-١٥-

9.7K 214 8
                                    

-15-
-من؟
سألتها كلوديا بعدما انهت نيرة اتصالها بعامر و ودعته, في ظل المكالمة أعجب عامر بكل الخدم, و سريعا ما أخبرها انه احبهن حبا جما و الشرع يحلل له أربعة نساء, فأن تزوجها سيتزوجها هي و والدتها و الخدم ان امكن, كانت طوال الاتصال تهتف بضحكات عالية, فيما كانت كلوديا سعيدة لسعادة طفلتها و هتاف ضحكها من أجل هذا المتصل, الذي لم تقدر علي سماع اسمه..
أجابتها نيرة بابتسامة واسعة :
-عامر..
فتساءلت كلوديا باسمة :
-و من يكون عامر؟
رفعت منكبيها متظاهر الا مبالة :
-صديق!
فزمت كلوديا شفاهها السفلي و قالت و هي تحتفظ بابتسامتها :
-يبدو عليه اللطف و الوسامة, لكن في عينيه نظرة خبث أري ان عليك الحذر منه..
فانفلتت نيرة من بين يديها و جلست مقابلها, جثمت علي ركبتيها و برقت عينيها بالاهتمام و الانتباة :
-كيف؟
-الا تلحظين لمعة عينيه الخبيثة, عينيه خيثة جدا نِيِرة كالقطط..
فاجابتها نيرة بسذاجة :
-القطط! انا احب القطط..
هزت كلوديا رأسها نافية :
-لا تنس القطط غدارة..كم عمره ؟
-الخامسة و العشرون!
عقدت كلوديا حاجبيها و قالت :
-و كيف يرافق فتاة في سنك..الا تعتقدين انه هناك فارق قوي بينكما و...
قاطعتها نيرة بحنق :
-عامر مغرم بي, و لا يحاول أذيتي بتاتا..
و اضافت في بعض من الخجل :
-سواء في بعض الحالات..
بادرتها كلوديا الضحكة الصغيرة, فأسرعت نيرة بسؤالها في فضول خائف :
-هل هناك فرق بين الحب و الشهوة..؟
-أظن تعبير سؤالك خاطئ فتاتي..نِيِرة الصغيرة الحب يرافقه الاشتهاء, لو كان حب بمفرده تأكدي انه اعجاب عابر, و لو كان الاشتهاء وحده عليك الابتعاد فورا من تلك العلاقة لأنك لن تحصلي منها الا لقب عاهرة..
و واصلت كلوديا حديثها :
-لو توازن الاثنين..هذا الافضل..
و قاطعت كلوديا حديثها متسائلة :
-أأنتِ مازلت علي دين والدك أقصد فاروق؟
اماءت نيرة رأسها قائلة :
-انا مسلمة..
قالت كلوديا بابتهاج :
-رائع..أظن ان دينكم يحرم العلاقات الغرامية بين الرجل و الامرأة لهذا السبب, فبعد الحب و الاعجاب سيتلاحق الشهوة و العلاقة من دون زواج و تسمي زنا و هذا مكروه في دينكم و..
قاطعت كلوديا نفسها لمرة الثانية :
-اتقرئين القرآن؟
ابتلعت نيرة لعابها و قالت في تلعثم :
-نادرا..لا اتذكر متي أخر مرة قرأته, اظن قبل وفاة بابا فاروق بمدة..
-انه لكتاب رائع..عليك قرأته يوميا علي الاقل..
استغربت نيرة و تجهم وجهها, فهزت كلوديا رأسها بالنفي و قالت :
-لا تتعجبي انا كاثوليكية لكن مع ذلك كنت اقرأ القرآن كلما شعرت بالضيق..انا ايضا منذ فترة لم اقرأ..
ثم ضحكت كلوديا قائلة :
-اظنني ثرثارة..هيا لتنامي نحن بعد منتصف الليل
قامت نيرة من مجلسها فأمسكت كلوديا بيدها قائلة برجاء :
-لتنامي جواري..انتِ تذكريني بفاروق كلما نظرت اليك..
فعقدت نيرة حاجبيها بغضب و قد سحبت معصمها من أيادي والدتها قائلة بحنق :
-ماذا تقصدين؟
اسرعت كلوديا بالنفي :
-منذما فتحت عينيك علي الحياة و فاروق اشرق وجهه مبتهجا بوجودك..كان سعيدا باسم الوجة يلاطفك و يحبك..دوما اتذكر ابتسامته بالنظر اليك..
-انتِ السبب في كل ما يحدث, انا ابنة غير شرعية بسبب ما فعلت بي..اــ
لتقاطعها كلوديا حانقة :
-لا داعي لذكر الماضي, ها ستنامين في احضاني الليلة و هذا امر لا رجاء !
ابتسمت نيرة في خجل و وافقتها, فما المانع من احتضان والدتها و لو لدقائق, بالفعل عليها نسيان الماضي و العيش الحاضر..عليها التمسك في كل ذكري حسنة..
                             ***
فتحت باب المنزل بعد الدق المتواصل عليه, و الانزعاج من ضجيج الرنين الفازع, دلف مهاب المنزل محملا بشيء ما ضخم, ارتمي فوقه غطاء حجب رؤية ما دخل الصندوق - كما ظنت -, تراجعت بسمة بارتباك من وجود مهاب و حاولت الهروب و التحجج بأعمال المنزل و انشغالها لكنه قال مسرعا :
-بسمة استني دية هدية ليكِ..
ثم مد يده بالصندوق, حملته بدلا عنه, فازاح الغطاء ليتغدق اصوات العصفوران, عصفور يزقزق بلحن عذب و الاخر صامت و ينقر في طعامه, احدهما اصفر صغير و الاخر اخضر مبهج الجمال, صاحت بسمة بسعادة :
-عصافير!!
علق مضيفا علي جملتها :
-عصافير كناري!
فابتهجت اساريرها بسعادة و انفرج وجهها بابتسامة عريضة, فاشار الي احدهم و قال "دة اسمه ميمو" و اشار الي الاخر مردفا بابتسامة خجولة "و دية بسمة"..ازدادات ابتسامتها غبضة, ثم قالت بصوت متهدج من الفرح :
-شكرا..شكرا يا مهــ اقصد يا ميمو..جمال اوي  انا هاخد بالي منهم كويس اوي و هأكلهم كل يوم و هلعب معاهم علي الاقل يسلوا وحدتي..
-مبسوط ان الهدية عجبتك..لما بشوف العصافير بفتكرك..لأنك شكلهم في جمالهم
حبست ابتسامتها و اتكأت برقبتها الي الاسفل حياءا, فتساءل :
-و فين عامر ؟
-عامر خرج و هيرجع بعد شوية..و ماما لسة في الشغل..
فتراجع الي الخلف و قال معتذرا :
-انا اسف مكنتش اعرف انك لوحدتك..
و تابع بابتسامته البريئة :
-انا مروح لو احتاجتي حاجة قوليلي و متفتحيش لحد و انتِ لوحدك تاني!
فوافقته قائلة ببسمة :
-حاضر..
                               ***
استيقظت نيرة متأخرا, فمسحت جبينها بتألم من الصداع القوي المتآكل لرأسها, دلفت صوفيا الغرفة بعدما طرقت عدة طرقات, تلفتت نيرة اليها و قالت باستئذان :
-صوفيا ارجوك نادي أمي!!
اسرعت صوفيا لنداء بسيدتها كلوديا, فركضت كلوديا اليها و جلست امامها ممسكة بكلتا يديها, فشعرت بحرارتها, لتضع كفها فوق جبينها و تصيح بفزع :
-ياللهول انتِ مريضة صغيرتي!
فقالت نيرة غير مبالية بذعر والدتها :
-كلامك معلق في ذهني منذ امس..هل عامر يحبني, ام انا انثي كباقي الاناث الذي عرفهن و يشتهي فقط وجودي..
تلفت كلوديا الي الخدم و صاحت بغضب :
-ماذا تنتظرون؟..اتصلوا بالطبيب يا اغبياء..
فتابعت نيرة بهذيان :
-اظنني أحب عامر! انا سعيدة بوجوده في حياتي..كلوديا أعتقد لو احبني لفعل المستحيل كي يسعدني..ام هذا يحدث في الافلام العربية فقط!! هل عامر يحبني ام لا؟ اجيبني!
فازدادت كلوديا ضيقا و امسكت بيدها قائلة :
-اهدئي عزيزتي و استلقي انتِ تهذين الآن..
-أجبيني ارجوك..
كان أخر ما قالته, قبل ان تلق رأسها الي الخلف و تعود في غيبوبة قوية..فصاحت كلوديا في خوف من قلة حيلتها و سارعت بحملها علي ذراعيها, و الرعب تملكها..
                                    ***
-جبتي منين العصافير دية؟
ابتلعت لعابها و توترت, لكنها اخفت اضطرابها ببسمة :
-خالو اشتراهم!
فكرر جملته :
-خالو !
اماءت برأسها مؤكدة في تلعثم :
-اه اه صدقني خالو اشتراهم انهاردة الصبح..
ثم تساءلت بأسي :
-مالك عامر شكلك مضايق؟
حرك رأسه بانفعال و قال :
-بتصل بيها من صبحية ربنا و هي مبتردش..انا قلقان!
فتساءلت باستعجاب :
-بيها؟ الي هي مين!
-نيرة يا غبية..
قالها بتعصب, فضحكت بسمة بغنج مع ارتجاج جسدها, فلوح بيده غاضبا لتقول بسمة مقهقة :
-بيبقي شكلك حلو اوي و انت متعصب..
ثم امسكت بخديه و قرصت خده قائلة بمزاح :
-يا خرابي عليك و الخدود دية محمرة..
فدفعها بحنق بعيدا و ازاح يدها و هو يقول :
-بس يا هبلة..
لتحيط بذراعيها عنقه و تقول ضاحكة :
-والله ما همشي الا لما اضحكك..
ليصيح :
-انتِ مش قد قيامتي عليكِ يا بسمة انا متعصب دلوقتي
فضحكت بقوة, مع اهتزاز جسدها المعتاد و التقدم بجزعها الي الامام و الضرب بيدها علي ركبتيها في قهقة عالية, مازال مكشر الوجه, لكنه لم يقاوم تحمل وجهها الضاحك و الالتزام بالصمت, فبادلها بعض الضحكات البسيطة و هو يهز رأسه باستنكار قائلا :
-هوديكي العباسية يا مجنونة..
هدأت قليلا من ضحكها بعدما تعالي وجهه الابتسامة, لتقول :
-وديني و فيها اية يعني..
ثم تابعت باسلوب اكثر جدية :
-طب عاوزة اقولك حاجة بجد بقي..
-ارغي!
-امممم هيئة نيرة توحي انها شخصية كلاسيكية شوية, لية متدخلش عليها بنفس الدخلة الكلاسيكية اظن كدة هتكسب حاجات كتير..
رفع احد حاجبيه باستغراب و قال :
-اقصدك اية!
-اعملها جو الافلام القديمة, ابعتلها جواب, ابعتلها هدية, اعملها مفاجأة..
كان ينظر لها باستهزاء, فقالت متظاهرة الضيق :
-بطل تبصلي كدة..انا غلطانة اني بساعدك اصلا..هروح اوفر مساعدتي و كلامي لحد اعقل منك..
اشار بسبابته الي الباب و قال بهدوء :
-يلا من غير مطرود انتِ و عصافيرك!
فضحكت و خرجت حاملة قفص العصافير, اخذت تزقزق معهما في غنج و تردد زقزقتهما في سعادة "سيو سيو", هز عامر رأسه باستنكار و هو يغمغم :
-يا خسارة تربيتي فيكي..
و تنهد بقوة حزينا من قلقه علي نيرة التي لم ترد علي الاتصال السابع عشر, قضم شفاهه السفلي و تلألأت فكرة بعث جواب غرامي الي نيرة لكنه فورا ما تجاهل الفكرة و قال في باله "اية العبط دة"..
*
*
*
يتبع
عدًا بـإذن الله

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن