لما بزُغت الشمس، كانت الرايات الحمراء واعلام فرنسا ترتفع في ميدان الكونكورد، هناك كان يتواجد عدد لا يحصى من الثوار وهم يتجولون بأريحية كما لو أن البلد أصبح مُلكهم. و قد كان لاماسو يُسرع الخطى بجواد كان يمتطيه حينئذ، محملًا ببندقية و سيف. و من بعيد بدت له المدينة كغابة موحشة، تتصاعد في سمائها أدخِنة، و قبب الكاتدرائيات واضحة للناظر و هي شامخة، ومن قَريب كانت مبنية من القرميد و الأحجار السوداء، حينها دوت اصوات اجراس، أعقبهُ انطلاق مئات العيارات النارية، ليبدأ لاماسو بالتقدم على مهل، فتدوس حوافر الحصان على البلاط المبلل، بينما يشم انف الشاب روائح مختلفة مثل روائح المشروبات الكحولية، و روائح الموتى من البشر والحيوانات، كما إن روائح السجائر كانت منتشرة بشكل فظيع. و تستمع أذنه الى مئات الأصوات التي كانت تغني و تقوده الى حدائق السعادة، كما لوانه كان يسبح في عوالم اخرى، لكن فجأة اختفى ذلك و تغيرت الأصوات و صارت موحشة و قاتمة.وقد تمنى ايقاف الثوار الذين كانوا يقتلون ما تبقى من أعدائهم؛ و كان هناك نوع من الهمجية في التعامل معهم، بحيث رأى لاماسو مجموعة من العامة يتجمهرون حول شخص يرتدي زياً مشابهًا لـزي لقمان، و قد هجموا العامة على الرجل النبيل وانتزعوا منه ملابسه و من ثم طعنوه بالخناجر والسيوف، و ما أن غرق الرجل ببركة من الدماء القوه فوق كومة من أجساد الذين سبقوه وهم يرددون بصوتٍ مرتفع "حرية - مساواة – اخاء"
وقتئذٍ مر على خاطره كلام الكونتيسة حين قالت: من هنا بدأ الارهاب.حملق بهم لهنيهات بعد أن اوقف جواده، ثم سمع صوت صدر من احد الازقة، نظر نحو مصدر الصوت، فرأى رجلًا يخفي وجهه بقطعة قماش مزركشة، و قد ازاحها فورًا، فتبين انه لوران، بدا و كأنه كان ينتظر لاماسو و يدعوه للمواجهة، فقبض الاخير على بندقيته و سيفه و نزل من على ظهر الجواد بطريقة بهلوانية.
· · • • • • • • · ·
بين الأزقة و الحانات وعلى الجدران المُغطاة بِرسوم داعرة و استشهادات سياسية و المباني المترامية، صدى اقدامهم أمسى مسموعًا للبعض حين بدا الأثنان و كأنهم يلعبون لعبة القط و الفأر، كان لوران مسلحًا كذلك و يركض على تلك البلاطات المتسخة متنقلًا من زقاق الى آخر و من بناية إلى أخرى، و خلفهُ لاماسو يُلاحِقهُ كظِله.
كانَ لوران يُفكر كثيرًا عند كل خطوة يخطوها، كان يودُ أن يضمَ حياته بين يديه و يضغط عليها كما تضغط أسنانه على كِسرة الخُبز. أراد أن يحب حياته في باريس، حيثُ يحيطون به اناس يعاملونه على انه مهم، لكنه في تلك اللحظات وجد نفسه وحيدًا ككل مرة، وهو يُدرك كُم هو صعبٌ احتمال هذه الوحدة، كان بإمكانه أن يرسم خطى جديدة لحياته و يرحل بعيدًا، لكن عوضًا عن ذلك تقبل عيش حياة مجرم تحبه السلطات الفاسدة، و حين وصلت الامور لنهايتها تمنى لو إن هناك زر يعيد حياته من البداية رغم أنه خطط بنفسهِ إلى هذه النهاية، بينما الأن فجأة بات يحب الحياة بشهوة جانحة، لكن الفأس قد وقع في الرأس ولا مَجال للتراجع بعد الان.
فبدأ يُطلق الرصاص عشوائيًا على لاماسو اثناء انتقاله من مخبأ الى آخر، بينما الأخير راح يتجنب ضرباته بقفزات تقوده للتخفي في داخل الازقة، و في عينيه يلتمع إصرار رجل مُتشبث بأحلامه و حياته.
أنت تقرأ
•لامــاســو | Lamassu
Tiểu thuyết Lịch sử• مـثل عرُوض الـدُمى، حولَ أيادي الـجَميع خيوطٌ تُحرِكَهُم، أما من أعتبرَ نفسهُ حُـرًا، لم يختلف كثيرًا ! سوى إنهُ كان جاهلًا بحقيقة إن خيوطهُ كانت مـَرخيةً أكثر من غَيرهِ. •الرواية فائزة بمسابقة أسوة 2018، كـواحدة من ثلاث أفضل روايات عن الفئة التار...