انطلقت مساءً صوب القرية التي تبعد عن بلدتي 120 كيلومتر لأقدم العزاء لصديقي الذي فقد أباه في ذلك النهار، أصابني صداع في رأسي وأنا أقود سيارتي على الطريق الملتوي. وحين وصلت وجهتي كان الصداع قد تمكن مني تماماً، وكاد يفجر جبهتي، توقفت عند صيدلية القرية لأخذ أقراصاً مهدئة، لكني لم أستطع بلوغ الصيدلي من زحمة الناس الذين تراصوا في الصيدلية يطلبون خليطاً كان يصنعه الطبيب بنفسه، ويقولون له مقدرة عجيبة في تبييض الأسنان وخلال أيام فقط، انتظرت وعندما خف الزحام تقدمت نحو البائع وطلبت منه حبوب بنادول؛ فأعطاني، ثم سألته عن هذا الخليط الذي يبيعه للناس، كنت أريد منه علبتين، فقال لي: لقد نفدت الكمية، لكن الليلة سوف تصلنا المواد ويكون عند الغد جاهزاً، طلبت منه حجز علبتين، فأجاب: من عيوني يا الحبيب.
وقبل أن أتوجه لمنزل صديقي، فضّلت أن أتعشى في المطعم الذي أمامي، حتى أعذر صديقي من صنع الطعام لضيافتي، فحالتهم بعد الجنازة لا تسمح لهم بمزيد من الأتعاب.
دخلت المطعم وسألت صاحبه، ماذا عندكم من طعام؟ فقال: لم يتبق لدينا إلا صحن واحد من اللحم، طلبته منه فقدمه إليّ، وقبل أن أبدأ بالأكل دخل علينا فجأة رجل تبدو عليه علامات القلق والسرعة، فسأل صاحب المطعم هل لديكم لحم؟ فاعتذر عن نفاد الطعام، ناديته تعال وكُل معي، فأجاب: بالعافية، لست أنا من يريد اللحم، بل زوجتي المتوحمة طلبت لحماً، لكن يبدو أني سأضطر لذبح واحدة من أغنامنا، قلت له: لا داعي لذلك وتعال وخذ هذا الصحن فأنا لم آكل منه إطلاقاً، أخذه ولم أقبل منه نقوداً حين عرضها علي، فقلت له اعتبرها هدية المولود القادم.
ذهبت لعند صديقي وقدمت له العزاء في والده، ثم تكلمنا في أمور شتى، وعند منتصف الليل طلبت منه الذهاب إلى قبر أبيه حتى أقرأ الفاتحة عليه، بعد أن فاتتني الجنازة، توجهنا صوب المقبرة وحين وصلنا إلى القبر وجدناه منبوشاً، نظرنا إلى داخله بعد أن تملكنا الخوف والرعب، رأينا رجلاً بداخله كان يحفر فيه وكاد أن يصل إلى الجثمان، توقف عن الحفر عندما شاهدنا، وجهت كشاف الإضاء نحوه، فإذ بنا نعرفه، فصرخ صديقي بوجهه ماذا تفعل لماذا حفرت القبر؟ تلعثم الرجل وبدت عليه ملامح الخوف، فهددته أن أدفنه في القبر حياً إن لم يقل الحقيقة، فتكلم وقال: أنا منذ 12 عاماً أسرق الجثث وأبيع لحمها في مطعمي..! فقلت له: يا إلهي هل اللحم الذي قدمته لي قبل ساعات في مطعمك وكدت أكله هو لحم بشر؟ فأجاب نعم؛ ولكني أقسم أنه لحم طفل صغير سرقته البارحة من مقبرة البلدة المجاورة. ثم سألته مرة أخرى وصديقي صامتاً مذهولاً، فأين تخفي العظام بعد سلخ اللحم؟ فقال: أبيعها للطبيب الذي يطحنها ويصنع منها خليطه السحري لتبييض الأسنان..! أجريت اتصالاً بالشرطة، ألو.. هنا مجرم ينبش المقابر.
أنت تقرأ
متع عقلك
Ficção Científicaهل تشعر بالملل؟؟ تعال و متع عقلك بأجمل القصص و الألغاز و المعلومات الغريبة والمفيدة وأكثر...