-37-

7.3K 181 6
                                    

-37-
في مطعم فاخر, جلس عامر مقابل شقيقته التي اعتلتها ضحكة واسعة سعيدة و هي تري هذا الأهتمام الجليل, وضع النادل كأس عصير الليمون أمام بسمة, و وضع فنجال القهوة لعامر, غمغم عامر بشكره, ليرحل النادل و تبقي ضحكة عامر المشعثة قائلا في مزاح :
-اية رأيك في العشا الغرامي دة يا برنسيسة..
فأجابت في رقة :
-جمل اوي..ميرسي..
ثم أخرج من جيبه علبة مستطلية حمراء, ألتفت بشريط حريري أسود فاخر, و تركها أمامها قائلا علي نفس وتر المشاكسة :
-تتجوزيني ؟
لم تستطع كتم ضحكتها, التي رجت أنحاء المطعم و جعلت الكل ينظر اليه فارغ الفاه, لم تخجل من ضحكتها العالية أبدا بل ازدادت, فيما شهق عامر و أمسك برسغها قائلا و قد اتسعت عيناه العسليتان :
-بت انتِ اتجننتِ!
تمهدت في انهاء ضحكتها مخفية وجهها بكفيها, فهز عامر رأسه محرجا من تلك الفضيحة التي تسببت بها شقيقته, ضحك ايضا في خفة, غمغم بالسباب علي شقيقته المشاغبة, لتقول بسمة ممازحة و هي تفتح العلبة في شغف :
-عموما انا شبكتي مينفعش تبقي أقل من بنت عمتي..
ثم فتحت فوجدت عقد ذهبي شديدة الرقة, أذهلت عيناها أمام جماله, ثم عاودتها حياء أنوثتها, لتنفرج شفاهها ببسمة هادئة, ليقول عامر مصطنعا الغضب :
-استني بس أول ما نرجع ههريكي...
قبل ان يتابع نظرت اليها عابسة بوجهها, ليمضي يقول في خبث ضاحكا :
-ههريكي بوس..
ليزداد وجهها حمرة فيقول مسرعا بضحكة عالية :
-هبوسك في خدك متفهميش غلط
فعاودت الضحك بخفة, ليقول عامر في بعض من الجدية :
-عاملة اية في مدرستك و مع صحابك
تنهدت بجزع و ضمت شفاهها الي بعضهما في آسي قائلة :
-حمدلله..
شعر ان عليه خوض الموضوع بطريقة أكثر مباشرة, فقال في جزم :
-انا من فترة شوفي بالصدفة رسالة علي موبيلك من واحد, اسمه..اسمه مصطفي اظن, هو مصطفي دة أخو نور !
تجهم وجهها فجأة, تتطايرت الحروف من طرف لسانها, تلعثمت الكلمات في ثغرها, فأنعقد لسانها ربطة عنق و جعلتها صامتة تجمع فتات كلامتها و نقاط أحرفها الهجائية, خذلتها القوافي و الكتب, فسكنت مبهمة في ارتباك, ليقول عامر :
-انا محبتش افتح الرسالة بس استغربت انه بيكلمك, كان عاوز منك حاجة!
هدم الهم و قادمت السعادة علي ثغرها و هي تقول :
-لا لا مكنش في حاجة, موضوع و أنتهي..
فتساءل بشك :
-متأكدة!
قضبت حاجبيها قائلا بتأثر مصطنع :
-يا عامر مصطفي مات انت بتكلم في اية دلوقتي, مكنش بيني انا و هو كلام, هو بس من ساعة ما اتخانقت مع اخته و هو كان عاوز يضايقني و كان بيبعتلي رسايل مش كويسة بس خلاص الموضوع انتهي و حسابه عند ربه..
و  ابتسمت خاتمة بكلامها :
-متخافش اختك راجل..
فربت علي يدها متابعا بتأكيد :
-ب100 راجل, انا اسف لو شكيت غلط
لتهز رأسها غير مبالية باسمة :
-ربنا يخليك ليّ يا عامر..
                                ***
في المساء, استلقي عامر فوق فراشه شارد الذهن و الصفو , يفكر بما حل عليه في الفترة الأخيرة, يا تري لو عاد ستعود! ام ستخذله في حجة الكرامة! لا كرامة بين الأحباب! هكذا اخذ يقنع نفسه, الشوق قتله, بل فتك رجولته امامها, لكن كان عليه الأبتعاد, ليتأكد من صحة مشاعره و قراره الذي أتخذه, و الحمدلله وصل لبر السلام, و أتزنت الأمور, عليها أن تكون زوجته رغم آنوف الجميع, لن يتحمل ان يمسها غيره, او يغازلها ذكرا بكلمات العشق غيره, نيرة خلقت لتكون لعامر فقط و لكن هل عامر خلق لنيرة!
أيا تري, مازال علي قيد تفكيرها, أم قضي الغبار علي حبهما, أم بمسحة قبلة فوق الشفاة ستتنهي تلك الخلافات الجوفاء, تلك الأندلسية جننت ما بقي من عقله, قتلت جميع شهواته لنساء و طمعت بها لنفسها, فكانت أول شهواته الحقيقية, مولدة من نهر الحب, لن ينكر انه ضعيف و خانن عهده الذي وضعه لنفسه في بدء علاقتهما, لن تكون لفراشه الا بعد الزواج, لكن لنقطع تلك التفاهات بسيف الواقع, سيحقق حلمه بها ! سيتزوجها و ليغفر الله زلة الشهوات!
                                 ***
نظر لساعة يده و هو يسند بضخامة جسده علي السيارة, ظل ينظر بشغف نحو مبني الجامعة منتظر بكل شوق منصهر ان يراها, يسمع قرع كعبيها الملساء علي الأرض, يسرح بعينيها الجميلتان الباسمتان, أين أنت يا نيرة! ألم تحس بعد بألآم أشواقي لك! ألم تسمعي رجفة قلبي الولهان في رؤياك, اني لعاشق متيم في نيرانك, فأدفئني بولعة أحضانك و كفني شوقي بقبلاتك, فلو أجمعت الدنا علي فراقنا, لأقتلنها و أكون لك يا نِيرة عشقي و هواي..
تقدم اليها بمجرد رؤيتها, كانت ترتب شعرها الذي غازله رياح ربيعية, كان خصريها يتمايلان كأنهما يرقصان علي لحن سيمفونية شهرزاد, مضطربتان متنقضتان في الغنج و الجدة, توقفت عن السير و كأن اوصالها قد تقطعت بوقوفه امامها, ليقول في لهجة أمرية :
-أركبي..
ترددت عينيها في النظر اليه, ليفسح ذراعا لسيارته و يركب واثقا انها ستأتي, و آتيت بلا شك!
                                   ***
توقف علي جبل المقطم بسيارته, ظلا صامتان لفترة حتي خرج من السيارة و جلس علي الرمال موليا لها ظهره, شعرت ان عينيها علي وشك البكاء, فخرجت من السيارة في عصبية و وقفت خلفه قائلا في حدة طفولية :
-روحني!
لم يجيبها, فضربت بيدها فوق ظهره قائلة بعصبية :
-بقولك روحني..
ليرفع رأسه اليها و يقول :
-اية الي جابك معايا من الأول
وقع عليها السؤال, كأشواك الصبار لتزداد انفعالا و هي تشعر بأهانة مباشرة لأنوثتها, لكن قبل ان تبدي انفعالا واضحا, كان قد ابدا بحنينه اليها, ففي غمضة عين كانت ملقاة في عناقه, صرخت, انفعلت, قبضت بيدها و ضربتها علي صدره, لكن لم يفيد امام حنين هذا الرجل, الذي دفن برأسه علي رقبتها و اطلق سراح عنفوان تنهيدة حارة, ضغط بيده علي ارجاء جسدها محاصرا جمالها له, ظلت تردد ان يبتعد و يتركها و هي تبكي ذليلة, تضعف احيانا فتكف عن المقاومة لكنها فورا ما تزداد في العنف و تضربه بضربات لا تحصي و لا تؤلم, تعاتب فقط, تظهر حزنها و بكائها, تظهر شعورها بالأهانة تجاهه. قبل رأسها بقلبة شديدة النعومة تخلو من الشهوات و نظر في عينيها الباكيتان قائلا :
-بحبك
هزت رأسها معارضة و هي لا تقوي النظر في عينيه, ليمسح بيده فوق شعرها و يقول بآسف :
-مكنش قصدي ابعد عنك المدة دية كلها بس كنت مضطر, انا رجعت
لتقول في بكاء :
-معونتش عوزاك انا بقيت بكرهك يا عامر..انت و لا يوم كنت بتحبني فيه, انت كنت عاوزني عشان عارف انك هتقدر تضحك عليّ بسهولة..كنت عاوزني عشان عارف اني ضعيفة و هعرف اصدقك..انت كنت بتكلمني بس و تقولي يلا تعالي البيت فاضي! انت مش بتحبني يا عامر زي ما حبيتك
-اعملي الي انتِ عايزاة بس مستحيل هتعرفي تبعدي عني تاني يا نيرة..انتِ خلاص بقيت بتاعتي برضاكي او بغصب عنك
لتقول غاضبة :
-انت اقذو حد شوفته في حياتي مش عايزة ابقي معاك..سبني انا بقيت خايفة منك و خايفة من كل حاجة..انت مش بتحبني انت بتحبني حب امتلاك
ضم وجهها بكفيه و قال باسما في غطرسة :
-انا بعشقك عشق امتلاك سمعتي عنه دة!
و اقترب منها في هدوء لتقبيل شفتاي الورد, لكنها ابتعدت في اخر لحظة بعدما اصابتها رجفة و خوف, نظرت في عينيه و هي بعيدة, و الحنين يتصارع في نظراتها, ليعاود الأقتراب و يعاود تملكها بذراعيه قائلا بلهجة رقيقة :
-كفانا عناد يا نيرة
أمسك بيدها و ضمها بقوة بين ضخامة كفيه, قبلها نعومتها, لتقول نيرة في ضعف نبرة :
-انت كمان وحشتني يا عامر
-افهم من كدة ان دة اعلان صريح بالسماح
امأت برأسها في ايجاب, لتعتلي بسمته و يسارع بالتقرب منها لمعانقتها, لكنها منعته بحركة من يديها قائلة :
-انا موافقة نرجع بشرط, لا لا شرطين..
-أشرطي
-مش عاوزة احس اني معاك عشان اوضة نوم خلينا كدة حبايب بس لحد ما يقدر ربنا و نتجوز ساعتها
سكت للحظة و حك ذقنه قائلا:
-موافق و اية كمان
-في حاجة لازم تعرفها عني, حاجة مهمة و ساعتها تحدد هنكمل و لا لا
-اية هي؟
كادت تخبره بأصلها, و انها في البدء أبنة علاقة محرمة, كادت تخبره انها نقمة المجتمع, كادت تصرح عما حدث و جعلها بذلك السوء, لكنها توقفت الكلمات علي رأس لسانها و هزت رأسها قائلة :
-يوم تاني هقولك مش وقته انهاردة!
-زي ما تحبي بس كنت عايز اقولك اني بكرة بجهزلك مفاجأة محصلتش
لتبتسم في عفوية :
-انا كمان كنت مجهزة مفاجأة واثقة انها هتعجبك
ليقول بغمزة عين :
-مجهزة اية يا قطة
لتقول في حياء :
-هتعرف كل حاجة بكرة يا عامر, هتعرف كل حاجة
ليمد ذراعه و يجذبها في خفة لعناقه, ترددت في الموافقة لكن لم تستطع المقاومة و تركت هذا العناق الأخير بينهما, قبل ان تضع لعلاقة حدود.
                              ***
في صباح اليوم التالي, وقف امام منزلها ينتظرها, اشتد به الذرع و هو يتصل بها و لا تجيب, طلبت منه ان يوصلها الجامعة مبكرا لأن محاضرتها ستبدأ التاسعة صباحا و الآن الساعة توشك ان تكون العاشرة الا الربع, تنهد بنفاذ صبر من هذا التأخر الذي أكد لنفسه انه مقصود منها, ربما تؤدي مقلبا طفوليا لتشاكسه قليلا, أمسك بهاتفه و تفحصه ليتصل بها لمرة السادسة, لكن صوتها الناعم جعله يتوقف :
-عامر!!
رفع نظره اليها غاضبا و كاد يصرخ, عقد لسانه عن الكلام, و هو يراها تأتي بحياء مرتدية فستانا أبيض السحاب يصل الي الأرض, له أكمام ضيقة بعض الشيء لكن تصل الي معصميها, و حجابا صغيرا ذهبي اللون, برقت عينيه باندهاش فقد توقع اي شيء, بل كل شيء, الا تلك!, ما ان اقتربت منها مصطبغة الدين بحمرة الزهرة, حتي تمتم بقوله :
-اتحجبتي !!
*
*
*
*
يتبع

مدمن قلبكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن