-21-

8.6K 198 7
                                    

-21-
تجمع الجميع حول شعلة نار توسطت مجلسهم, كان الكل يتناجي و يدندن بألحان عذب و وبينهم شاب امسك بجيتار فيطرب الاجواء و يحن الاذان و يألف الالباب, الكل متواجد سواهما, و قد طال الوقت لكن لم ينتبه أحدهم استثناء علي, الذي كان قلوقا بشدة علي اختفاء نيرة منذ امس..
توقف شاب عن العزف و نظر بتساؤل الي الجميع متسائلا :
-كان في بنوتة صغيرة جت مع عامر و فجأة مشوفتهاش تاني هي فين ؟ روحت!
أوشكت فريجة علي الرد لكن منعتها سخرية شيماء في الحديث :
-لا نيرة دلوقتي عايشة مع عالم تاني خالص..
و تابعت هازئة و هي تضم ذراعيها الي صدرها في شكل عناق حميمي :
-دلوقتي هي في حضن مورة !
تكهفر اوجاه الجميع, فلكزتها سحر بعنف و هي تقول :
-بس اسكتي..
-قصدك اية يا آنسة ؟
قالها عليّ مرتبكا, رغم ضحكها الداخلي علي كلمة "انسة" و تعليقها في بالها "آنسة كان في ماضي يا حضرة المحترم", لكنها تجاهلت كل هذا من شدة وسامته و قالت :
-مع عامر في الاوضة..تفتكر بيعملوا اية ؟
صاحت فريدة بحنق :
-بطلي قلة حيا يا شيماء و سيبك منهم!
ترددت نظرات عليّ بينه و بين شقيقه, ليفز من مكانه و يقوم من المجلس, فلاحقه احمد مسرعا و هو يناديه لكي يكف عن التعصب و يهدأ, ربما تكون كاذبة, و ربما صادقة !!
                      ***
وقف امام المرآة و تأكد من حفاظه علي منظره الجذاب, رمقها من انعاكسها في المرأة فوجدها مازالت تقف علي الحائط تحتضن جسدها و علي وجهها السقم و الاعياء, عينيها شاردة في الارض, و ينخفض من جبينها قطرات العرق القلقة, قميصها مازال كاشفا عن عري منكبيها و شعرها ذو الخصلات المبعثرة علي وجهها, توجه اليها ممسكا بكفها في نعومة لكنها سحبته بقوة خائفة, و هي تغمغم بريق جاف :
-ابعد من عني..
-مالك يا حبيبتي انتِ  خايفة كدة لية؟ انتِ تعبانة
سألها في نبرة تعجبيه, فرمقته بارتياب يتساءل و كأن شيئا لم يكن, فرغ فاهها لفترة تحاول استيعاب كلماته, و اصدرت همهمة غير مفهومة :
-هاا..انت بتقــ انت عاوز ايــ
فعدل شكل قميصها و اغلق ازراره الذي اضطر لفتحها بالقوة, حينما اشتد عنادها بالمعارضة, مسح علي شعرها ليصففه مكانه و هو يقول :
-يا حبيبتي متزعليش دة شيء عادي متكبريش الموضوع..
نظرت في عينيه لفترة صمت و تابعت بصوت خفيض :
-اسكت !!
فجذب يدها بخفة و قربها اليه و هو يحتضنها قائلا :
-روحي غيري لبسك و يلا ننزل..انتِ جعانة ؟
لم تتحمل المزيد من صوته, فبكيت بعنف و قد اهتز جسدها مع حركات جسدها الخائف و اخذت تقول باعتراض :
-انت عملت فيّ اية..انا مصدومة منك..انا عمري ما تخيلتك كدة..
فقال بهدوء رزين :
-متكبريش الموضوع عن حجمه..
و مسح بيده من شعرها الي منتصف جسدها و ابتلع لعابه بنشوة قائلا :
-انتِ جميلة و شهية و انا بحافظ عليكي كل الي حصل عبارة عن لعب علي الوش!
رفعت نظرها اليه باستحقار و دخلت المرحاض مغلقة الباب بقوة, اشاح بيده و خرج من الغرفة ينتظرها خارجا, مرت عشر دقائق و خرجت بثوب جديد قصير, كاد يعترض لكنها تجاهلته و سارت في طريقها كأنها لم تراه..
لاحقها و هو يحاول ان يحادثها لكنها تأبي, ثم فجأة التفتت اليه و هي تشير بسبابتها اليه :
-انا فهمت دلوقتي انت اخدتني معاك لية..عشان تقدر تستولي عليّ براحتك..
فاجابها بصوت متهدج :
-يا حبيبتي انا ابدا ما كان في بالي كدة..بس انا كل ما اشوفك بتحلوي في عيني اكتر..
ضيقت عينيها هازية و قالت :
-والله ! كلام واحد نسوانجي ماشي مع كل الستات و فاكر هيعرف يخليني واحدة زيهم..انا هنزل القاهرة و اعتبر من انهاردة دة حد لنهاية علاقتنا..
ليقول ناهيا :
-لا لا خلاص متسافريش اوعدك اني هبقي معاكي و مش هتعدي حدودي معاكي بس متبعديش عني..انا ما صدقت لاقيتك جمبي..
تحيرت في تصديقه, لكنها لم يسمح لها بالتفكير طويلا فامسك بيدها بلطف و قال باسم الثغر :
-سماح المرة دية !
لم تجيبه و ظلت صامتة تتبع خطواته بلا نظر الي الطريق, كعمياء تنتظره لكي يرشدها الي الصواب, ثم فجأة قالت بصوت مضطرب :
-عامر لو خالفت وعدك انا هكرهك..انا الموضوع دة بيحصلي من و انا صغيرة و محدش بيعرف يحميني..
سكت مستغربا فمضيت تقول بصوت متحشرج :
-ايهاب بيعمل فيها كدة و اسوأ و محدش بيصدقني و بيصدقوه هو..انت كويس يا عامر و انا مطمنة و انا معاك..بس ارجوك احميني من ايهاب..ايهاب لسة انيابه حامية و مستني أتواجد لوحدي في البيت معاة..
توقف امام طريقها ناظرا الي عينيها فازعا مما سمعه لتو, لثم كف يدها بخفة و رشاقة, فتبسمت بقلق ليقول مطمئنا :
-انا هحميكي من ايهاب و من اي حد يحاول يتعرضلك ويأذي منك شعرة..هحميكي من نفسي يا نيرة..!
سكتت بقلق و تابعت في السير, ليسير جوارها و قد تلحفهما سواد الليل, بينما كانت تسير وجدت عليّ جوار محمد يحملان حقيبة سفرهما, فتوجهت اليهما تاركة يد عامر, و اخذت تتساءل :
-انت مروحين لية ؟
اجابها محمد مختصرا من دون النظر اليها :
-لازم نروح يا نيرة..
و رفع عينيه اليها قائلا :
-و ربنا يحميكي..
و ترددت عينيه بينها و بين عامر و تابع :
-و يهديكي..
تعجبت لكنها توجهت الي عامر مستغربة, و عادت تمسك بيده قائلة :
-غريبة زعلت اوي لما مشيوا..قالوا انهم هيقعدوا يومين..
-سيبك منهم..تعالي نروح لباقي الشلة..
                               ***
صاحت الفتاة فجاة  و كأنها تذكرت شيئا مهما :
-بسمة صحيح شوفتي حصل اية ؟
نظرت اليها بسمة مستعجبة و تساءلت بنظراتها عما هناك, فقالت الفتاة بعبوس :
-جد نور في العناية المركزة..!
تلفتت بسمة اليها مسرعة و قالت بفزع :
-اية لية كدة..اية الي حصل!
-حالته الصحية وحشة..نور تعبانة و حالتها هي كمان وحشة..
ثم اضافت الفتاة :
-انا خارجة بكرة انا و منار و هنزورها..هتيجي معانا..
سكتت بسمة لفترة ثم رفعت نظرها اليها قائلة باستسلام ضعيف :
-انتِ عارفة انا مقدرش اروح..اخويا هيزعقلي و هيحصل مشاكل كتير..سلميلي عليها لما تشوفيها يا ندي..
فقالت ندي باستعجاب :
-مش عارفة اية الي حصل عشان يبعدكم عن بعض كدة..بس ربنا ييسر الحال و ترجعوا تاني..
فقالت بسمة بحزن :
-يارب..
و اخفضت راسها و هي تدرك انها أضعف من ارادة شقيقها بها, و اصرت السكوت, فما لها سوي السكوت و الهزيمة..
                             ***
تعجبت من قيام شيماء و سحر فور جلوسها, و نظرات بعض الشباب اليها بتوجس و التدقيق في ثوبها القصير, كانت خجلة صامتة, حتي قاطعها شاب باسما :
-انتِ حلوة..حلوة اوي
توردت وجنتاها و قالت علي استحياء :
-ميرسي..
فيما مال عامر علي اذنه و قال ضاحكا :
-انت هتعاكسها قدامي يا عسلية و لا اية..ما تلم نفسك
فتهامس الشاب في اذنه :
-شيماء قالت كل حاجة..لدرجة دية عجباك..
تلاشت الابتسامة نسبيا من فوق شفتاة عامر و نظر اليه متسفسرا :
-قالت اية؟
-يا عامر مش علي بعضينا..دة احنا علي البحر سوا..
حينما شعرت انهما يتناجيان و لا يهتمان لوجودها, همت واقفة و توجهت نحو سحر, فتابعتها فريدة, لكن قبل ان تتحدث مع سحر,نظرت شيماء اليها ساخرة و قالت :
-عامر هياخد منك شوية و هيرميكي زيك زي غيرك..لو حاسة ان عندك نوع من الكرامة لنفسك ابعدي عنه..
فتساءلت نيرة بسذاجة :
-مش فاهمة حاجة! قصدك اية..
-قصدي تبطلوا سفالة و لو علي الاقل مش في الاوضة الي مجمعنا سوا عيب اوي لحد كدة..
و رمتها بنظرة استحقار و هي تقول :
-واحدة رخيصة..
فقالت نيرة بضيق :
-انتِ ازاي تقوليلي كدة احترمي نفسك يا اسمك اية..
-هو الي زيك يعرف احترام يا نيرة..انا و سحر شوفناكم و كان منظركم يقرف, و بقولك اية امشي من هنا عايزين تفضلوا لوحدك خودوا اوضة لكن تبعدوا عننا يا...
فصاحت فريدة مقاطعة :
-كفاية يا شيماء اسكتي..
تركتهن نيرة وتراجعت الي الخلف بخفة قدميين, اخذت تتراجع حتي ابتلعتها الظلمة و ركضت بعيدا عنهن باكية..
                                  ***
اقترب عامر منها, نظر اليها طويلا فبادلته نظرة استخفاف, لم يعر انتباها لناس و لسياح, بل اطلق صفعة قوية علي وجهة شيماء جعلتها تفقد النطق و تنزف شفاهها من قوة الصفعة, برقت عينيها بفزع و مطق بها الخجل من النظرات المشتبكة بين الجموع, خافت ان تسبه او تضايقه فيتعانف معها أكثر, هي تدرك جيدا سبب تلك الصعة العنيفة لقد تاهت نيرة و الي الآن لم يجدها احد كفص ملح و ذاب, قال بغضب :
-هستني اية من واحدة زيك..انسانة غبية..
ثم استرق نظرات حوله و هو يتساءل بذعر :
-هي فين!
و وثب بنظره اليها مركزا و صرخ بعنف غاضب :
-بقالنا ساعة بندور عليها بسبب عملتك السودة والله لأوريكي النجوم في عز الضهر..الاقيها الاول بس و انا هقتلك يا شيماء هقتلك..
*
*
*
*
يتبع..

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن