الجزء السادس:
ارتدي جمال معطفه وفتح مقبض الباب واتجه وفي جيبه هناك يخبئ القطة نحو سيارة الأجرة التي كانت بانتظاره ركب السيارة ثم أمره الانطلاق نحو الميتم وهو كذلك كانت الأفكار تلعب برأسه واحيانا أخرى تذهب به إلى عالم آخر فكيف سيخبرها وهل ستقبل بالعيش معه ؟ فهي لا تعرفه جيدا كما أنها فتاة صغيرة . كان يفكر ويقول باستمرار داخل نفسه
(كيف سأربيها وهل ساحسن تربيتها اعرف أن التبني حرام في ديننا لكني فقط ساكفلها وارعاها لاكسب الأجر ولأجد أنيس في آخر ايام حياتي . فأنا أصبحت كبيرا كما أن موعد الزواج قد انتهى بالنسبة لي . ولا يمكن أن اتزوج او أن أخلف اولاد . وأنا في هذا العمر فأنا لا أدري إلى متى ساعيش او حتى هل هناك من ستتزوج برجل عجوز تقريبا وليس لدي أقارب لاعطيهم ما تبقى من ممتلكاتي .)قبل أن أموت كل هذا كان يدور في رأسه . فهو أراد أن يقوم بتربية أنجل لأن وجد فيها الانسانة المحبة والطفلة المحبة والحقيقة ولأنه استأنسها حتى لو كان الأمر مجرد لحظات من الزمن
وبينما هو كذلك وماهي إلا لحظات حتى وصلت السيارة قبالة الميتم . نزل جمال منها بعد أن قام بدفع الأجرة وهو يدس يديه في جيبه العريض ليتأكد من سلامة القطة الصغيرة . تقدم بخطى ثابتة نحو الباب . قرعه عدة مرات متتالية ثم توقف على إثر صوت قادم من الداخل كان كالتالي :
الصوت :انا قادمة !
بعدها فتح الباب وكانت المربية
قالت : من تكون يا سيد ؟ وماذا تريد ؟
اجابها بكل هدوء اريد أن اتبني طفلا من هذا الميتم!
قالت : ماذا ! حسنا تفضل ادخل !
وبعدها دخل جمال وهو يتبع المربية التي قادته نحو غرفة المعيشة وجلس هناك على الأريكة بعد ان طلبت منه المربية ان ينتظرها هنا إلى حين ان يخبر المديرة بقدومه . كان يجلس بهدوء ينتظر قدومها بفارغ الصبر
ملاحظة : حين أقول التبني بصيغة الغرب يعني انا اقصد بذلك الكفالة التي يعرفها جمال في دينه ولكن بما أنه في ميلانو وهي مدينة ليست إسلامية فمصطلح الكفالة ليس شائعا بالضرورة ولهذا استخدمه لفظا وليس معنا
تركت المربية جمال في الغرفة وصعدت الدرجات نحو مكتب المديرة وبعد لحظات أصبحت أمام الباب طرقت الباب لتنتظر ردة الفعل من الداخل فأتتها في ثواني بقول المديرة : تفضل بالدخول !
أمسكت مقبض الباب وفتحت ودخلت بسرعة ومن دون مقدمات زائدة قالت لها : ان هناك رجلا في الأسفل يريد أن يتبنى طفلا من الميتم وهو يريد أن يراك
نهضت المديرة من الكرسي الذي كانت جالسة عليه وانطلقت نحوها بسرعة وهي تقول لها رد دي ما ذا كنتي تقولين
قالت لها : ما سمعتي!
دهشت المديرة فمنذ سنوات خلت لم يأتي أحد إلى هذا الميتم ليتبنى اي طفل
لكنها تجاهلت الأمر ونزعت نظارتيها ووضعت الأوراق جانبا واعتدلت في لباسها ثم خرجت رفقة المربية نحو غرفة المعيشة في الأسفل هناك . كانت تنزل بخطى حائرة ومترددة عن ماهية الشخص ومن يكون الطفل الذي سيأخده
المهم الآن أمام الباب تعتدل وتطلب من المربية فتح الباب لتدخل المديرة ورائها المربية لتلقي التحية على جمال كالتالي
المديرة : مرحبا بك سيدي انت مديرة هذا الميتم كيف لي أن اخدمك
جمال : شكرا لك انا جمال يحي الدين أستاذ في التاريخ . أتيت إلى زيارة ميلانو لأهداف شخصية وارغب الآن أن اتبنى طفلا حسب ماذكرته لك المربية ؟
المديرة : حسنا ولكن هل تملك كل الإمكانيات المادية والمعنوية لذلك !
جمال : نعم املك عملا ومنزلا وحتى يمكنك رؤية اوراقي والتحقق من هويتي على شبكة الإنترنت فل دي صفحة خاصة بي
المديرة : حسنا ولكن اي طفل تريد أخذه
جمال : أنه ليس طفلا بل طفلة صغيرة
المديرة : وهل التقيت بها مسبقا!
جمال : نعم مرتين ! الأولى حين كانت تلعب أمام الميتم والثانية عندما تاهت وارجعتها هنا رفقة القطة التي كانت معها وهنا تم قطع كلامه من قبل المربية حين قالت : هذا صحيح فالبارحة عادت أنجل متأخرة إلى هنا رفقة قطة . وقد أمسكت بها عندما أردت الخروج للبحث عنها أمام الباب ولكني رميت القطة . إذن كانت معك .
المديرة بقلق : شكرا لك على إعادتها لم أكن اعرف بالموضوع !
جمال : هذا لا يهم فهي الآن سليمة . وعلى ما أعتقد أنها اسمها أنجل كما ذكرت اسمها المربية
المديرة بدهشة : نعم
جمال: هل يمكنني رؤيتها ؟
المديرة بريبة : نعم. لكن قبل ذلك ماهو السبب الذي دفعك إلى تبني هذه الطفلة وبالذات أنجل؟
جمال : أولا انا رجل أبلغ من العمر 62 وبالنسبة لي فأنا كبرت على الزواج وتأسيس عائلة وليس لدي أقارب . وأصدقائي محددون . كما أنني في هذا العمر أصبحت أشعر بالوحدة بعد ان اتممت جل مشروعاتي كما اني اريد ان اربي هذه الفتاة فقد اعجبت بها وبرقتها وأريد أن أحافظ عليها .ولدي أسباب أخرى لا أستطيع البوح بها لكنها في صالح أنجل ولن تضرها ابدا
او مأت برأسها فهما ثم أشارت إلى المربية بإحضار أنجل
فخرجت من الغرفة وبقي ينتظرانها هناك مدة من الزمن لا بأس بها
هناك فوق في غرفة أنجل
طفل ينادي أنجل بقوله تعالي فالمربية تبحث عنك
أنجل بمتملم : حسنا. لا تصرخ انا قادمة !
المربية : هيا اسرعي فهناك من يريد رؤيتك !
أنجل وهي تعقد حاجبيها باستغراب : ومن يكون ؟
المربية : أظن أنك تعرفينه !
أنجل 😲 : انا لا أظن ذلك ؟
بعدها اشاحت المربية ووجهها للأسفل ونزلتا الدرج سوية نحو الغرفة
هناك فتح الباب لتدخل أنجل وراء المربية بكل هدوء لتلقي بانظارها إلى المديرة بابتسامة صغيرة على الشفاه تبادلها اياها تلك الواقفة هناك
لتلقي مرة أخرى بوجهها إلى ذلك الرجل الجالس هناك أنه جمال
صاحت بصوت مبحوح : أهذا انت يا عمي !
ابتسم لها ابتسامة عريضة ومد يده لها لتدفعها المربية نحوه ليمسك بها ويضعها فوق الأريكة
ثم قال لها : أليس هنالك صباح الخير جميل لي
فأطأت رأسها خجلا مع قولها صباح الخير يا عم
ثم اجابها : كيف حالك يا صغيرتي ؟
قالت : بخير وانت ؟
قال : انا سعيد لأنك بخير ولهذا سأكون بخير !
ثم وجهت سؤالها إليه لتقول : مالذي جاء بك الى هنا يا عم ؟
قال : انا هنا لآخذك معي
أنجل بصدمة : كيف هذا ؟
جمال: انا اتيت لآخذك لتسكني معي في منزلي يعني انا وانت والقطة
أنجل بحيرة : ولكن لن يسمح لي بالذهاب معك ! كما أنني يجب أن آخذ الأذن من المديرة .ولكن القطة هل هي حقا معك ؟
جمال : أنها بالمنزل ولكن ليس بالمنزل الفعلي انظري إلى هنا . وفتح جيبه لتخرج منه القطة نحو أحضان أنجل لتبتسم أنجل ابتسامة الكون كله فرحة بها . قبلت جمال على خده . وشكرته. ثم قالت له : لماذا اخذتها ولم ترميها بعيدا؟ فاجابها بهدوء: يجب علي ان اعتني بك وبها لانني ساصبح عجوزا وسيأتي دوركما في الاعتناء بي !
لهذا اعتبري أنني انا الآن اخدمك خدمة وبالمقابل يوم احتاجك سوف تكونين بحانبي يوم عجزي وضعفي
احتارت أنجل فهي طفلة صغيرة ولا تدري ما هو الشيء المناسب لها
فقاطع حيرتها المديرة بقولها : لم تكوني تحلمين بعائلة تضمك بين أحضانها وسند تتكأين عليه وقت الشدة . إن العائلة ليست اي شيء يمكن الحصول عليه كل يوم . وبما أنك ستعيشين معه . فسوف يعتني بك . وسيصفف لك شعرك . ويعلمك القراءة والكتابة . والكثير من الأشياء .كما ستكون لك غرفة لوحدك . وجميع كل تلك الألعاب التي قد حلمت بها . ولم تستطيعي أن تمتليكها فكري في الأمر.
نظرت ناحية جمال .ثم المديرة ثم المربية . ثم أرجاء الغرفة
وقالت: الن أعيش بعد اليوم هنا ؟
فقالت لها : لاداعي لذلك .سياخذك جمال لمنزله وسيعتني بك ونحن لن ندوم لك ياصغيرتي. فأنا ساكبر و سأضطر أن أغادر الميتم انا والمربية. وانت ستكبرين وستضطرين للخروج من الميتم ورؤية حياتك . ولا أعلم أن كنت ستكونين بأمان ام لا
ولهذا أن تعيشي مع هذا الرجل وان يتولى كفالتك احسن من ضياعك بين هذه الجدران
) كيف لطفلة صغيرة ان يكون لها الخيار في شيء يجب أن تفعله ضمانا لمستقبلها . صحيح لا شيء سوى القبول وعد م معاندة رأي المديرة )
وعليه قبلت أنجل بقرار المديرة . ففرح جمال بها وتمت التوقيع على جميع الأوراق بعد استغرق تحضيرها ساعة .في ذلك الوقت جمعت أنجل كل أغراضها. وودعت جميع أطفال الميتم . وعندما وصلت إلى نهاية الباب . إنحنت المديرة وقبلتها على رأسها وهي تكافح دموعها التي تأبى إلا والنزول معلنة نهاية قصة جديدة وقالت : أنجل كوني فتاة مطيعة ولا تتعبي السيد جمال . كوني كماعهدتك فتاة قوية . لا تستسلم أبدا. لما يجابهها من صعاب . كوني قوية عديني بذلك هيا
مسحت أنجل دموعها التي نزلت بخفة على وجنتيها وقالت : حسنا .أعدك!
ثم مدت المديرة يدها نحو جيبها واخرجت قلادة صغيرة .( اجل انها هي لو تتذكرون انها القلادة التي استلتها انجل مم رقبة امها قبل ان تضعها قبالة الميتم )
ووضعتها حول رقبة أنجل
لمستها أنجل باناملها الصغيرة وقالت: أهي لي!
قالت المديرة :نعم!. لكنها ليست مني . بل من والدتك ؟
نظرت أنجل لها بدهشة . لتكمل المديرة كلامها : أجل أنها من والدتك .فلقد وجدتها معك عندما وجدتك أمام الباب . احتفظي بها .فلعل وعسى أن تلتقي بوالديك الحقيقين يوما ما ، ومن يدري ؟
أرادت أنجل ان تتوقف عن البكاء لكن دموعها لا تأبى إلا الخروج والاعلان عن صيحاتها الحزينة
والمديرة تربت على ظهرها بحنان حتى تتوقف وماهي إلا لحظات حتى استقامت ثم قبلت المديرة على خدها مودعة اياها
وفي طريقها للخروج ممسكة بيد جمال
اوقفها ذلك الصوت :
لا تذهبي !
انتظري!
هل نسيت أن تودعي عدوتك الأولى؟
التفت أنجل. لترى المربية حزينة الملامح لفراقها. فتركت يد جمال منطلقة نحو احضان تلك المربية القاسية تلك من كنتم تظنون انها متلبدة المشاعر.
اعتصرت المربية أنجل بين أحضانها وهي تقبل رأسها بحنان ولأول مرة .
ثم وضعتها على الأرض وأخرجت لها قطعة من الصوف حمراء اللون . مطرزة بأشكال تشبه الدمى .
ووضعتها على رأس أنجل وهي تقول :هذه هدية صغيرة مني حتى لا تنسيني يا صغيرتي !
ابتسمت أنجل وفرحت بهذه الهدية . ثم بادرتها واعطتها خاتم فضي اللون كانت قد وجدته بين الأتربة في الحديقة
فامسكت به ووضعته باصبعها. شاكرة اياها لكل شيء ولوجود طفلة مشاكسة مثلها في هذا الميتم . ثم انتهى كل شيء حين أوصد ذا لك الباب
وانطلقت أنجل مع جمال في قصة جديدة ومثيرة
إلى اللقاء للجزء السابع
أنت تقرأ
تفاحة آدم
Fiction générale-بداية هذه الرواية مختلفة كثيرا عما ألفته أجيال القرن الواحد والعشرين لأنها بطبيعتها الخاصة قد انتقلت بحديثها أولا إلى معاني الحب والصدق والإخلاص بين المتحابين في زمن أصبح فيه كل ذاك فيلما إباحيا اختفت فيه تقاسيم الشهامة والمروءة والحشمة مرورا بالم...