العام 1964، أقصى جنوب مصر، بالقرب من أسوان، صوت الآلات لا يتوقف عن الهدير، والعمل على قدم وساق في بناء السد العالي، وقد شارف إنجازه على الانتهاء ، والمشروع الضخم على مجرى النيل بات وشيكاً
السلطات المصرية تقوم بإجلاء السكان من حول منطقة السد، وقرىً بأكملها قد تم نقلها ، بناسها وحيواناتها وممتلكاتها، فقريباً سيتم إغراق المنطقة بالمياه، وسيختفي ترابها إلى الأبد تحت بحيرة مائية سميت فيما بعد بحيرة ناصر.
ظن المسئولون أنهم قد نقلوا كل شيء من منطقة الإخلاء استعداداً لإطلاق المياه، ولم يعلموا أنه يقبع تحت طبقات التراب في الأرض الموحشة قبر مدفون فيه تابوت بداخله جثة رجل قد أُرسل قبل آلاف السنين إلى الجحيم، وهم على وشك إيقاظه..
بعد الظهيرة وبحضور أكابر الدولة تم افتتاح السد وأُطلقت المياه لتغطي الأرض الظامئة التي بدأت ترتشف المياه في لهفة وشبق . انتهت مراسم الافتتاح وعند المغيب غادرت الوفود الرسمية والحشود التي حضرت هذا الحدث الكبير، ما عدا بعض الحراس الذين ظلوا ليحرسوا المنشأة وآلاتها.
مع حلول الليل سكنت المدينة واختفت الضوضاء، وصمت كل ذي صوت إلا قطرات الماء التي باتت تشق طريقها لأعماق الأرض، تنساب وتنحدر بين الصخور في الباطن الداخلي للتربة، حتى وصلت إلى داخل التابوت الخشبي المدفون تحت أستار التراب فانسكبت المياه على الجثة الراقدة منذ زمن طويل.
جاوز الليل منتصفه، وهدوء الدجى قد أطبق على الأرض بصمته، وفجأة اهتزت أسوان على دوي صوت كالصاعقة، أفاق له النائمون، وأخرج الناس من بيوتهم ينظرون ويتساءلون ما الذي حدث؟ تكورت عاصفة ليلية في الحال وانبعثت رياح قوية عصفت بالمنطقة حول السد امتدت لعمق المدينة، تثير الأتربة وتصفق بالنوافذ والأبواب، وسُمع نعيق الغراب يخالط صوته أصوات الرياح، وكان الذعر قد أخذ مكانه في قلوب الناس. وقبيل الفجر هدأت العاصفة ثم سكنت تماماً .
خرج الفلاحون والعمال صباحاً إلى أعمالهم، وبمرورهم على منطقة السد هالهم مشهد ما رأوه هناك وجمّد الدم في عروقهم ، حراس السد الذين باتوا ليلتهم يحرسون المشروع عثر على أشلائهم ممزقة في أرجاء المكان وقد نثرت أحشاؤهم على طول مسار السد العالي، ودماؤهم قد لونت صفائح الآلات والحفارات باللون الأحمر القاتم. إنها جريمة ليلية مهولة، وقاتل مجهول لا يعرف الرحمة، إنه الجائع الناقم الذي أيقظوه بمياه النيل.
خمسة غواصين أتوا من الإسكندرية ووصلوا أسوان عصراً يريدون أن يحظوا بالسابقة كأول غواصين يسبرون أغوار بحيرة ناصر التي تجمعت مياؤها خلف السد، ورغم تحذيرات الأهالي لهم مما حدث ليلة البارحة، إلا أنهم أصروا على الغوص في البحيرة. لبسوا ملابس السباحة الخاصة بهم وغطسوا في المياه، فاختفوا يوماً كاملاً، لتطفو أجسادهم دون رؤوس على سطح الماء في اليوم التالي.
أنت تقرأ
متع عقلك
Science Fictionهل تشعر بالملل؟؟ تعال و متع عقلك بأجمل القصص و الألغاز و المعلومات الغريبة والمفيدة وأكثر...