المدينة المفقودة

2K 138 4
                                    

مدينة مصرية مفقودة في قلب الصحراء الغربية، يقال إنها أشبه بالجنة على أرض الله، تحيط بها واحة بيضاء كالحمام الأبيض، مليئة بالنخيل والعيون وشجر الزيتون، والمدينة لها سور عالي أبيض ومنازل بيضاء،  كل ما يعرف عن مكانها أنها على بعد ثلاثة أيام سفر من مدينة الفيوم نحو الغرب، تعرف بمدينة "الزرزورة" المفقودة، يقال أن مزارعين كانوا على مشارف الصحراء، فإذا بطائر الزرزور يأتي من ناحية هذه الصحراء الشاسعة، التي لا يعتقد بوجود مناطق مأهولة أو مزروعة خلفها، و لما اصطادوا هذا الزرزور ذبحوه، و وجدوا أمعاءه ممتلئة بالحبوب، فخمّنوا أن وراء هذه الصحراء واحة عامرة بالخيرات، ومن هنا اكتسبت التسمية. هذه المدينة مستورة عن عيون البشر ولا تظهر إلا أياماً معدودة بعد أعوام طويلة وغالباً ما يصادفها الأشخاص التائهون.

كنت أعتقد أنها مجرد أسطورة شعبية ولكن بعد البحث في الكتب التاريخية وجدت أنها حقيقة واقعية، وإن أضفت الجماعات الشعبية عليها بعض الخيالات والزيادات.

يصف المؤرخ العربي المقريزي هذه المدينة فيقول: فتتبدى بأشكال متباينة، تارة تظهر بصورة مفاجئة في الصحراء ليلاً، و تارة يدلف التائه في الصحراء إليها عبر بئر مهجورة وناضبة، و تارة تكشف إحدى الحفر عن مدخل ليمر منه الداخل ثم ينغلق دونه، أو يظهر القصر الذهبي كمقدمة لهذه المدينة المخفية. في كل الأحوال يكون الوصول إلى زرزورة براً.

ويروى عن البئر المهجورة المذكورة، أن في داخلها باباً قديماً متهالكاً، و بجواره ثعبان حارس، و أن أحد الأشخاص تجاهل الثعبان و دفع الباب بأطراف أصابعه و انفتح عن زرزورة الجنة الأرضية المهملة، فجريد النخيل متروك لم يجزه أحد، و الحيوانات سائبة ترعى في المراعي الخصبة على حريتها، و المياه تفيض عن الآبار.

ويروي المؤرخ ابن الوردي في كتابه " خريدة العجائب و فريدة الغرائب "، أن رجلاً من صعيد مصر أتاه رجل آخر و أعلمه أنه يعرف مدينة في أرض الواحات فيها كنوز عظيمة، فتزودا و خرجا و سافرا في الرمل ثلاثة أيام، ثم أشرفا على مدينة عظيمة فيها أنهار و أشجار و ثمار و طيور و دور و قصور، فصعدا إلى المدينة، و وجدا من الذهب و غيره ما لا يوصف، فأخذا منه ما استطاعا حمله و رجعا.
ثم دخل الرجل الصعيدي إلى أحد ولاة مصر، و عرفه بالقصة، و أراه من الذهب، فوجّه معه جماعة و زودهم زاداً يكفيهم مدة، و جعلوا يطوفون في تلك الصحارى ولكنهم لم يجدوا المدينة، فقد اختفت عن الأنظار ولما طال الأمر عليهم سئموا ورجعوا بخيبة.

ويروي المقريزي في كتابه " المواعظ و الاعتبار "، أن عاملاً عنّف بعض البنائين لديه، ففروا في صحراء الغرب المصرية و معهم زادهم، و لما قدم بعضهم إلى سفح جبل وجدوا قافلة قد خرجت من بعض الشعاب، فتبعها بعضهم، فانتهت القافلة إلى مساكن و أشجار و نخل و مياه و قوم هناك يرعون، و لهم مساكن، أقاموا عندهم حتى صلحت أحوالهم، و خرجوا ليأتوا بأهاليهم و مواشيهم و يقيموا عندهم، لكنهم حين أتوا بأهلهم لم يجدوا أثراً لتلك الواحة، فندموا على خروجهم.

وروى ابن الوردي فى كتابه " خريدة العجائب و فريدة الغرائب "، أن موسى بن نصير، لما انطلق من مصر لتولي إفريقيا، في عهد الأمويين، أخذ في السير على ألواح الأقصى معتمداً على النجوم و الأنواء، و كان عارفاً بها، فأقام سبعة أيام يسير في رمال بين مهبي الغرب و الجنوب، فظهرت له مدينة عظيمة لها حصن عظيم بأبواب من حديد. أراد أن يفتح باباً منها فلم يقدر، و أعياه ذلك لغلبة الرمل عليها، فأصعد رجلاً إلى أعلاه، و كان كل من صعد و نظر إلى المدينة صاح و رمى بنفسه إلى داخلها، و لا يعلم ماذا يصيبه و ما يراه، فلم يجد لها حيلة فتركها ومضى.

ويروي ابن الوردي أيضاً في كتابه، أن رجلاً أتى عمر بن عبد العزيز، الذي كان يتباحث في أمور خاصة بمصر و أعمالها، فعرفه أنه وجد في صحراء الغرب شجرة عظيمة بساق غليظ تثمر من جميع أنواع الفواكه، و أنه أكل منها كثيراً و تزود.. فقال له رجل من القبط : هذه إحدى مدينتي هرمس الهرامسة، و فيها كنوز عظيمة. فوجه عمر مع ذلك الرجل جماعة من ثقاته، استوثقوا من الزاد و الماء عن شهر، و طافوا تلك الصحارى مراراً فلم يجدوها أبداً.

وقد ألهمت هذه المدينة المفقودة العديد من المستكشفين في البحث عنها في صحراء مصر منهم، المستكشف المجري لازلو ألماسي، وكان ذلك في النصف الأول من القرن العشرين، ورحلة أحمد حسنين باشا
بين عامي 1921 و1926 حيث قام برحلتين استكشافيتين للصحراء الغربية. كان مزوداً خلالهما بآلات الرصد و القياس المتوفرة في ذلك الوقت. دون قياساته طوال الرحلتين في كتابه "البحث عن الواحة المفقودة". والكثير من المستكشفين الإنجليز والألمان الذين أبحروا في الصحراء بحثاً عن الواحة المفقودة، لكنهم لم يعثروا عليها.

يبقى السؤال هل كانت هذه المدينة إحدى مدن الفراعنة التي عاقبها الله بالضياع في الزمن، كما فعل بمدينة إرم في حضرموت التي ساحت في الصحراء وتظهر يوماً واحداً كل مئة عام، حين عاقب الله قوم عاد في الأحقاف؟ أم أنها مدينة قارون التي خسف الله بها فغاصت في الأرض السابعة؟ أم أنها من مدائن الجن؟ لا أعرف الإجابة كل ما أعرفه أن مصر بلد العجائب.

 متع عقلكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن