[ ٢٤ ]

554 58 15
                                    


· · • • •  • • • · ·

كانت الشمس تهبط عموديًا، و بوهجٍ لا يُحتمل في بلاد النيل الازرق، البلاد الغنية التي تمتلأ بالموارد الطبيعية و الاراضي الخصبة، رغم ذلك البلاد تعيش في تدهور اقتصادي، و الكثير من الشعب لا يملك خبزًا كافيًا يشبعه، محرومًا من ابسط حقوقه. وفي ذلك النهار في جنوب السودان تحديدًا، وقفت امرأة ببشرة داكنة و محجبة بشال احمر اللون امام بيت داب الاهتراء في بعض اجزاءه. وقد كانت المرأة ترتدي ثوبًا من قطعة واحدة كاملة تغطي كامل جسمها و ذراعيها، محملة بحقيبة جلدية صغيرة الحجم.

أخذت المرأة نفسًا عميقًا قبل أن تطرق باب المنزل الخشبي عِدة مرات بينما تستمع لأصوات مختلفة تصدر من الداخل. كانت اصوات اطفال يبكون و اخرين يضحكون، و يقاطعهم بين الفينة والاخرى صوت امرأة فيه شيء من  الخشونة يطالب الفريقين بالصمت.

استمرت تطرق الباب، حتى فُتِحَ اخيرًا، و من خلال فُتحة ضيقة من الباب القت امرأة نظرة فاحصة على الطارق، و من دون أن تقول الضيفة كلمة واحدة، فتحت صاحبة البيت الباب بالكامل و اسارير وجهها قد انبسطت. كانت امرأة متوسطة العمر، داكنة البشرة، ممتلئة الجسد، تلفُ رأسها بشال هي الاخرى. هتفت المرأة:

- أميمة...لقد عادت أميمة.

فهب الاطفال نحوها راكضين، الباكين و الغارقين في خضم اللعب، كلهم هتفوا بإسم أميمة. كانوا ستة اطفال جميعهم اصحاب بشرة الداكنة، تنوعوا بين بنات و اولاد. الاكبر بينهم كان ولد بسن الحادي عشرة، و اصغرهم بنت بسن الخامسة.

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي أميمة، و راحت تقبل و تحتضن الاطفال، حتى جاء من الداخل شاب في سن المراهقة، و من دون أن ينبس ببنت شفة احتضنها، كان اكبر اشقائها. ثم اخيرًا توجهت تلك المرأة نحوها، كانت هي السباقة في رؤية أميمة لأول مرة بعد غياب دامَ لفترةٍ طويلة، الا انها صارت الاخيرة بين كومة الاخوة و الاخوات هذه، وبينما اخذت تقتربُ منها، ابعدت أميمة نفسها عنها، كما لو إنها تتجنب هجومًا من جرثومة، و قالت لها بصرامة:

- لا انفك اتساءل كيف تتخيل امرأة غريبة نفسها و هي تأخذ مكانًا ليس لها...انا لم استلطفكِ قط، و كرهت اسمي لأن لكِ الاسم ذاته، لكنني فهمت اخيرًا انه لا معنى لتفكيري و اسئلتي هذه؛ لان ابي بحاجة لمن يساعده و لا يوجد احد افضلُ منكِ في هذا.

•لامــاســو | Lamassuحيث تعيش القصص. اكتشف الآن