-8-

11.9K 270 14
                                    

-8-
تململت علي الفراش و هي تشعر بتلك اللكزات و الهزات الناعمة فوق كتفها, اعتقدتها اضغاث حلم فاخذت تتقلب من كل ناحية مرة, حتي ملت, احتقن وجهها بضيق من المزعج الذي يحاول استيقاظها بكل الوسائل الممكنة..
-نيرة..نيرة اصحي..
انقبض قلبها ان يكون ايهاب عاد لينتقم, فاتسعت محدقتيها بذعر و قفزت من استلقائها باعتدال جلستها و شد الغطاء لصدرها بخوف, ضحك حسام بخفة و هو يري ملامح وجهها الخائفة ثم عاود القول مقهقها :
-اهدي كدة..مالك نومك بقي تقيل كدة لية..
بدأت تستفيق من نومها فاتضح لها حسام الكامن امامها حامل حقيبة الظهر فوق ظهره, فاطلقت صيحة سعيدة و هي تحتضنه بشوق :
-حسام..اخيرا جيت
خجل من احتضانها, لكنه عانقها متبادل احساس الاشتياق لتلك الايام المعدودة, ربت علي ظهرها و قال مبتسما :
-وحشتيني يا اروبة..
ابتعدت عن ذراعيه و ضيقت عينيها بمكر و هي تتساءل بمشاكسة :
-جبتلي معاك اية من الغردقة!
بسط ذراعيه في الهواء كجناحين نسر و زفر بقوة قائلا في ارهاق :
-طب سبيني ارتاح الاول انا لسة راجع من السفر..
حركت رأسها يمينا و يسارا معترضة علي قوله, جذبت حقيبة ظهره و اخذت تتفحصها بنهم, ادرك انها لن تستطيع احخراج المفاجأة البسيطة بسهولة, فاخرج من الجيب الخلفي لحقيبة شيئا ما مستطيلا مغلفا بشريط ذهبي رفيع, سحبتها من يده متسائلة بفضول :
-اية دة!!
فتحتها و الفضول يلتهم قلبها, حتي صرخت بقولها و هي تري الشوكولاتة البيضاء المفضلة لديها :
-شوكولاتة..اوووة شكرا حسام
فبادرها بابتسامة صغيرة, ثم هم بالوقوف و هو يحزم حقائبه مرة اخري و يرتديها علي ظهره, قال باستعجاب :
-ماله ايهاب شكله تعبان
فلوت شفاهها متظاهرة الاسي :
-اه يا عيني غسل وشه بماية نار و روحت انا سيبت الي في ايدي و جريت علي المستشفي..انت عارف ايهاب غالي عندي اد اية..
فغاص بيده علي شعرها و قال بصوته الرقيق :
-شاطرة يا حبيبتي..احلي حاجة فيكِ طيبتك و قلبك الطيب
فبادرته تلك البسمة الخلابة و من داخلها قلبها يقهقه من فرط الضحك, مسكين انت يا حسام, لو تعلم بما حدث ايام رحيلك, للطمت كالنسوة, غادر حسام غرفتها و توجه لغرفة شقيقه, ارتسمت بسمة هازئة و هي تعود بجزعها الي الخلف في ثقة, فهي تدرك جيدا ان ايهاب لن يقص ما حدث و سيختلق قصة جديدة كما فعلت..
***
خرجت بسمة من غرفتها و الجنون قد تملكها, فان نظرت الي عينيها ستشعر بأن الشيطان قد تلبسها و سيطر علي ملامحها البريئة, وقفت في منتصف الصالة, الصالة التي ملأتها اجواء الضحك المتبادرة بين عامر و خاله و مشاكسات نعمة لمهاب, منذ دقائق كانت تشاركهم بسمة الجلوس لكن اضطرت لمغادرة لرد علي اتصال صديقتها.
-انا اول مرة اكره اني ابقي اختك عشان القرف الي انت عملته دة
قالتها بسمة بحدة بها لكنة زعيق, ترددت العيون المستغربة بين الجميع, خصوصا مهاب الذي لم يراها يوما في تلك الحالة المخيفة, فشخط ساخطة :
-انت الي عملت في مصطفي كدة..اية بلطجي انت انسان مريض
فنهرتها نعمة بغضب :
-اية قلة الادب كلمي اخوكي الكبير عدل
فشاركهم نبيل الحوار منفزعا :
-في اية صلوا علي النبي مالك يا حبيبتي!
اشارت بسبابتها صوب عامر الذي نظر لها في هدوء بارد و كأن الكلام لم يكن له, و قالت غاضبة :
-انا متأكدة انه هو الي لم بلطجية علي اخو صحبتي و المسكين دلوقتي في المستشفي بين الحياة و الموت و السبب سببه..صحبتي لو عرفت ان ليا علاقة بالي حصل لاخوها هتقطع علاقتها بيا..
فهب عامر واقفا و تمثل امامها جثة ضخمها, ليقول مشددا علي كلامه باستهزاء :
-مالك خايفة علي صحبتك كدة لية ما تولع..زي ما انتِ خايفة عليها انا خايف عليكي من الكلب اخوها
لم تسيطر علي كلامتها و قالت حانقة :
-انت غبي
فامسك ذراعها بقوة و جذبها اليه في عنف, جعل الجميع ينتفض من موضعه و يصرخ بهما مذعورين "استهدوا بالله..اسعيذوا دة شيطان..عيب يا بسمة تشتمي اخوكي كدة"
صرخ بها بصوت جهوري رج المسامع و اشعل الضوضاء في المساكن :
-لا ما عشان انا ساكتلك تسوقي فيها..اقسم بالله اديكي بالجزمة احترمي نفسك و انتِ بتكلمي معايا..و الزفتة نور تقطعي علاقتك بيها و قسما بالله لو عرفت انك قابلتيها و لا كلمتيها لاقطعك فاهمة و لا اعيد كلامي
دفعه مهاب بشيء من الغضب و قال بتلعثم ممتلئ ببغض و ضيق :
-انت الي غلط الاول..انت الي غلط مش هي, خد الامور بعقلك مش بدراعك..بسمة حكيت لي كل حاجة و عيب تضرب او تعمل كدة في مستفي اــ
قاطعه عامر بنبرة هادئة تحمل كلمات قاسية :
-متدخلش بيني و بين اختي عشان منزعلش من بعض يا مهاب..
افلتت بسمة ذراعها من قبضة عامر و تراكضت صوب غرفتها باكية, فيما جذب عامر مفاتيح سيارته و خرج من المنزل و هو يصفع الباب بعنف و قد تجاهل نداءات نبيل, و بين كل تلك الضجة و الضوضاء, جلست نعمة تحتسي فنجال القهوة في تمتع ثم قالت في سعادة بريئة :
-البُن دة فظيع بيعمل دماغ حلوة
ضحك مهاب ضحكا و كأن عامر لم يجرحه بالكلام مذ ثوان, فلوح نبيل بيده و هو يقول حانقا :
-بُن اية دلوقتي عيالك كانوا لسة بيولعوا في بعض..
-لا متعودة بكرة هتلاقيهم بيقهقهوا مع بعض..الاتنين طبعهم عصبي زي ابوهم الله يرحمهم
و تابعت و هي ترفع منكبيها في غنج :
-معرفش لية ماخدوش طباع الروقان مني..
***
جلست فوق منضدة المطبخ, و تابعت حسام و هو يطبخ أكلة جديدة اخبرها بأنه تعلمها من صديقه البرازيلي و أحب ان يجربها بدلا عن طعام نيرة المثير للاشمئزاز, قضمت من الشوكولاتة البيضاء في تلذذ ثم قالت :
-شكلها كانت رحلة حلوة
-جدا
اجابها حسام و هو يقلب الطعام, اخذت تهز في ساقيها و هي تتساءل :
-صحيح يا حسام, هو ايهاب لحد دلوقتي متجوزش لية؟ اظن انه في سن الجواز و لازم يتجوز..صح و لا انا غلطانة..
وقف علي رءوس اصابع قدمه و مد يده ليتناول علبة الفلفل من الاعلي في حين قال بجدية :
-لا صح..بس اخوكي ايهاب ملهوش في الستات عقله علطول في الكتب و الطب مظنش انه هيضيع وقت بأنه يبص لوحدة و يحب او يتجوز..هو مشغول بالدكتوراة حاليا..ربنا يوفقه
لتتساءل في خجل فلم تقتنع بالاجابة بعد :
-بس اظن انه يعني هو اكيد محتاج انثي في حياته؟
اجابها بتلقائية و بكل ثقة :
-لو قصدك علي احتياجاته كراجل فهو بيطلعها في ممارسة الرياضة و مبيشغلش عقله بالحاجات دية..
فهزت رأسها و اطلقت "اه", ثم قالت بحسرة في بالها "علي نياتك اوي يا شيف حسام"..
قفزت من مكانها برشاقة و قد تذكرت موعدها مع عامر غدا في الصباح, لتقول بتثاءب :
-طب انا داخلة انام..عشان بكرة ورايا مشوار مهم
فتعجب حسام قائلا :
-مشوار !
رفعت احدي حاجبيها مستغربة من اعتراضه :
-عندك مانع !
فقال مسرعا :
-لا لا بس ايهاب مبيحبش تخرجي كتير
ضحكت في سخرية و خرجت من المطبخ و هي تقول بسعادة :
-لا متقلقش من النقطة دية يا حس..ايهاب مش هيعترض علي حاجة من بعد انهاردة
***
في الصباح الباكر, غسلت وجهها من بكاء ليلة امس, احست باهانة كبري حينما صرخ بها عامر بتلك الوحشية و هددها بالضرب امام الجميع و هي لا حول لها و لا قوة, ما بيدها الا البكاء, فالكل يهاب مضايقة عامر, حتي والدتها تتمنع ان تعارضه بل تطيعه و كأنها خادمته, فبدا يعاملها باسوأ المعاملات و يحادثها بقلة حياء تصل احيانا انه يزعق في وجهها بعصبية, بكيت والدته ذات مرة من اسلوبه الفظ, فلم يبالي لبكائها بل هجرها لأيام ثم عاد محملا بباقة زهور و تأسف و هو يقبل يدها, و لم تطيل المعاملة الطيبة طويلا, فمع صباح اليوم التالي عاود استهزائه و سخريته من والدته, اما بسمة فقد حرص ان تكون علاقتهما افضل من شقيقان, بغض النظر عن عصبيته المتكررة هما ينسيان ما حدث و يعودان شقيقان حميمان.
بالفعل نجح سحر النسيان, بقيت اثار الدموع بعينيها لكن الحمد انها لم تترك اثرا بقلبها, فقد دخل الصباح و ايقظها مقبلا رأسها في نعومة و هو يقول باسما "صباح البسمة يا بسمة", حضرت له الافطار اللذيذ و تركته علي الطاولة, فتساءل ان تأتي للافطار معه, فأبيت و دخلت غرفتها تبدل ثوبها, خرجت بعد قليل بثياب انيقة فضفاضة الثوب المحب لعامر, توجهت اليه و مدت يدها قائلة :
-فلوس..عاوزة فلوس
-نعم لية؟
ليزداد حنق الصغيرة و هي تضرب بقدمها الارض :
-انت نسيت يا عامر..انا قدمت في كورس انجليش و عاوزة فلوس موصلات و فلوس للفطار..
هز رأسه باستنكار بالفعل نسي, اخرج من جيبه مائتان و خمسون جنيها, و قبل ان يناولها الخمسون, سحبت المائتان و هي تثنو عليه بجزيل الشكر :
-شكرا يا حبي..
فصرخ ضجرا :
-بت لا دة لــ
لم تسمح له بالمزيد من الكلام و ركضت مسرعة خارج المنزل, كاد يركض خلفها فمنعه الكسل و جلس مكانه, اكمل تناوله لافطاره, حتي جاءه الاتصال من نيرة, آآآه لقد نسي موعد نيرة, كعادته النسيان له اسلوب حياة..!
-ازيك يا حبيبتي
تورد وجهها و ردت بصوت هادئ :
-تمام الحمدلله يا عامر
-انا اسف نسيت الميعاد بس..
فقاطعته و هي تقول :
-لا لا عادي انا روحت عملت شوبينج و دلوقتي هروح البيت
نظر الي منزله الخال في ذاك الوقت ليضيء رأسه بافكار متتالية, ابتلع لعابه و حك لحيته قائلا :
-طب انا نفسي اشوفك انهاردة..ما تجيلي البيت يا حبيبتي..
*
*
*
*
يتبع

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن