في إحدى ليالي ديسمبر الباردة .. جلست مراقبة أسراب النجوم وحركة الُسحُب والقمر، لطالما عشقت مراقبة السماء والنجوم خاصةً عندما يكون القمر بارزًا فيها يتلألأ كالدرر، دائمًا ما كانت تتحدث مع النجوم وتشعر بالألفة، ربما لأن النجوم تشبه آلامها تارة تظهر وتارة تختفي، كانت تشعر بعظمة الخالق وتتأمل حركة السحب وتتيقن من أن الله القادر على خلق كل هذا الجمال وتحريك السحب والقمر قادر على شفاءها من آلامها، دائمًا ما كانت مراقبة السماء تعطيها دفعة أمل بأن كل شيء سيكون على ما يرام .. فهي منذ أن اكتشفت مرضها فقدت الأمل في كل شيء .. فقدت شغفها في الحياة وانطفئت وانعزلت عن الناس بعدما كانت مرحة محبة للحياة طموحة .. ربما لأنها لا تريد ان ترى في أعينهم الشفقة.
تعبت من كل شيء .. كانت تريد لقاء ربها والابتعاد عن صخب هذة الحياة الفانية ،فهي كانت تسير على قاعدة اساسية في حياتها ألا وهي "عدم فقد الايمان بالله مهما حدث" لأنها كانت على يقين تام أن الإيمان هو الشيء الوحيد الذي سيدفعها للمواصلة إلى أن يحين موعد اللقاء .. كانت تسعى جاهدة أن لا تستسلم وأن لا تفقد إيمانها بعد كل خذلان أو صدمة أو سقطة تتعرض لها .. كانت راضية بقضاء الله وكانت تتحمل مرضها وتتظاهر بالقوة والسعادة أمام والدتها لأنها لم تُرد إحزانها، حاولت إخفاء كل ما تشعر به من ألم وتعب ولكن كان يظهر عليها بعض الإعياء و الشحوب يعلو على وجهها .. قطع شرودها صوت الممرضة التي دخلت لكي تذكرها بموعد العملية التي ستجرى لها في الغد وتملي عليها التعليمات ،طمئنتها قائلة أن كل شيء سيكون على ما يرام وأن عليها فقط أن لا تخاف .. كانت مدركة لمدى خطورة هذة العملية ومدى تأخر حالتها ولكنها كانت مستعدة لخوضها وراضية بالنتائج أيًا كانت .. فهي لم تكن حزينة ولكن ما كان يشغل بالها هو أمر والدتها فهي إبنتها الوحيدة .. أغلقت عينيها و غفت على كرسيها المقابل لنافذة الغرفة .. إستيقظت على صوت اذان الفجر فقامت لتصلي وتدعو الله بالشفاء وتدعو أن يلهم الله والدتها الصبر إن حدث لها شيء، ألقت نظرة على والدتها النائمة التي يعلو وجهها التجاعيد التي خطّها عليها الزمن وسرعان ما مسحت العبرات المنهمرة على وجهها الذابل .. وما هي إلا ساعات قليلة وقد أتت الممرضة لتجهزها للعملية ، لم تستطع والدتها إخفاء قلقها الواضح ولكنها كانت تسعى جاهدة لكي تتماسك أمام إبنتها .. كانت تخشى فقدانها هي الأخرى، فهي أصبحت حياتها بأكملها بعدما توفي زوجها في حادث أليم وترك لها ابنتها التي عملت بكد لكي توفر لها حياة كريمة ولكي تراها طبيبة مثلما تمنى والدها ولكن للأسف اكتشفت مرضها وهي في أول عام لدراستها في كلية الطب .. وماهي إلا لحظات ودخل طبيب شاب الغرفة مبتسمًا ، طمأن الأم قائلًا أن العملية ستبدأ في غصون دقائق وانه لا داعي للقلق ، ودّعت الأم ابنتها بعينيها ودعَت الله أن يحفظ لها ابنتها .. شعرت بإنقباضة في صدرها فذهبت لتلقي نظرة من النافذة الموجودة في الباب الذي يفصل بينها وبين غرفة العمليات لتجد الممرضات يهرولن وسرعان ما سمعت صوت الصفارة المعلنة عن وقوف النبض .. لم تستطع الإم أن تتمالك نفسها سقطت العبرات الساخنة تلفح وجهها .. وما هي إلا عدة دقائق وخرجت إحدى الممرضات لتطمئن الأم قائلة أن النبض قد عاد وأن العملية على وشك الإنتهاء وأن كل شيء على ما يرام ..
- بعد مرور سبع سنوات -
كانت الأم تتجهز للذهاب لحفل تخرج ابنتها من كلية الطب ولكنها لم تكن ذاهبة بمفردها كانت ستذهب مع الطبيب الذي اجرى عملية إبنتها منذ سنوات أو بمعنى آخر زوج ابنتها.
أنت تقرأ
11:11
Randomأكتُبُ كُل ما يَجُول في خَاطِري .. وبعضٌ مِما أشْعُر بِه. - خَواطِر وقِصَص قَصِيرة ..