١٠؛ العِملاقُ ذو الغمّازة.

4.3K 504 302
                                    


نحتاجُ أوقات الانكسار لضمة، لربتة وابتسامة عذبة. نحتاج وقت الضعف لشخص ما، فقط شخصٌ واحد يمكنه انتشالنا من بين براثن الدنيا والتحليق بنا لأعالي السماء.

ونحارب الذكرى بنوم عميق، وحلمٍ مسلوب نكمله ما بين غفوة وأخرى. وما بين الغمضة والغمضة نفقد شيئًا منّا حتى نصبح وهمًا أو كيانٍ غير موجود.

ويجلس الخوف بعيدًا مترقبًا بهدوء، ثم يبثُ شيئًا منه ليسكن فينا ويتغذى علينا. يلتصق بنا كالبصمة، حتى يصبح شيئًا منا لا يشاركنا فيه أحد.

امتطى الخوف مسالكها ليصل لها ويتربع فيها. ثم تركها بضريبة عالية من الصدمة، وتيار مرتفع من الخوف. فولتات غير محصورة لكنها بالأكيد هائلة لذلك لم تُحصى.

اندفعت الشهقة من حلقها تلتقفها حبالها وتركلها ما بين هذا وذاك قبل أن تغادر حلقها وأعينها متسعة حتى آخرها.

ارتعاشة أضلاعها كانت ظاهرة للعيان، وقبل أن تصرخ كان هو قد تراجع بضع خطوات للوراء ثم بسط كفيه أمامه قبل أن يرفعهما حتى منتصف المسافة بين عنقه ورأسه :
- لستُ مؤذٍ لا تخافي!

وكيف لا تخاف وكل ما يحدث لها وجه من أوجه الخوف العديدة، وجرعة زائدة من الفزع تتفشى بها؟ انكمشت على نفسها تتراجع بظهرها أكثر حتى التصقت تمامًا بمسند الكرسي، وهزت رأسها عدة مرات تقول بارتجاف :
- من أنت؟

أنزل ذراعيه ليسكنا بجوار خِصره وابتسم بهدوء كاشفًا عن غمازة جميلة تعتلي وجنته، كذلك شدّ ظهرهُ للوراء قليلًا ثم اعتدل وانحنى أمامها يثني ذراعه قُرب معدته :
- خادمكِ المطيع مولاتي، بارك تشانيول.

ازدردت لعابها تستقطب كل ذرة ماء في فمها كي تبلل حلقها الجاف، وضيّقت عينها اليسرى متسائلة برجفة مازالت ملازمة نبرتها المهتزة :
- خادمي المطيع؟

اعتدل ببطء لينتصب في وقفته، ثم رتب خصلات شعره الكثيفة بكفه اليمنى وهو يُجيل نظرهُ في الأنحاء بفضول مُتفاديًا سؤالها بغير قصد، ثم تمتم :
- العالم هنا مختلف تمامًا عن عالمنا! أخشى أنكِ تفضلين البقاء هنا. هو أجمل، لكن عالمنا أنقى.
عاد ينظر لها يميل برأسه لليمين قليلًا :
- هناك أشياء طويلة أسطوانية الشكل تخرج منها ذرات غبار رمادية وتبدو مخيفة، ما هي؟

ازدردت لعابها مجددًا وهي تحاول استيعاب هذا الكم الإضافي من الجنون، ثم تساءلت بشك :
- تقصد مداخن المصانع؟

طرقع إصبعيه معًا مصدرًا صوتًا خفيفًا ثم هزّ رأسه موافقًا :
- أجل هذا الشيء. إنه سيء للغاية؛ رائحته بشعة ويخلف غيمة رمادية مقرفة. عندما هبطت من الأعلى مررت بإحدى هذه السحب وسببت لي السعال!

بِيكَاسّو || A war of bloodحيث تعيش القصص. اكتشف الآن