ردت الام:- انها ايميلي بنت ذكية و مُتعلمة، و لقد قادها فضولها الي قبل اسبوع وشاءت الأقدار ان تأتي الي كل يوم و تساعدني بالرغم من انه يوجد خادم هنا.
- صحيح اين بقية الخدم؟
- لم يبقَ احد فحين توفي والدك، استولى على تجارته اشخاص اشرار نهبوا كل شيء...خصوصًا إن الفونس قد هجر الثروة و قرر أن يعيش بدونها لهذا لم يكن هناك وريث ليدافع عن هذه الثروة، فأخذت ما معي من اموال و تركت قصرنا في باريس و عدت الى قصرنا القديم هذا و برفقتي الخادم الوحيد الذي بقى و الذي ترونه امامكم الان...وقد طلبت من معارفنا القدامى المساعدة الا انهم رفضوا فتأزمت حالتي الصحية على اثر ذلك...ساعدني الخادم في المصاريف حين يخرج بين الفينة و الاخرى للسوق لبيع اغراض مختلفة من القصر و بسبب مرضي عجزت عن زيارتك بالمستشفى فطلبت من الفونس أن بكِ بعد أن عاد الي و قد تحمل مسؤولية القصر بنفسه لفترة من الزمن و انشغل بالعمل بالميناء حينها، لكنه ترك ذلك في النهاية و ذهب لباريس تنفيذًا لطلبي.
رمقت انجلاين اخيها بنظرات لم يفهم مغزاها، ثم راح لاماسو يتأمل المركيزة بأسى، كانت متهالكة و مريضة بسبب ذنب لم تقترفه.
دفن يديه في جيوب بنطاله و تنهد بضيق، بينما ارتمت أنجلاين بين احضان والدتها وهي تبكي بِحُرقة، كما إن الام قد بكت كذلك، و مدت يدها تطالب لاماسو بالاقتراب منها، فوثبَ نحوها و جلس بجوارها فغيرت الام الجو الكئيب بسردها قصص طريفة عاشتها العائلة هنا قبل سنوات كثيرة، دون أن تدري إن لاماسو لم يعش تلك المواقف بشكلٍ فعلي، و يبدو أن تغير الأجواء ليس من نصيبها و انما من نصيب ايميلي التي قاطعتهم مجددًا، و هي تدخل الغرفة بينما تحمل صينية عليها اكواب تحوي نبيذًا، و لسوء الحظ، حين اقتربت من لاماسو تعثرت بسجادة الغرفة، فأنسكب النبيذ بالخطأ فوق رأسه، فوثبَ مِن مكانه وصاح:
- بارد، بارد، بارد.
انحنت ايميلي كاليابانيين متأسفةً بينما تضحك بسخرية بذات الوقت، فقال لاماسو بغيض:
- تبًا...انى لكَ أن تفعل هذا معي.
و قد ضرب صدره و هو يقول تلك الكلمات كأنه يحاول ان يبدو في مظهر القوي رغم الأحراج، بحيث بدا مظهره مُضحكًا للغاية و لم تحاول ايميلي ان تكتم ضحكتها فقد ضحكت بصوتٍ مرتفع، و خرج لاماسو غاضبًا لينظف نفسه، ثم عاد بعد ثواني فوجد امهُ نائمة و يبدو ان ايميلي قد اعطت المركيزة دواءً، قائلةً بصوتٍ هامس:
- انا اسفة اقدر شوقكم الكبير لوالدتكما، لكن موعد الدواء لا يؤجل بالإضافة الى انه يسبب النعاس للأسف.
و خرجت ايميلي، بينما جلس لاماسو قليلًا يتأمل منظر المركيزة و يتأمل وجهها الشاحب الذي كان يعكس آثار الضغط العصبي الذي تعاني منه، فقد اشيب راسها، و بدت نحيلة جدًا، جلد على عظم و حسب، و قد جردها المرض من اثوابها و زينتها، و شوهت التجاعيد ملامحها. بالنتيجة عَلِمَ إن عذابها هذا قد استمر طويلًا الى الحد الذي جعل الذين يحيطون بها يعتادون على مرضها، و ينسون إن بإمكانها ان تنهار بسبب حالتِها هذه. وقد نامت انجلاين بين احضان أمها و الابتسامة تعلو وجهها، فأبتسم هو بدوره بسبب هذا المنظر. ثم همة بمغادرة الغرفة، لاحظ إن الخادم كان يقف كالأصنام، فطلب منه الخروج معه، و قد فعل، نزل الاثنان من السلم ثم افترقا، غادر الخادم بعيدًا بينما لاماسو ظل في الصالون حين رأى ايميلي هناك و هي تنحتُ تمثالًا نصفيًا بإتقان:
- اتحسبُ هذا فن...الفن لم يخلق لكَ بل لي.
قالها و هو يصفق لكي يلفت انتباهها، فمطت ايميلي شفتيها بعدم اقتناع:
- لا اصدق! انت فنان؟!، اكادُ أجزم إن اعمالك قبيحة كوجهك.
- لا تحكم على شيء انتَ لم تره بعينيك.
- أتحاول أن تبدو ذكيًا؟
- لا فأنا ذكي بالفطرة.
- آها، اذن اثبت لي انكَ ذكي و اخرس قليلًا لكي اركز في عملي.
ضحكَ لاماسو، و تأملها بصمت، بدت و كأنها تشبه احدًا يعرفه، ليس شكلًا و انما في الشخصية، لكن لم تسعفه الذاكرة وقتها.
أنت تقرأ
•لامــاســو | Lamassu
Ficción histórica• مـثل عرُوض الـدُمى، حولَ أيادي الـجَميع خيوطٌ تُحرِكَهُم، أما من أعتبرَ نفسهُ حُـرًا، لم يختلف كثيرًا ! سوى إنهُ كان جاهلًا بحقيقة إن خيوطهُ كانت مـَرخيةً أكثر من غَيرهِ. •الرواية فائزة بمسابقة أسوة 2018، كـواحدة من ثلاث أفضل روايات عن الفئة التار...