-23-

8.9K 186 14
                                    

-23-
ارتجفت جفونها في ارهاق و اخذت ترتل بكلمات غير مفهومة, مسحت بباطن كفها فوق جبهتها, وصلت لأنفاسها رائحة الدخان, بدأت بالاستفاقة نوعا ما و عودة وعيها اليها, فأخذت تحرك رأسها يمينا و يسارا بضيق, كما فتحت عينيها علي اتساعهما بعدما استدركت تواجدها في غرفة ليست بغرفتها,  تحسست بيدها الفراش التي تجلس عليه في استعجاب ثم استدارت برأسها الي الخلف, تفاجأت بعامر يجلس جوارها شبه عاريا لا يرتدي سوي سروالا, يمسك بشفاتيه سيجارا و يضم بيده زجاجة بدا لها انها خمر, لم يلحظ استيقاظها, تجرع من زجاجته و هو يفتح حاسوبه الآلي الصغير امامه, مازالت لا تستوعب ما يحدث حولها فقط تشعر بشيء يغالبها علي النوم, لكنها وثبت من الفراش قافزة في عجز, فتلفت لها و تساءل بابتسامته الخبيثة كعينيه :
-انتِ صحيتي اخيرا؟
توجست نظراتها اليه في نوع من الاستغراب و تساءلت بصوت محتقن :
-انا فين ! انا اية الي جبني المكان دة
فأجابها ضاحكا :
-احنا فين ! لا مش هقولك دلوقتي..ديية مفاجأة بس احب اوريكي حاجة..
و اشار بعرض ذراعه الي الشرفة و هو يقول بابتسامة سذجاء :
-بصي البحر..
لتنظر الي الشرفة فتجد بالفعل الشاطئ و البحر الفضي الخلاب, نظرت اليه بعينين مندهشة و فاة فارغ و سارعت بالتفت اليه و هي تقول :
-احنا اية  الي جابنا هنا يا عامر..انا عاوزة اروح
فرد مصطنعا العجز :
-اسف يا حبيبتي بس مقدرتش حصل مشكلة علي الطريق..بس وماله نقضي هنا يومين و نرجع القاهرة علي يوم الخميس!!
لتعترض نيرة ناهية بفزع :
-لا لا انا مش عاوزة اقضي معاك و لا نص دقيقة انت جايبني هنا لية..
و ركضت تجاة الباب, فبخفة امسك بمعصم يدها و ألقاها علي الفراش في عنف, و قد اطل بصدره عليها باسم الشفاة, نظرت اليه في دهشة باكية و قالت بارتجاف :
-انت عاوز مني اية !
ليقول في سكون :
-اهدي يا حبيبتي..اهدي مفيش داعي لعصبية..
قالها و هو يبسط قبلاته فوق وجهها و يحتويها بذراعيها العاريتان..
                              ***
وضعت الطعام لقط الصغير, و جلست امام التلفاز و هي تمسح علي ملمسه الناعم, كادت تغفل عينيها من النعاس لكن استوقفها اتصال هاتفي من صديقتها ندي, تأفأفت بضيق و اجابتها بصوت نائم :
-الو يا ندي..
فيما صاحت بها ندي بذعر :
-بسمة بسمة شوفتي حصل اية..
لتقول بسمة بلا اكتراث :
-اية يا فقر..
لتقول ندي باضطراب :
-نور في المستشفي..جدها توفي
عقدت بسمة حاجبيها بحزن و غمغمت :
-اية ! لا حول و لا قوة الا بالله..و هي عاملة اية دلوقتي
-سوسن راحت لها و قالت انها شكلها زعلان اوي..عزيها علي الاقل يا بسمة هي بتحبك اوي و هتهدي من كلامك..
لتقول بسمة مؤكدة باصرار معاند :
-انا رايحة لنور حالا..أسم المستشفي اية !
                              ***
نفرت بوجهها و تقززت ملامح وجهها بشيء من الضيق :
-اوعي..
لم ينصت لها و اعارها صمه, فاخذت ترتجف و تبكي في توسل ان يتركها, فاستند علي مرفقيه و انسحب بجسده الي الخلف قائلا :
-بلاش نقلب علي بعض مش كويس..
لتمسح نيرة دموعها برجاء و تقول و هي تحاول ان تعتدل في جلوسها :
-ونبي كفاية لحد هنا..بالله عليك سبني مش عاوزة ابقي معاك افهم بقي..
مسح بكفه علي وجهها قائلا :
-لية بس يا حبيبتي..
لتقول معترضة :
-اوعي ايدك..انا خايفة منك..خايفة من كل حاجة و انا معاك ابعد عني و سبني في حالي..حرام عليك
ارتدي قميصة و ردد و قد تجاهل رجائها :
-انا هروح اشتري حاجة تتآكل..اجبلك اية!
رمته بنظرة باردة و اخفضت رأسها الي الارض...
                             ***
خرجت من المنزل بعدما ارتديت ثياب سوداء فضفاضة, حملت مفاتحها الفضي و سارت في الشارع, مختلة بخصرها و قد غضت بصرها الي الاسفل تفكر فيما تفعل, ربما لو علم عامر بمقابلتها لنور, لزاد غضبا, لكن كيف سيعلم, هي لن تخبره و لن تطيل الزيارة مع صديقتها كثير, بل ستقضي واجبا في سبيل الصداقة القديمة و تريح ضميرها..أوقفت سيارة اجري و توجهت اليه مطلة بجزعها علي النافذة قائلة عنوان المستشفي, فقال السائق بعدما تفصحها بنظرة طويلة :
-اه اركبي يا هانم..
فتحت الباب الخلفي و قبل ان توشك علي الركوب, امسكها احدهم من ذراعها و جذبها قائلة بذعر :
-بسمة !
صاحت بسمة من الفزع و تلفتت اليه الفاعل لتزداد غضبا لكنها تمالكت نفسها و قالت بحنق :
-مهاب !!
-انتِ رايحة فين لوحدك كدة..
قالها و هو يغلق باب السيارة و يأمر السائق بالانصراف, لتقول بضيق :
-اية دة انت مالك؟ انا ما صدقت لاقيت تاكسي..
ليقول مسرعا باعتراض :
-ازاي تركبي تاكسي لوحدك..مينفعش افتكري السواق محشش و لا شارب حاجة..
ثم امسك بيدها و قادها لطريق لمنزل و هو يتابع في ضيق :
-اتصلي بيّ لو عايزة حاجة..لكن خروج لاا..
افلتت يدها من قبضته و وقفت امامه قائلة بحذر :
-اولا مينفعش تمسك ايدي قدام الشارع كدة..ثانيا انا مبحبش حد يتحكم فيّ..ثالثا و دة الاهم انا خارجة في مشوار مهم و مش محتاجة اطلب اذنك انا كبيرة و اقدر اتصرف براحتي..
فحرك رأسه بالنفي و قال :
-انا هتغاضي عن كلامك دة..بس عموما مامتك سابتك امانة معايا لحد ما اخوكي يرجع لما يرجع..ابقي روحي مشوارك يا ستي..
عقدت ذراعيها امام صدرها و سارت الي بيتها مبتعدة عنه و قد استشاطت غضبا, و مهاب ايضا يتحكم بها و يحدثها كأنها طفلة في العاشرة لا تفقه شيئا..
                                ***
وضع الطعام بينهما و مد يده بشطيرة هامبرجر, تناولتها من بين يديها لشدة جوعها الحقيقي, كادت تأكل في نفسها من الجوع, كانت هادئة و حاولت التأقلم علي الوضع, فيما قال عامر بتنهيدة قوية :
-ياااة يا نيرة انا نفسي اخطفك عن العالم و نروح لبعيد..
نظرت حولها في استنكار و عادت بنظرها اليه قائلة بسخرية :
-دة علي اساس ان الاستاذ المبجل مش خاطفني حاليا..
ضحك مكركرا, و اطبق بأصبعيه علي خدها لاكزا و قال هازئا :
-خطفة عن خطفة تفرق..دية حاجة صغيرة كدة عشان نصفي الجو ما بينا لكن استني الكبيرة..
ازاحت يده عنها, فوضع يده فوق ركبتها متحسسا في نعومة قائلا :
-انا اسف علي اي حاجة بعملها..بس انت مش هتيجي الا بكدة
هزت رأسها و هي تقول :
-اسف علي اية و لا اية و لا اية !!
ثم تابعت بتنهيدة ممتلئة بانفاس الحزن الكمين :
-انا قرفانة من حياتي كل حاجة بقيت غلط في غلط..يارتني ما سيبت ماما..و مش عاوزة ارجع لاخواتي تاني لسة في خوف ما بيني و ما بينهم و مش عاوزة اسيبك و عاوزة ابعد عنك..انت مخيف, بس حنين و طيب..انا مش قد كل الي بيحصلي دة..
ساد الصمت بينهما, ليقول عامر :
-تاخدي بيبسي!
نظرت الي عينيه لفترة ثم ضحكت في هدوء و رزانة, تبادلا الضحكات, لتقول :
-هات البيبسي يا سيدي..
نامت في الغرفة بينما خرج و نام علي الاريكة الخارجية, كان المنزل بسيطا, غرفة واحدة بسريرا واحد, و حجرة الخلاء, مطبخ صغير اثري, و غرفة معيشة ليس بها سوي اريكة استخرج منها القطن و تلفاز صغيرة لا يعمل اصلا..
لم تستطع النوم, حتي لو خدعت عقلها باغلاق عينيها و اصطناع النوم, كان قلبها مشغولا باستعادة الذكريات القديمة و التفكير بطبيعة علاقتها الغير موضحة الي الان بينها و بين عامر, عادت من مصر لتكون معه, لكن الآن تشعر بتوتر كلما تقابلت عينيه, عينيه تبرق بتماكر ينمو عما بقلبه, فجأة دق الباب الغرفة فخفق قلبها و اعتدلت بالجلوس, و قالت بصوت متهدج :
-ادخل..
دخل عامر و تساءل :
-تحبي نتمشي شوية !
اماءت رأسها بالموافقة, ثم قالت في حياء :
-فين شنطتي عشان اغير لبسي..
ليقول عامر باسما :
-اللبسي الفستان النبيتي حبيته عليكي..
عقدت حاجبيها باستغراب, فاضاف موضحا :
-الي رسمتك بيه..
لتضحك في براءة و تمئ رأسها ايجابا, و بالفعل ارتدته كما طلب كانت كالاميرات و هي تسير علي شاطئ البحر و تختال في غنج انثوي, ظبية برية هاربة من عالم دنئ, يلاحقها ليثا يضاعفها حجما و طولا, يمسك بيدها تارة, يمسح علي غدائرها تارة, و يقبلها تارة اخري..
عادت الي عشها بعدما استعادت انفاسها من انفاس البحر, ارتوي صدرها بطاقة ايجابية, من ذلك السير القصير الذي جاورها به عامر و امتعها بقلابته و لمساته الخاطفة المرورية علي كامل جسدها, سارت الي غرفتها, فلاحقها تبادلا الابتسامة علي المرآة, وقف خلفها و ترك برأسه علي كتفها ليطبع قبلة ساحرة فوق عنقها المغرقة برائحة العطر الجذابة, انياب الاسد تعض رقبة الظبية و الظبية مستمتعة و هادئة علي غير عادتها, لكن ليست من عادت الاسد الهجوم من خلف فريسته بل الامام, وقف امامها ناظرا نظرة حالمة بعينيها, نظرة جعلتها تذوب به و تسمح له بكل ما جري, فلم تمر ثوان و كان فستانها النبيتي ملقي علي الارض, فكانت الظبية عشاء الليث الليلة...
اعتدلت بالجلوس علي الفراش و تجرعت نفسا قويا من الهواء, اخفضت ساقيا العاريتان و وقفت بخفة, فأمسك بمعصمها و رفع نظره اليها :
-انت رايحة فين ؟
لتقول مضطربة الانفاس :
-هدخل الحمام..
فوهبها ابتسامة صغيرة :
-متتأخريش يا حبيبتي..انا هنام..
دلفت الي المرحاض, و وقفت امام المرآة المتسخة لم تعرف من اي اتساخ كانت, اتساخها عينيها و قبلها ام ماذا, لم تشغل بالها, غسلت وجهه فتساقطت قطرات الماية, رفع رقبتها الي الاعلي لتجد آثار لثمه, لتضع يده فوق عنقها و تتحسسها في هدوء, هربت مسرعة الي صنبور المياة الكبير لتستحم, وقفت اسفله لثوان, تستنعم بماءه المالح, و تفكر في كلماته الرومانسية التي اغدق بها اذنيها, و اجمل ما قاله لها سيتركها عذراء و لن يمس بكارتها في شيء, فان شك احدهم فلن يثبت ابدا بما يحدث بينهما, و مع انفجار الصنبور انفجرت هي ايضا باكية..
استيقظت علي أثار هزاته لكتفها, ففتحت عينيها بنعاس, ليبتسم لها قائلا :
-صباحية مباركة يا عروسة..
ابتسمت بثقل, و جلست و هي تفرد جزعها و تفتح ذراعيها بنعاس متثائبة, جلس بجانبها و هو يمليها جدول اليوم :
-هنروح نفطر بعدين هنتفسح لوحدينا شويتين و لو حبيتي ننزل الماية تاني معنديش مانع..و بليل ممكن نروح نادي قريب من هنا نسهر فيه شوية و نرجع..عشان هنرجع القاهرة بكرة..
اماءت رأسها متظاهرة الانصات و الاستمتاع بحديث, لكنه شعر بريبة في ملامحها ليقول :
-ساكتة كدة لية ؟
تلفتت برأسها اليه و سألته مستدركة :
-الي حصلها ما بينا امبارح مكنش صح..احنا استعجلنا مكنش لازم يحصل كدة..
-لية بس ؟
لتقول بنبرة عالية :
-عشان حاجات كتير..بس اهمهم اني مش مرتاحة من بعد الي حصل..مش قادرة انام..
ليقول بابتسامة هادئة :
-يا حبيبتي الي حصل ما بينا و لا عيب و لا حرام..الزنا هي الي حرام, لكن الي ما بينا مكنش زنا احنا بنحب بعض و طبيعي نستريح لبعض و تحصل ما بينا علاقة لأن دية طبيعة الحب..لكن الزنا هي ان شاب يعمل علاقة مع بنت مش بيحبها تفرق يا حبيبتي..
شدت علي قرون حاجبيها فواصل قائلا :
-لكن لو بتكلمي علي العيب..فكل مصر بتعمل كدة بس في الضلمة متقلقيش يا حبيبتي احنا مغلطناش و بطلي تكبري المواضيع..
فمضيت تقول :
-قلبي مش مرتاح للي حصل !
امسك بذقنها و قال بخبث :
-عشان مكسوفة مش اكتر, يلا يلا نروح نفطر
                                   ***
حل المساء عليهما, و انتهت سهرتهما في النادي, خرجا و استمتعا و ضحكا, شرب عامر الخمر بينما أبيت ان تشربه, سارا جوار بعضهما و القهقه تفوح من فويهما, هي تضحك بصوت عال فيما يحدثها و يغازلها كل ثوان بكلام جرئ, تقدمت امامه بقليل و جهرت صائحة بصوتها "بحبك يا عامر", اخذت تصرخها كأنها ثملة, انطلق عليهما السباب من كل نافذة و منزل, لكن لم يباليان, ظلت تصرخ بها سعيدة مبتهجة في براءة, ضحك كثيرا و كتم فمها قائلا :
-بس اسكتي هيتقبض علينا يخربيت جنانك..
و دخلا الي المنزل, حاملا اياها علي ذراعيه, كانت تأبي في غنج و دلال, لكنه اصر ان يحملها امام عامة الناس, احاطت عنقه بذراعيها استلقت برأسها علي كتفه في وسن, فابتسم اليها و مازالت البسمة الماكرة طابعة علي وجهه و دخل الي الغرفة..
                                   ***
فتحت الباب المنزل و نظرت اليه مستغربة :
-اية يا مهاب في حاجة !
بمجرد ان رأها بثوب منزلي و قد فصل قليلا من جمالها الانثوي المختبئ, اخفض رأسه, و قال بارتباك :
-لا لا مفيش..
ثم اضاف :
-كنت جي اسألك لو عايزة حاجة
لتقول بأسي :
-لا مش عاوزة بس عاوزة اخرج بدل الحبسة دية !
فقال :
-خلاص يا بسمة اخوكي هيرجع و يخرجك بس اعذريني مش بأيدي..
لتمد شفاهها السفلي في حزن, ليقول مودعا :
-سلام لو عوزتي حاجة اتصلي عليّ..
فاغلقت الباب حانقا, خلعت الطرحة من رأسها و ألقتها علي الاريكة بينما جلست حزينة ممسكة بكتاب, تقرأه في ملل مما هي به, لكن رن الجرس مرة اخري, فعادت بالقيام و ارتداء الحجاب مرة اخري, لتفتح الباب و هي تقول :
-خلاص يا مهاب مش عاوزة حاجــ
فجأة صاحت سعيدة :
-عامر!!
*
*
*
يتبع
بلاش ناس صامتة احب اسمه اراء الكل :D

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن