذا الفستان ؟! "

قلت ونظري بعيد عنه " منذ تزوجتك "

قال " ها منذ تزوجتني ولما لم تلبسيه سابقاً "

نظرت له مطولاً بجمود ثم قلت " لم تحدث مناسبة لأحد "

ابتسم ابتسامة جانبية وقال ببرود

" وهل يحتاج الأمر مناسبة لترتدي الزوجة فستاناً كهذا لزوجها "

قلت بسخرية " زوجها !!! "

قال بحدة " أخبرتك أن لا تتحدثي معي بهذه الطريقة "

نظرت جانباً وقلت ببرود " وكيف أحدثك "

قال ببرود أشد " كما تحدث الزوجة زوجها "

نظرت له وكتفت يداي لصدري وقلت " وكيف ؟! "

عدل وقفته ووضع يده على حافة الباب وقال بهمس " حبيبي حياتي عيناي ماذا تريد "

ضحكت رغماً عني ثم قلت " هذا لا يليق بنا أبداً "

قال بملامح جامدة " ولما "

قلت بأسى " لأنه لا المكان ولا الزمان والظروف ولا حتى الأشخاص مناسبين "

قال بسخرية " تعترفين للمرة الثانية أنك جدار "

قلت بألم " أنت من جعلتني هكذا "

قال ببرود " تدخلي الآن وتغيري هذا الفستان "

نظرت له وقلت بحدة " لن تتحكم في ملابسي لا أسمح لك ثم لا رجال هنا "

قال بغضب " رائع ما الذي لم تقوليه بعد "

قلت " زين  ماذا تريد علي الدخول فوراً "

قال باستهزاء " أنا لم أطلب منك البقاء أنتي من بقيتي هنا

يبدوا لي تنتظرين شيئاً آخر غيري "

نظرت له بصدمة ثم ابتسمت بألم وقلت

" مشكلة عندما يفوق الذكاء حده عند أحدهم حتى يتحول لغباء "

قال بابتسامة جانبية " ومشكلة حين يفوق الجمال عند

إحداهن حده حتى يتحول لبشاعة في داخلها "

كان سكينه هذا قاسي علي جداً , امتلأت عيناي بالدموع وقلت بأسى

" لماذا يا زين ؟! "

قال " هل تعلمي ما أسوء ثلاث أشياء لدي "

قلت وأنا أجاهد دموعي كي لا تسقط " أعلم أنا والباقي لا يهم "

ثم غادرت للداخل وتركته توجهت من فوري للمطبخ كانت آنجل وحدها هناك

ما أن رأيتها حتى انسكبت دموعي بغزارة فاحتضنتني من فورها وقالت

" ماذا قال لك ذاك الغبي المتوحش "

قلت ببكاء " أحبه يا آنجل لما يفعل بي هذا "

قالت ماسحة على ظهري " دعك منه ستري ما سنفعله به "

ثم طبطبت على ظهري وقالت

" توقفي عن البكاء يا قمر هو لا يستحق دمعة من عينيك وسيندم يوماً "

قلت ببكاء أشد " ليته بإمكاني أن أكرهه كيف أكرهه يا آنجل "

تنهدت وقالت " من يحب لا يكره يا قمر عليك أن لا تنسي

هذا لن تكرهيه ما دمتِ تحبينه وهو كذلك "

ابتعدت عنها ونظرت لها في حيرة فمسحت دموعي وقالت

" هيا يكفيك بكاء ودعي أمره لي "

اتصلت بزوجها وطلبت منه مقابلتها عند الباب خرجت قليلاً ثم عادت وسحبتني

من يدي خارجاً وهي تقول " هيا تعالي أخرجي واحتفلي ودعي أمره يومين

وستري ما سنفعل أنا وأنتي به "

خرجت خلفها وغادر الضيوف بعد وقت قصير , كانوا منشغلين بالحديث عن عائلة

خطيب لوسيا حين دخل زين , كنت أود مغادرة المكان ولكن لن أجني سوى التوبيخ

كالمرة السابقة , اقترب منا فوقفت كارلا مغادرة من فورها ثم تعذرت لوسيا محرجة

وغادرت جلس زين بجوار زوجة والده حيث كانا في الأريكة المقابلة لنا وبدءوا

يتناقشون في أمور عدة تحدثوا فيها مع أهل خطيبها وأنا لذت بالصمت حتى شعرت

بوكزة من مرفق آنجل ثم ضحكت وقالت

" كل واحدة من عائلتهم سألت عن قمر على حدا يظنونها ابنتكم هههههه كنتي ستخرجين

بعريس الليلة يا قمر لولا هذا الذي ربطك به "

قال زين ببرود " قد يرغبوا بمطلقة "

رمشت آنجل فيه بصدمة ثم قالت " تطلقها !! "

ضحك ووضع ساق على الأخرى وقال " بل أنتي وليس هي "

شهقت آنجل بقوة فضحكوا عليها وأبت الضحكة أن تخرج من قلبي المكسور , كنت

أعلم أنها لن تتغلب عليه إنه داهية في إنقاذ نفسه تململت في جلستها قليلاً ثم قالت

" أنا لن يصنعوا بي شيئاً أما قمر إن طلقتها ستختفي في طرفة عين "

رفع حاجبيه وقال " إلا إن كنتي ستزوجينها لزوجك "

توقعتها ستثور ولكنها قالت بهدوء " أقسم إن فعلتها زوجتها بنفسي "

نظر لها بجمود مطولاً فضحكت وقالت " وليس لزوجي طبعاً بل أحد إخوته "

نظر لها نظرة سخرية لتفهم من سيقبل بمطلقة فقالت بتحدي

" هل تعلم ما قال ماتيو  شقيق زوجي عندما تحدثت ابنتي أمامه عن زوجتك "

تغيرت ملامح زين ولا أفهم لما أو كيف أصفها فتابعت آنجل 

" قال هل يفكر شقيقك في أن يطلقها "

ازدادت ملامحه سوءً حتى شعرت بالخوف منه ثم قال بحدة

" وما تفعليه أنتي وهو يخوض في عرض أخيك أمامك "

قالت بلامبالاة " لم أفعل شيئاً هل كنت سأضربه على مزحة مزحها "

نظر للجانب الآخر بضيق وكأنه يحاول كبت كلماته فقالت آنجل 

" قمر هيا متى سآخذ لك الصورة قبل أن ننسى وتغيري الفستان "

نظر حينها زين لها نظرة كالسهم الناري , آنجل المخادعة نحن لم نتحدث في

هذا مطلقا يبدوا أن كل ما قالته مسرحية منها , أمسكت يدي وقالت وهي تقف

" هيا تعالي سنلتقط واحدة في الحديقة "

قال حينها زين  بحزم " ومن قال أني موافق على هذه المسخرة "

قالت آنجل  " وما في ذلك الجميع يفعل هذا إنه أمر عادي "

وقف وقال " عادي بالنسبة إليك "

قالت بضيق " هاتفي مليء بصور لرفيقاتي وقريبات زوجي فأريد

أن أريهم زوجة أخي هل هذا خطأ "

قال بغضب " رائع كي تصبح ملهى لحديث إخوته وأقاربه أقسم إن

التقطتِ لها واحدة حطمت لك هاتفك "

قالت بحدة " زين  ما بك هل جننت "

اقترب منا وسحبني من يدي في غضب ودخل بي الغرفة وأغلق الباب

هذه نتيجة أفكارك يا آنجل أنا من ستدفع الثمن الآن

كتف يديه لصدره وقال " أراك لم تمانعي تصويرها لك يبدوا حكاية شقيق ..... "

قاطعته بصراخ " أصمت لن أسمح لك أن تتهمني يا زين "

قال بسخرية " وما تفسير ما حدث ؟! "

قلت بغضب " ما كنت لأوافق ذلك وأنت لم تترك مجالاً لأبدي وجهة نظري "

فتح الخزانة بقوة أخرج فستانا طويلا رماه على السرير وقال

" من اليوم فصاعداً سترتدين هذا أمام الجميع وحتى النساء "

قلت بحدة " ما هذا الجنون كيف سأرتدي مثل هذه الفساتين  أمام الضيوف "

رمى بأصبعه في الهواء وقال بصراخ " هذا آخر ما لدي "

قلت بغضب " طلقني الآن يا زين"

عم الغرفة صمتٌ غريب وكأن الكون قد مات , نظر لي بصدمة بل أنا من صُدمت

كل أحشائي وأولها قلبي مما قال لساني فابتسم بسخرية وقال " يبدوا لي صدقتي نفسك "

قلت ببكاء " لن أتزوج ما حييت لقد عفت هذا "

اقترب مني أمسك ذراعاي بقوة وعصرهما بأصابعه حتى كادت عظامي تتحطم

بين أصابعه , سيضربني الآن بالتأكيد سيفرغ بي غضبه على ما قلت , هذا ما

كنت أنتظره في تلك اللحظة ولكنه فعل شيئاً لا يمد للغضب بصِلة , قربني لصدره

بقوة وكبلني بيديه ثم قبلني بقوة وعنف أمسك رأسي وكاد يمزق شفتاي وكأنه يفرغ

غضبه أو لا أعلم ماذا في قبلته تلك ثم تركني وخرج

انهرت على السرير خلفي جالسة ودخلت آنجل بعده فوراً اقتربت مني وقالت

" ماذا حدث ما كل هذا الصراخ ؟! "

قلت ببكاء وأنا أمسح الدم عن شفتي

" لا شيء يجدي معه يا آنجل وأنا من تدفع الثمن لما قلتي ذلك "

اقتربت مني مصدومة وقالت وهي تمسك ذقني " هل ضربك ؟! "

هززت رأسي بلا فقالت " ما سبب هذه الدماء إذا ؟! "

قلت بابتسامة سخرية " قبلني "

ضحكت بصوت مرتفع وبهستيرية فقلت بضيق

" هل تري حالي يجلب الضحك "

قالت من بين ضحكاتها " كنت أعلم أنه لن يقاومك الليلة "

قلت بألم وأنا أمسح شفتي بالمنديل " يالك من واهمة لم تكن إلا عقابا "

جلست بجواري وقالت " غبية أي عقاب هذا الذي هكذا "

ثم رفعت الفستان من تحتها وقالت " ما هذا هل كنتم تنوون الخروج "

ضحكت من بين دموعي وقلت " نعم سيأخذني في نزهة كمكافأة لي على الليلة الرائعة "

ضحكت وقالت " ما قصتها أخبريني "

قلت بحسرة " أوامر شقيقك أن لا ارتدي غير هذه الفساتين أمام النساء "

عادت لضحكها المجنون وقالت " اقسم أنه مغرم بك "

قلت بحزن " يا لمخيلتك يا آنجل من يحب لا يفعل ما يفعله "

وضعت يدها على كتفي وقالت بجدية " ستري إن لم نصبه بالجنون صبرك معي

فقط ولا تأخذي كل الأمور بهذه الحساسية بل استمتعي بإغاظته "

قلت بأسى " من يده في النار ليس كمن يده في الماء "

قالت " غدا قال زين ستنتقلون لمنزل الجيران سأكون عندكم بعد يومين ستستضيفونني

لأيام وستري ما سنفعل "

قلت بسرور " حقا ستكونين معنا قولي قسما سأبقى معكم "

ضحكت وقالت " لم أرى من تفرح بوجود شقيقة زوجها معها "

تنهدت وقلت بحزن " لا أريد أن أكون وحدي هناك "

قالت بجدية " لا تخبري زين  لأنه ثمة مخطط بيني و بين زوجي لفعل ذلك حسناً "

قلت باستغراب " أنا لا أفهم شيئاً "

قالت بابتسامة " ستفهمين لاحقاً فقط لا تخبريه "

قلت بأسى " وهل أراه أنا لأخبره "

ضحكت وقالت " ورائه ورائه إما أن نصلحه أو نقتله "

قلت بذعر " ماذا !!! تقتلينه .... لا "

ضحكت وقالت " ما كل هذا الحب هذا وهو يسيء لك كيف لو يحسن معاملتك "

تنهدت وقلت " مشاعري ستكون واحدة في كل الأحوال "

قالت بهدوء " لما لا تتحدثي معه عن هذا وتريا ما سبب خلافاتكم "

تنهدت وقلت بحزن " لن ينفع ذلك وستزداد الأمور سوءً صدقيني "

قالت بجدية " زين إن لم يجد سبباً للغفران لا يغفر أبداً يا قمر هذا طبعه دائماً "

نظرت لها بحيرة وقلت " ما الذي تعنيه يا آنجل وما الذي تعلمينه "

تنهدت وقالت " ليته بإمكاني فعل أو قول شيء , أريد فقط أن تصلا لحل لما بينكما "

نظرت للأسفل بشرود ثم لها وقلت بحزن وعيناي تمتلئ بالدموع " إن أنا غبت عنكم

اعتني بزين جيداً , ابحثي له عن واحدة يحبها ويعيش معها سعيداً لا تتركوه وحده كما

في السابق ... آنجل أرجوك "

نزلت الدموع من عيناي تباعاً فنظرت لي مطولاً بصدمة ثم أمسكت كتفاي وقالت

" قمر ما تعني بأنك تغيبي عنا ماذا هناك ؟! "

قلت ببكاء " لا شيء فقط عديني بذلك "

احتضنتني وقالت " ليته يُقدر هذا الحب النقي ذاك المغفل المعتوه المغرور

سحقاً لك من رجل يا زين"

تمسكت بحضنها أكثر وقلت من بين شهقاتي " لا تدعي عليه لا يا آنجل "

قالت وهي تربت على كتفي " لا تخافي فالرجال كالجبال لا يضرهم شيء "

وغادرت بعدها على الفور عائدة لمنزلها وتركتني مع حزني وهمومي

بعد وقت دخل زين  توجه من فوره للخزانة أخذ شيئاً ثم ضرب بابها بكل

قوته وخرج أقسم أنها مصنوعة من أجود أنواع الخشب ليستحمل بابها كل

هذا الضرب الدائم منه , دخل بعدها بقليل فتح الخزانة مجدداً فتش قليلاً ثم

تركها مفتوحة وغادر ما به هل جن أم ماذا !! هو شبه تارك للغرفة منذ

وقت ما سر هذه الزيارات هل الفستان حقاً السبب , ضحكت في داخلي

على هذه الفكرة الساذجة ووقفت لأغير ثيابي استحممت وارتديت ثياب

النوم وخرجت , جلست على السرير ووضعت الكريم المرطب على يداي

فدخل وتوجه من فوره للخزانة السحرية أجزم أنه سيخرج لي مارداً منها

بعد قليل لكن المفاجئة غير ذلك فقد أخرج الفستان الذي كنت أرتدي وأخذه معه

رائع لما لم يأخذ البقية فقد أرتدي وأحداً منهم في غيابه آآآآه منك ومني يا زين

لما لم تتغير مشاعري اتجاهك ولا ذرة لما لا أكرهك وتصرفاتك كفيلة بأن تجعل

والدتك التي أنجبتك تكرهك بجنون بعد قليل جاءتني رسالة على هاتفي وكانت منه

وفيها ( جهزي كل أغراضك , صباح الغد سننتقل من هنا )

تنهدت بضيق ورميت بالهاتف بعيداً عني ها قد عدنا للرسائل من جديد , بعد

وقت سمعت صوت رسالة فتحتها فكان فيها

( لا ترفعي غرتك للأعلى ثانيتا لا تعجبني هكذا )

رميت الهاتف بعيداً عني مجدداً , أقسم أنك عذابي في الدنيا قبل الآخرة يا زين 

في الصباح وبعد تلك الليلة التي لم أتذوق فيها طعم النوم بسبب كوابيسي في ذاك

المنزل الذي سأدخله اليوم جمعت ثيابي وأغراضي وكل شيء , على الأقل سأتخلص

من كارلا رغم الأسى الذي سأذهب إليه , دخل زين  في صمت وبدأ بإخراج الأغراض

ونقلها فخرجت بحثا عن والدتهم , هي كانت طيبة معي رغم أنها لا تفرض شخصيتها

على ابنتيها وتنهاهما عن الخطأ في حقي لكنها عاملتني بلطف , ودعتها وشكرتها رغم

أني سأكون جارة لهم لكني لا أعد أحداً بزيارتهم هنا إلا إن أصر هذا التمثال الصامت

على ذلك من أجل إغاظتي

بعد أن انتهى زين من نقل الأغراض خرجت من المنزل لأخرج من باب وأدخل

لأقرب باب إليه , دخلت وهو خلفي وقفت في فناء المنزل بتردد وكأني أشعر بقمر

الطفلة تخرج من أحشائي وتركض بعيداً عن هنا , كم أتمنى أن أجدها في الداخل

وأخرجها معي من عذابها هنا ومن أول يوم جاءت فيه ولا ترى ما رأت من عذاب

طيلة تلك السنوات " هل سيطول وقوفك هنا "

ما به هذا لما لا يدخل ويدعني وشأني , تقدمت بخطوات بطيئة حتى وصلت الباب

ثم تنحيت جانباً ليفتح الباب ويدخل ولكنه وقف جامداً مكانه فوضعت يدي على

المقبض وحركته ببطء ... المقبض الذي لم أفتحه يوماً ولم أره في حياتي سوى مرتين

حين دخلت هذا المنزل للمرة الأولى ويوم خرجت منه

دخلت للداخل تغير لون طلاء الجدران وبعض الأبواب , نظرت من حولي هناك كانت

الأريكة التي نمت عليها نومتي الأولى هنا , هناك كانت تحلق لي شعري كل شهر كي

أبقى صلعاء , هنا كانت تجرني من شعري لــ.... رجعت خطوة للوراء فاصطدمت بجسده

خلفي وضع يداه على كتفاي في صمت فمددت يدي ببطء للأمام وقلت بحركة شفتاي

وهمس خافت " قمر "

إنها هناك في المطبخ أرها أجل وعلي إخراجها , توجهت هناك من فوري وخطواته

تتبعني , دخلت ولا أحد هناك نظرت جهة المغسلة ... كان هنا الكرسي الصغير الذي

أقف عليه لأغسل الأواني وأغني تلك الأغنية ( نحلة تقفز في الأزهار نحلة تعمل ليل نهار )

لتنزل تلك اليد على عنقي وهي تصرخ ( أصمتي وأعملي بسرعة )

لم تكن أغنية بل كانت النشيد الذي علمني إياه زين في ذاك السطح , ارتجف كل جسدي

ضممته بيداي أشد ذراعاي بقوة ودموعي تنزل من عيناي مباشرة للأرض , توجهت للمخزن

الصغير في ذاك المطبخ لا بل لغرفتي التي لم أخرج منها حتى اليوم , كانت رفوفه فارغة

تماماً , وقفت عند الباب واتكأت بيدي على حافته ... ذات المخزن الصغير المظلم الكئيب

أخفيت عيناي في ظهر يدي الموضوعة على حافة بابه والتي كنت أتكئ بها عليه وقلت

بحزن ودموع " أخرجي من هنا يا قمر أخرجي أرجوك "

أحسست بيد تمسك كتفي هي لزين بالتأكيد فابتعدت عنه وعن يده ودخلت المخزن

نظرت لأعلى رف فكان هناك .... دميتي نعم هي دمية أمي التي صنعتها لي , الدمية التي

كانت تنام في حضني كل ليلة وأتحدث معها عن معاناتي , سحبتها من هناك بسرعة وكأنني

أختطفها وضممتها لصدري بقوة وانهرت أرضاً على ركبتاي أبكي بمرارة فلا مجال للتماسك

أكثر ولم تعد لدي ولا ذرة قوة بعد هذا فبكيت كثيراً وأنا أحضن الدمية بقوة وكأني سأدخلها

لجوفي , أحضن معها والدتي ووالدي وطفولتي أحضن الذكريات التي رحلت وتركتني

بعد وقت شعرت بيدا زين توقفانني حتى وقفت على طولي ابتعدت عنه خارجة من المطبخ

فوصلني صوته قائلا " قمر انتظري " 

Lunar mansionحيث تعيش القصص. اكتشف الآن