[ ١٠ ]

938 91 16
                                    


دَلِفَ لاماسو الى المسكن ليجد نفسهُ وحيدًا داخله، و لأول مرة أمسى المسكن موحشًا تعمهُ السَكينة. تأملهُ قليلًا، فأحس بالحنين الى تلك الضجة التي كان يُحدثها رفاقه، و الضِحكات المُقهقهة. لوهلةٍ احس بأطيافهم موجودة و كأنهم ما زالوا حاضرين في المكان، و سرعان ما تلاشوا من مخيلته، لكن تأثير المكان على قلبه أستمر بينما يمشي بخطوات مُتمهلة في ارجاءه. كان المكان في حالة فوضى، اكثر من أي وقتٍ مضى، كانت المنضدة تنام على الارض و الكتب في كل مكان، و المكتبة مركونة على الحائط بشكلٍ مائل و لم يبقى في رفوفها سوى عدد قليل بينما البقية على طاولة الكتابة و على الارض. و راح لاماسو يتجنب الكتب، يضع اقدامه في بقع خالية، الا انها كانت قليلة و الكتب عددها كبير فإذا بهِ يجد نفسه يفعل ما لا يريد، وفي كل مرة يدوس بها على كتاب يقول في سره: «اسف جبران». و اثناء ذلك لفتت انتباهه بعض العناوين، مثل رواية سقوط الباستيل لـ ألكسندر دوما و رواية الموت السعيد لـ البير كامو، خوارق اللاشعور لـ علي الوردي، ديوان للمتنبي، ديوان لـ احمد درويش، كتاب هذا هو الانسان لـ نيتشه، و كتب في علم الفلك لـابن الهيثم.

كانت كتب لمؤلفين عرب و اجانب و من ازمان مُختلفة، بعضها من الماضي و اخرى من الحاضر و من المستقبل، ثم لفت شيء اخر انظار لاماسو، رأى سُّبحة على الارض، كانت مصنوعة من حجر الياقوت الازرق و غالبية مناراتها و فواصلها مصنوعة من البلاتين ومطعمة بالماس صغير الحجم، فتناولها بيده و راح يتأملها، قلبها في راحة يده ثم لفها حول رسغ يدهُ اليسار، ونظر حوله مجددًا وهو يتمنى بأن تعود السعادة التي وجدها هُنا، لكن هذه السعادة بدأت تخيفه و هو يبحث عنها بهذا القدر من الوضوح، و قد شعر بألم في رأسه من الانهماك في التفكير، ثم رفت على فمه ابتسامة كئيبة من دون سبب واضح. وقف امام المكتبة، فلاحظ قصاصة ورق صغيرة بارزة من كتاب في احدى رفوف المكتبة فسحبها و قرأ الآتي:

«تِلكَ السمكة الصغيرة التي خرجت من البيضة، هل تعرفُ إن مسألة اكلها حتمية؟!»

القى القصاصة و راح يُسقط الكتب من الرفوف بيديه، كتاب تلو الآخر، فعثر على سجادة صلاة كانت محشورة بين كِتابين، و لم يوقفه ذلك عن القاء كل شيء في المكتبة تِباعًا، حتى لاحظ انفلات قصاصتين من كتابان مُختلفان، كُتِبَ في الأولى:

«الصمت المُطبق بِداخلي يكادُ يقتلني، لا يوجد شخص يمكنني الحديث معه و أقومُ بأغلب الاشياء وحدي و بِسرية كما لو إنني لستُ جزءً من هذا العالم، حتى في صلاتي، ففي كل يوم قبل أن اصلي استوثق خلو المكان و كأنني سأرتكبُ ذنبًا»

وكُتِبَ في الثانية:

«لقد كانَ لي اسم»

•لامــاســو | Lamassuحيث تعيش القصص. اكتشف الآن