٣٣ وربما الأخير ..

57 3 0
                                    

كسر جديد يضاف إلى قائمة انكساراتها القديمة .. لأول مرة العبرات الساخنة تلفح وجهها بسببه .. وحده الله يعلم أنها لم تكن تريد التعلق بأي شخص .. وحده يعلم دعائها المكثف "اللهم لا تعلق قلبي إلا بك " .. وحده يعلم صعوبة جهادها لنفسها وصعوبة تغلبها على إكتئابها و ألمها بمفردها .. ولكنها تغلبت ووصلت إلى نهاية الطريق والنفق المظلم الذي ظنت أنه لا مفر منه وأنه لا ينتهي .. وحده يعلم معاناتها التي كادت تودي بحياتها .. التي كانت تظن أنها لن تتغلب عليها وأن حياتها كلها ستظل هكذا .. كانت تموت في اليوم ألف مره .. تبكي بحرقة على اللاشيء .. شعور الفقد والحزن كان يتملكها بشدة .. شعور الألم الإنكسار الوحده .. الخوف .. الصراع والتعب .. التشتت والضياع والتيه الغرق ..الخذلان و ذبول الروح وفقدان الشغف .. عدم الاحساس بأي شيء وكل شيء في آن واحد .. عدم تقدير معنى الحياة .. لولا إيمانها به لما ظلت على قيد هذه الحياه المُرهِقه .. شعورها بأنها في نفق طويل مظلم لا ينتهي ولا يمكنها الخروج منه بمفردها .. شعورها بأنها ملقاة في غيابة الجُب .. حتى طلبها للمساعدة من المقربون لعلهم يتفهموا و يساعدوها .. ولكن لا .. لم يتفهم أحد و لم تحصل على المساعدة من أي شخص باحت باكتئابها و حزنها الغير مفسر لهم لعلهم ينتشلونها أو يشدوا على يديها ولكن لم تجد أحد .. إلى الآن لا تعرف كيف خرجت من نفقها المظلم ..ولكنها كانت ممتنه جدًا لخروجها منه .. بدأت ترى الحياة بمنظور آخر .. بدأت تدرك أنه يوجد ألوان أخرى غير الأسود بالرغم من أنها مازلت تفضله دونًا عن سائر الألوان .. بدأت تقدر قيمة البقاء على قيد الحياة .. بدأت ترى أشياء لم تكن تراها من قبل .. كُسرت مره أخرى ولكن لم تسمح لهذا الشعور أن يتغلغل في أعماقها تظاهرت بالقوة و أصبحت قوية فعلًا وظنت أنها لا تُكسر وأكتشفت أنها لديها جوانب كثيرة لم تكن تعلم أنها تملكها .. كانت ممتنه جدًا لله لأنه استجاب دعائها أخيرًا بعد طول إنتظار و أخرجها من البئر بعدما كانت على وشك الغرق .. بعدما هوت في أعماقه و تغلغلت مياهه في رئتها وجسدها الضعيف .. بعدما ظنت أنها تلتقط أنفاسها الأخيرة .. شعرت به وهو يمد يد العون لها .. شعرت به و بلطفه الخفي .. شعرت بأنه يفهمها ويربت على قلبها و يقول لها أنها تحملت كثيرًا أشياء لا تُحتمل .. شعرت أن عذابها قد انتهى و أنه قرر أن ينهي إبتلائها و يخفف عنها .. أنه أطلق سراحها .. أنه استجاب دعواتها و سمع صوتها الخافت .. أنه شفى قلبها وطهره من كل ألم .. من كل شخص دهسه ولوثه من كل شخص خدشه خدش وكسر جزء منه .. من كل من أذاه .. كانت في أوج سعادتها وهي ترى عودتها لطبيعتها بعد رحلة العذاب الطويلة التي دمرتها .. المشكلة أنها لم تكن لها سبب واضح .. بالعكس كانت تعطيها الحياة نعم كثيرة ولكنها لم تكن تشعر بأي شيء .. كأنها لا تفقه معاني الأشياء .. كأنها فقدت القدرة على تمييز الخبيث من الطيب .. كانت في قمة ضياعها .. كلما ألقت نظرة في المرآه كانت ترى نظرة الضياع تزداد يومًا بعد يوم في عينيها .. وكانت تبكى وتناجيه .. بكت كثيرًا حتى تألمت .. حتى شعرت أن روحها تغادرها وأن النشيج والنحيب يمزقان روحها .. ولكن بقي جزء الإيمان به بقلبها ..نعم كانت تتمنى الموت .. ولكنها كانت أجبن من أن تفعلها وأقوى من فقد إيمانها به .. كانت تتمنى موت جسدها لكي لا يترك روحها وحيده تحت الثرى لكي يؤنسها في وحدتها .. فما فائدة بقاء الجسد بلا روح .. المهم أنها تغلبت بفضل الله على هذا الشيء اللعين .. وكانت تدعوه وتدعوه ليلًا ونهارًا ألا يدخلها هذا النفق المظلم مرة أخرى .. أن لا يجعل أي شخص يلقي بها في البئر مرة أخرى .. ألا يلقي مفاتيح سجنها في يد أحد .. أن لا يأتي أي شيء يذكرنها أو يسحبها ولو خطوه للوراء .. بمجرد خروجها من النفق ركضت و لم تتوقف لإلتقاط أنفاسها خوفًا على نفسها .. في محاولة بائسه لحمايتها .. ركضت بسرعه ومازلت .. كرهت بشده وقوعها في البئر ..حاولت إبعاد أي شخص عنها .. إكتفت بالمقربين .. إكتفت بالله ومساعدته .. انشغلت بنفسها و بدراستها .. عادت لنفسها .. عادت كما كانت لشخصيتها ولكتبها .. لألوانها وفرشاتها التي إتخذها الغبار مأوى .. كم كانت سعادتها عندما تحدثت مع البائع الذي سألها من قبل عن سبب إمتعاضها و حزنها الدائم وقتها تعللت بإختباراتها.. تحدثت معه وهي ليست خائفة و عينها لا تحاول الهروب والقفز من مقلتيها .. إستعادت ابتسامتها و ضحكتها الحقيقة .. تخلصت من الإنكسارات أو ظنت هكذا .. وقطعت عهد على نفسها بأن لا تجعل مفاتيح سعادتها أو سجنها في يد بشرية .. حاوطت نفسها و قلبها بسور متين .. أصبحت بخير حقًا ولأول مره منذ زمن .. كل من كان يحاول عبور هذا السور كانت تمنعه بشده أو تجعله يصدق أنه اقتحمه ولكن في قرارة نفسها تعلم أنه لم يتجاوز السور و أن مفاتيحه بحوزتها هي فقط ..
حتى أتى هو .. حاولت صده كثيرًا ولكنه لم يمل .. لم تعطيه أي مفتاح لكن فتحت هي له .. فتحت فتحه صغيره جدًا بعدما رأيت محاولاته العديدة في التسلل والدخول .. فقالت لما لا .. إعتقدت أنها ما دامت تمتلك المفاتيح فأنها تملك القدرة على طرده في أي لحظه .. لا تملك تفسيرًا منطقيا لما حدث .. كل شيء حدث بسرعة شديدة .. حاولت إخراجه وإغلاق الباب بإحكام أكثر من مرة ولكن محاولاتها كلها باءت بالفشل .. كانت خائفة جدًا .. لم تكن تريد إدخال أي شخص جديد في حياتها .. لم تكن مستعدة لخوض معركة جديده .. لتقبل خذلان آخر وإنكسار جديد .. في قرارة نفسها تعلم الحقيقة .. الحقيقة التي لا مفر و لا مهرب منها .. كلهم راحلون .. لا يوجد أحد صادق .. كلهم يجيدون التحدث ببراعه وإلقاء الكلام المعسول .. ولكن تظهر الوجوه الحقيقية من خلال الأفعال .. ما أسهل التحدث و الكلام من منا لا يستطيع التفوه بأي كلمة أي حرف أو جملة .. كلنا يا عزيزي نمتلك القدرة على الكلام .. حتى الطفل يتكلم .. ولكن الأفعال هي التي تُظهر وتُثبت الحقيقة ..
25.5.19

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 25, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

11:11حيث تعيش القصص. اكتشف الآن