الفصل الثالث عشر

531 51 7
                                    


حاوطتنا الأشجار بينما أشعلت ساشا النار لعلها تشعرنا بالدفء بعد توقف المطر ورذاذ الثلج، كانت عيناي ثاقبتان نحو اللهيب، الموت يتربص بنا، يداهمنا فجأة دون أن نتداركه، تجمعت ذكرياتي مع شين لتعرض أمامي، كانت لحظة موته صدمة لي، لم أتخيل أن تنتهي حياته بهذه الطريقة، لا زالت صرخاته تزن في أذني، رغم أنني كنت أتمنى التخلص منه، لكن لم يكن الموت رغبتي في ذلك، سرت رعشة باردة في جسدي، وبدأ الصداع يجر أذياله نحو رأسي، وتثاقلت جفوني أكثر، والإعياء سيطر على جسدي المنهك، جلس تايريس بجواري وربت على كتفي برفق، أعلن ألين أنه سيقوم بالمراقبة لأول ساعة، جلست صوفيا بجوار ساشا بينما عانق كريس جوليا في الجهة المقابلة، أما زوجة ألين فقد استسلمت للنوم مسندة بظهرها على أحد الأشجار المجاورة.

همس تايريس:

- تبدين متعبة.

- أنا بخير.

- لكنك تنتفضين.

خلع معطفه ووضعه على كتفي قائلاً:

- الجو بارد، قد يشعرك بتحسن أكثر.

لم أشعر بنفسي عندما داهمني النعاس، غصت في نوم عميق من شدة الإعياء، شعرت بأصابعه تتخلل خصلات شعري، همس بصوت رقيق:

- ستكونين بخير يا أميرتي الصغيرة.

حاولت فتح عيني لرؤية ملامح وجهه لكن أجفاني كانت ملتصقة ببعضها، زاد خفقان قلبي وضاق تنفسي للحظات عندما سمعت صوت ديرل ينادي:

- جيني، جيني، هل أنت بخير؟


- جيني! جيني! هل أنت بخير؟ استيقظي يجب أن نغادر الآن.

فتحت عيني بصعوبة لأكتشف أن الذي يحادثني لم يكن سوى تايريس، وضع كفه على جبهتي، اتسعت عيناه:

- يا إلهي حرارتك مرتفعة جدًا.

أمسك بيدي يعاونني على النهوض:

- اتكئي علي.

- أنا بخير، ماذا حصل؟ لماذا سنغادر بهذه السرعة؟

حالما أكملت جملتي ظهر حشد من السائرين من خلف الأشجار، فأخرجت سكيني من حقيبتي المعلقة على كتفي، بينما التصقت صوفيا بي، اقتربنا من بعضنا أكثر، تقدم السائرون منا، همست ساشا:

- لن نتمكن منهم، يجب أن نجري بعيدًا والآن.

همس تايريس:

- نحن محاصرون يا ساشا، لا خيار لنا سوى مقاتلتهم.

- لكن عددهم كبير، لن نتمكن.

بدأنا بمهاجمتهم، كنت أحاول التركيز في مهمتي، قتلهم وحماية صوفيا الملتصقة بي وأنا متعبة، لا بل مريضة، لم أشعر بنفسي وأنا أبتعد عنهم، التفت باحثة عن تايريس وساشا والبقية، لكنهم اختفوا عن ناظري بين هذه الجثث المتحركة، أسمع أصواتهم لكنني لا أرى أي منهم، سمعت صوت تايريس يصرخ:

- اهربي يا جيني، خذي صوفيا وارحلي من هنا، سنجدك، اختبئي بمكان آمن، كوني بخير!

أمسكت احدى الجثث بصوفيا التي صرخت فزعة، فغرست سكيني فورًا على رأسه ليسقط على الأرض، قل عددهم أو ربما ابتعدوا عني، أخفضت نظري إلى صوفيا وهمست:

- يجب أن نرحل من هنا، لا تخافي، سنكون بخير أعدك.

لم تعد قدماي قادرة على التحرك، هويت على جذع شجرة بعدما تأكدت من عدم وجود أي سائر يلحق بنا، جلست صوفيا بجواري، كانت ملامح وجهها تنم عن الخوف، أخرجت لحاف رمادي من حقيبة ظهرها، التصقت بي واضعة الحقيبة على حجرها، ثم أخرجت قنينة معبأة بالماء، ناولتني إياها فرشفت رشفة صغيرة منها، غطينا أجسادنا المنهكة باللحاف بينما عيناي تراقبان المكان بترقب، خشية من أي خطر قد يداهمنا دون أن نشعر به.

بدأ البرد ينهش أجسادنا، فانكمشنا تحت اللحاف لعله يحمينا من هذا البرد وتساقط الثلوج علينا، ليتني أستطيع البحث عن مأوى لنا، لكن حرارتي بدأت ترتفع أكثر، أخشى أن أفقد روحي قبل أن أتمكن من حماية صوفيا، وحماية نفسي من الموت، وودبيري، يجب أن أعثر على وودبيري قبل أن نموت، لكن كيف سأعثر على وودبيري الآن؟ أغلقت عيني لثواني، تشابكت الرؤى في ذاكرتي، ظهر ديرل امامي كان صوته يزن في أذني:

- جيني، هيا يجب علينا الرحيل من هنا قبل أن نموت!

- أميرتي الصغيرة، علينا الرحيل الآن، لا تثقي بأي شخص غيري، حتى ديرل!

- جيني لا تستمعي لميرل إنه أخبث شخص قد تقابلينه في حياتك.

- اخرس يا ديرلينا!

- لا لن أخرس يجب أن تعرف جينيفر كل شيء!

تشوشت الرؤية أكثر، التفت على يميني، شهقت عاليًا، كانت صوفيا قد تحولت إلى سائر، مدت يدها إليّ أكثر، فنهضت سريعًا، حملت رجليّ وركضت سريعًا، تجمع السائرون حولي، أمسكت صوفيا بيدي، لم تكن جثة متحركة، بل كانت بأحسن حال، صرخت بي:

- هيا سيمسكون بنا!

لحظة، هل تحدثت صوفيا؟ التفت إليها لكنني لم أجدها، لم يكن هناك أي كائن، مشيت بهدوء، حاولت أن انادي صوفيا، لكن صوتي لم يخرج، هل أصبحت بكماء؟ صرخت، لكن خرج صوتي كفحيح الأفعى، سقطت جاثية على الأرض، تسابقت دموعي على وجنتي، شعرت بدوار أصاب رأسي، وفقدت توازني، لم أعد أستطيع التحكم بجسدي، أرى الأشجار تتحرك حولي، تقترب مني أكثر، وكشفت أنيابها، والسواد أحاط العالم من حولي.

___________________________

شكرًا على القراءة

أتمنى أن تنال على إعجابكم

بانتظار تعليقاتكم ودعمكم

ولا تنسوا التصويت للفصل فضلاً

يتبع ... خاتمة الكتاب الثالث

سأكافح من أجل البقاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن