-7-

13.6K 290 15
                                    

-7-
تقدمت نحو شقيقها في صمت, فقبض علي يدها المرتجفة في قوة كادت تتأوة من الالم لكن تحاملت, بينما قالت نور لعامر باسمة :
-ابقي جيب بسمة كتير عشان بحب اقعد معاها..
رمق بسمة في حدة و كز علي اسنانه قائلا :
-ربنا ييسر..مش يلا نروح يا بسمة بقيو لا حابة تباتي هنا !
و شدها في عنف خارج المكان غير مباليا بحرجها من صديقتها و مصطفي الذي استعجبا من تصرفه العنيف, ارتج جسد الصغيرة و قالت حانقة :
-ايدي يا عامر..سيبني..
تفاجئت بوجود نيرة في السيارة تجلس في المقعد الخاص بها – جوار مقعد عامر – فتظاهرت الغيرة في قولها :
-اية دة كمان جايب نيرة تقعد مكاني!
زجرها عامر بحزم الي الباب السيارة الخلفي و دفعها في ضيق الي مكانها, اطاعته في صمت و جلست في الخلف في ارتياب, استدارت نيرة اليها و مدت يدها مصافحة, فصافحتها بسمة مستغربة من وجودها, لكنها قالت مرحبة :
-ازيك يا نيرة..وحشتيني
فقرصت نيرة خدها الممتلئ و قالت بلطف :
-و انتِ كمان وحشاني
صفع عامر باب سيارته في عنف, فانتفضت كلتا الفتاتان, علمت بسمة ان هناك ما ضايقه لكن لم يخطر علي بالها ان تكون هي سبب غضبه, فيما زعقت نيرة معاتبة :
-اية يا عامر براحة خضتني!
صمت و قاد السيارة في هدوء و قد تقلصت ملامحه في وجوم غاضب, فلامست نيرة كتفه قائلة باستغراب من تصرفاته :
-مالك يا عامر انت مضايق من حاجة ؟
زاد سرعة السيارة و لم يجيبها كالمرة السابقة, فتألفت الانظار بين نيرة و بسمة في تعجب, رفعت بسمة كلتا منكبيها و كأنها تخبرها "معرفش ماله", فزمت نيرة شفاهها في جهل, سكتا كليهما و قد ساد الخوف في قلوبهما من سرعة السيارة, خجلت ان تخبره بأن يبطء السرعة قليلا فيشخط بها في عصبية.
تصبب العرق من جبينه و حاول ألا يتخيل بسمة في موقف مخل مع مصطفي, وجهها كان متوردا في ارتباك حينما رأته كما كانت يدها مرتجفة وقتما امسكته, بالتأكيد حدث شيء بينهما, لمحت بحبها لمصطفي يوم حديثهما, هل يا تري استسلمت له! هل وافقته في احتياجاته الذكورية الشهوانية! ماذا فعلت السذجاء الغبية بنفسها!!
شعر انه سيجن من التفكير بالامر, فتوقف بالسيارة فجأة انتفض جسد نيرة الي الامام, لم يكترث لشيء سوي انه التفت بنصف جسده العلوي الي بسمة في الخلف و جذب ذراعها في عنف و هو يرمق وجهها الخائف كثور رأي الملائة الحمراء تهتز امام عينيه, صرخ منفعلا :
-عملتي اية مع الباشا و انتم لوحدكم
و رج ذراعها و هو يتابع صياحه :
-انطقي..
لم تتفهم بما يقصد, فبلعت ريقها في ارتباك و قد اسحت ان صوتها لن يخرج من شدة الذعر منه, سألته خائفة :
-تقصد اية, هو مين دة؟
فاجابها في نفس النبرة العالية :
-مين ! هو في غيره..مصطفي
اندهشت من الاسم و ارتجف قلبها خائفا, بما تجيب, أتخبره الحقيقة و تبرء نفسها من تلك التهمة فتخسر صديقتها العزيزة, هل رأهما سويا؟, ماذا رأي ؟, أتكذب و تقول لم يحدث شيئا, نظرته المتفحصة لها تزيدها توترا و تشل لسانها عن الاجابة, كلما حاولت النطق تنسحب و تتردد, لم تجد وسيلة لتخلص منه الا البكاء, فقد عجز عقلها عن التفكير في اجابة مقنعة في ذاك الجو المتوتر.
-بس يا عامر مينفعش كدة
قالتها نيرة بغضب و هي تبعد قبضته عن ذراع بسمة الباكية, فترك ذراعها بقوة حتي كاد يخلع من مكانه فازدادت بكاءا من الالم, اشار اليها بسبابته منذرا :
-وديني ما هسيبك..نروح بس و انا هربيكي
ثم اطلق سباب و شتائم لم تتحمل سماعها نيرة, لأول مرة تري هذا المرح في عصبيته و شدته, وجهه مكهفرا بغضب و كأنه لو ضرب الحائط لتفتت من قوته, تملك قلبها الخوف تجاهه, ماذا فعلت شقيقته ليصبح هكذا ما توصلت اليه ان هناك من يدعي مصطفي و يبدو ان علي علاقة ببسمة, لماذا غضب هكذا ! عامر ألح عليها مرارا حتي يصبحا صديقان في درب الحب و حين اعترضت, اعترض و اصر ان تستمر علاقة بينهما, ما الفارق اذن؟ ام ان بسمة سمحت – لهذا المصطفي – ان يتلاعب بجسدها و ان مصطفي لم يحبها بل اراد شيئا اخر, لكن بسمة تبدو فتاة مفعمة بالحيوية  لا يظهر انها تحب احدهم, يبدو علي وجهها قسمات الاحترام رغم شقاوتها و عنادها الدائم عكس عامر الذي ينفي من وجهه اي علامة احترام..
توقف عامر بالسيارة امام منزله, و ترجل خارجا, خرجت الفتاتين, تمسكت بسمة أيدي نيرة في خوف و كأنها تحتمي من ركلات عامر القادمة, تحتمي في هذا الجسد النحيل! صعد ثلاثتهم الي بيت عامر, فتح المنزل بالمفتاح و دلف جميعهم يرأسهم هو, توجه الي المرحاض و ترك الفتاتين تجلس خائفتان, جلست نيرة جوار بسمة و ربتت علي ظهرها في تأثر من حالها المثير لشفقة سألتها في أسي :
-مالك يا بسمة بتعيطي كدة لية؟
مسحت بسمة دموعها بأكمام قميصها و هي تتلعثم في الكلام :
-انا خايفة..عامر اكيد فهم غلط
لتتساءل نيرة مستعجبة :
-لية هو حصل اية؟
-باين انه لما شافني انا و مصطفي خارجين من نفس المكان ففهم غلط..
قالتها بسمة في براءة و هي مازالت تمسح عينيها من اثار الدموع, اخرجت نيرة من حقيبتها منديلا و ناولته لبسمة, فمسحت انفها الذي تورد مقدمته من البكاء و تابعت في همس :
-مصطفي اخو صحبتي..هو بيحبني و انا عادي لا بحبه و لا بكرهه..و عامر عارف الكلام دة..بس انهاردة مصطفي مسكني و كان هيكلمني فانا خوفت و جريت لاقيت عامر في وشي..
-بس كدة
قالتها نيرة مندهشة, فقد ذهبت ظنونها الي الصين, اعتقدت ان هناك علاقة غرامية بينها و بين المدعو مصطفي, حافظت نيرة علي صوتها من الاندهاش و مسحت علي ظهر بسمة قائلة بود :
-طب احكي لعامر الكلام دة اكيد هيصدقك
-ما هو هيصدقني لكن ممكن يأذي مصطفي و ساعتها انا و نور مش هنبقي صحاب..
-احكيله بس و انا هقنعه ميجيش جمب مصطفي و تفضلي انتِ و نور صحاب..وضحي بس الموضوع, الموضوع بسيط
فهزت بسمة رأسها معترضة و قالت :
-لا عامر بيغير عليا اوي و ان ولد يمسك ايدي دية بالنسباله جريمة..
ضحكت نيرة في غنج و هي لا تصدق ما تقوله, ثم اخبرتها بعفوية :
-ازاي, دة عامر بيمسك ايدي عادي, متكبريش الموضوع
عقدت بسمة حاجبيها في استغراب لم تقتنع باجابتها, ثم قالت بلا اكتراث :
-يمكن
و تابعت بخوف :
-انا هحكيله..
-و انا هروح
قالتها نيرة و هي تهم بالوقوف, فاسرعت بسمة بالصياح :
-لا لا خليكي هنا..دة ممكن يضربني بس لو انتِ هنا مش هيعملي حاجة
ضحكت نيرة و اماءت برأسها في ايجاب و هي تعاود الجلوس, رغم هذا الصداع العنيف الذي امسك برأسها يبدو ان عقلها يحتاج لنوم, مذ ليلة امس و هي تتسكع مع عامر في الشوارع ليلا, يتحدثان في اللا شيء, اشرقت الشمس عليهما و أبي عامر ان تعد لمنزلها  بل اصر علي الجلوس معهما, نسيت ايهاب و نسيت حسام, نسيت بيتها, نسيت كل شيء و بقيت مع عامر يركضان تارة خلف بعضهما, يرقصان, يغني عامر بصوته السيء فتكتم اذنيها و تخبره بحزم ان "يخرس", خرج عامر من المرحاض و جلس مقابل نيرة و بسمة, تقدمت بسمة اليه و جلست جواره فحملق بعينيها في صمت, لتعقد حاجبيها مستعدة لبكاء و قالت بقلق :
-هقولك الي حصل بس تصدقني ماشي..
صمت, فسردت عليه ما حدث, لم تحاول التعمق في التفاصيل بل استكفت بأن مصطفي امسك بيدها و اصر الحديث معها, فتركته و رحلت, انصت اليها و هو في حيرة ان يصدقها ام لا, رضخ لتصديق كلامها, حينما ختمت كلامها بهذا القول الرقيق النابع من قلبها الصغير :
-انت قولت عليا طفلة..و انا موافقة بس الطفلة دية بتحبك و بتحب تسمع كلامك و مش بترضي انها تكذب عليك..و انت ادتني ثقتك و انا هفضل محافظة عليها دايما..
ثم مسحت دمعيها, فاحتضنها و زرع قبلة علي رأسها, ليمسح بيده علي وجهها و هو يقول بحزم لطيف :
-و انا مصدقك..بس توعديني انك متروحيش لنور ابدا وتقطعي علاقتك بيها مؤقتا..انا مش طايق الواد دة و مش عارف لو روحتي تاني ممكن يعمل اية!
اماءت بسمة رأسها في طاعة ليقول باسما :
-ماشي يا حبيبتي يلا ادخلي غيري و حضري الغدا عشان نيرة هتتغدي معانا
اسرعت نيرة بالوقوف و هي تقول معترضة :
-لا لا مش هينفع كدة انا اتأخرت اوي و لازم اروح
فقال عامر متظاهر الغضب :
-لا هتقعدي و لما اقول كلمة تسمعي الكلام..
جلست جواره من الناحية الاخري, و قالت في مزاح :
-لا استني هخاف..بس بقي انا منامتش من امبارح و حسام جي انهاردة بليل
وقفت بسمة في خجل و توجهت الي المطبخ فيما مالت نيرة علي اذنه و همست بعذوبية :
-انت عسول و انت عصبي..
و تابعت في رقة :
-بس احلي و انت حنين.
ضحك في استهانة و هز رأسه مستنكرا من كلامها, لتثب واقفة قائلة في بسمة سعيدة صادقة بعدما رأت هذا المشهد المؤثر بينه و بين بسمة :
-سلام عامر..
                               ***
بدلت ثوبها الي ثوب غطي ذراعيها و ساقيها, حفاظا علي نفسها من الوحش "ايهاب", سمعته يئن منذما عادت, فترددت بالتوجه الي غرفته, لكن كثرة انينه احزنتها و قلقتها ان يكون قد صاب بعمي دائم, طرقت باب حجرته فلم يجيب, لتفتحه خلسة, رأته طريح الفراش و قد فتح عينيه طبيعيا, جلست في المقعد الذي امامه و رمقته بملامح جادة و هي تتساءل :
-انت كويس دلوقتي؟
نظر اليها مطاولا و سكت, فامسكت بيده و مالت بجزعها عليه و هي تطيل النظر اليه, ثم قالت في سكون مخيف :
-المرة دية كانت قرصة ودن..بس المرة الجاية هيبقي اسوأ انا معدتش صغيرة و مش خايفة منك..و هعيش معاك هنا يا ايهاب بارادتك او من غير, بابا قبل ما يموت وصي عليا..لو حضرتك مش هتنفذ الوصية فانا هنفذها غصب عنك
ثم هبت واقفة في قوة, لم يبدي علي وجهه اي شيء لا خوف, و لا ضعف, و لا قوة, لكن هذا لا يمنع انه استطاع كتمان شعوره بالغيظ و الحقد تتجاهها, خرجت نيرة من غرفته و توجهت الي غرفتها مستسلمة للذة الوسن المطمئنة..
                                   ***
جلس علي فراشه و هو يسند بجسده الي الخلف, تناول هاتفه الملقي علي المنضدة الصغيرة و اسرع بالاتصال بصديقه الحميم, جاءه الرد من شاب له صوت ضخم :
-الكينج بيكلمني..لا مش مصدق نفسي
-ازيك يا ويزو.
-تمام يا مورة..بقالك كتير مش ظاهر
فرد عامر ساخرا :
-البت زيزي وصلت من شرم فمش حابب اضيع الفرصة
ضحك صديقه بقوة, ليقول عامر في جدية :
-رامز تعرف واحد اسمه مصطفي عبدالعظيم مجدي الي ساكن في فلل المقطم
صمت رامز لوهلة, و بدا انه يحدث شخصا اخر جواره و يسأله نفس السؤال, عاد رامز يقول مسرعا :
-انا معرفهوش بس ليا معرفة تعرفه..اسمه مصطفي عبدالعظيم, ابوه محامي مشهور صح !
-بالظبط..عاوزك تعلم عليه مش عاوزة حاجة فيه سليمة
ليقول رامز مستعجبا :
-الله..الله..الله لية كدة ؟ هو مضايقك في حاجة
فاجابه عامر هازئا :
-تخيل بقي ! هتعرف و لا اشوف غيرك
-لا تشوف غيري اية دة كلام..انهاردة بليل ابقي تعالي زوره في المستشفي
ابتهجت اساريره و قال :
-حبيب قلبي يا رامز..
طرقت ايدي ناعمة الباب, فاعتدل عامر بالجلوس و هو يغلق الهاتف و يضعه جانبا, دخلت الحسناء الصغيرة الي الغرفة و جلست جوار شقيقها باسمة في سعادة و قالت بغبطة :
-علي فكرة نيرة دية طيبة اوي..و رقيقة خالص عكس ما افتكرتها تنكة و رخمة
-حبتيها يعني؟
قالها عامر مبتسما, فردت بسمة في مكر :
-اه زي مانت بتحبها..
اطلق قهقه صغيرة و فقد اكتشفته اللئيمة, لتعاود بسمة الحديث في مزاح :
-بس اشمعني انت يا عامر ؟
قطب قرون حاجبيه و رفع احدهما مستغربا من قولها, لتقول متظاهرة الحزن :
-اشمعني انت مرتبط و بتحب و انا حرام و عيب
تجهم وجهه فجاة من الحرج من كلامها, و حاول التفكير في اجابة منطقية عاقلة, لكن خالفه الحظ في تلك المرة و خفق العامر في اجابة علي سؤال شقيقته الماكرة, فاستكفي بقوله :
-اطلعي برة..
*
*
*
*
يتبع

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن