خرج أمير من مكتبه متوجها الى غرفة جلنار, لم يراها منذ وقت,شعوره بالخوف سيطر عليه, طرق الباب طرقات صغيرة, ولم يسمع أي صوت,دخل بهدوء نظر إليها وطمأن عليها لكنه فوجئ بابنه وصغيره النائم بأحضانها فرحا, ابتسم على منظرهما البريء , إنهما طفلان صغيران نائمان بهدوء, قبلهما وخرج من الغرفة بهدوء...
يقف أمير خلف النافذة متأملا, جسده هنا وفكره ليس هنا, يفكر بردة فعل جلنار عندما يخبرها عن طفله وصغيره اليتيم بلا أم, ماذا ستفعل؟, هل ستثور؟, هل ستغضب؟,هل ستصرخ؟, هل ستترك القصر؟,هل ستفعل شيئا لم يخطر لي؟, يحاول تخيل ورسم صورة لها حين يخبرها بالحقيقة وكل الصور بذهنه مختلطة ومخيفة ومقلقة,لا ينكر انه قلق من ردة فعلها, لأنه بالنسبة له ملك بيديه كنزا حلم به الليالي والأيام,وصعب جدا أن يفقده بلمح البصر بعد أن أصبح بين يديه ....
استيقظت جلنار على الصوت الصغير وهو يلهوا ويلعب لوحده ويتفوه بكلمات ليست مفهومة, ابتسمت لمنظره البريء ولضحكته الجميلة,قبلته بحنان, أخذ ينظر إليها بعينين مفتوحة ومازال السؤال يلح عليه ويقول من هذه؟,نسى السؤال ونسى كل شيء حين غرق في بحور أحضانها, نهضت به من على السرير برقه وهدوء, سمعت طرقات على الباب وكانت الخادمة تبحث عن الصغير,لأنه هرب من غرفته المخصصة له, الخادمة: سيدتي بحثت عنه كثيرا وخفت انه ضاع أو اختطف, بحثت عنه بكل أرجاء القصر ولم أجده, الحمد لله انه بخير, حان الآن موعد طعامه علي أن أخذه حتى أطعمه, رفضت جلنار وقالت: هلا آتيتي لي بطعامه حتى أطعمه بنفسي؟,الخادمة تفاجئت وقالت: حسنا سيدتي,وبعد دقائق احضر له الطعام المكون من الحليب الدافئ, اخذ يتناول طعامه بجوع شديد كأنه لم يأكل أبدا, الخادمة بتعجب: غريب يا سيدتي انه يرفض طعامه دائما ويبكي طوال الوقت وحين يجوع كثيرا يأكل فقد اقلق سيدي وأخذه الى الطبيب مرارا لكن بقي كما هو,تبسمت جلنار: انه على ما اعتقد كان بحاجه الى الحنان, الخادمة : نعم يا سيدتي الأطفال دائما بحاجه الى الحنان, طلبت جلنار من الخادمة الذهاب لتستريح, وبقيت هي والطفل تتأمله بحب امومي وبمشاعر لم تشعر بها مسبقا ولم تعتقد بأنها موجودة بداخلها أظن أنها كانت خامدة وهذا الطفل من جعلها تثور..........
بعد مدة قضتها مع صغيرها, استبدلت ثيابها وخرجت مع طفلها الصغير تبحث عن أمير,وجدته في مكتبه يقرأ بعض الأوراق, وضع القلم على الأوراق ونهض مرحبا بهما مبتسما, تنظر جلنار الى مكتبه الفخم والأنيق بإعجاب بذوقه الراقي, أمير تبسم: هل نمتي جيدا؟, جلنار تبسمت: نعم أنا والصغير, أمير بتساؤل: إذن هذا هو سر ابتسامته, ضحكة جلنار وقالت: نعم, انظر ما أجمله ملامحه تشبهك كثيرا, أمير بغرور: جميل لأنه طفلي وصغيري وأنا والده, جلنار: هل هو طفلك؟, صمت أمير لدقائق وأجاب عليها,
أمير: نعم,جلنار بتساؤل: لماذا لم تخبرني به؟, وهل والدي علم به؟, أمير بهدوء: نعم كان يعلم, ولم أخبرك أردتك أن ترتاحي قليلا وبعها سأخبرك, جلنار: أين والدته؟ , هل هي على قيد الحياة,أمير بأسف: لا, لقد توفت اثر تعرضنا لحادث لم نصب بأذى لكن كانت زوجتي بشهورها الاخيره على وشك الولادة بأي وقت, وتعرضت الى نزيف حاد ونقلت الى المشفى, وتم توليدها لكن عاش طفلي وهي توفت بسبب النزيف وفقدها كثير من الدماء وصحتها قبل أن تحمل كانت سيئة جدا , وبقيت بعد وفاتها أهتم بطفلي صغير حاولا أن أشعره بالحنان على قدر استطاعتي, حل الصمت عليها لدقائق وقطع الصمت الطفل الصغير بضحكته حين قام بمسك علبه الأقلام المميزة بيديه صغيرتين, جلنار بابتسامة: انه طفل شقي جدا أمير موافقا: أوافقك الرأي فأكمل هل إن قلت لك قبل أن نتزوج بأن لدي طفل هل كنتِ سترفضين الزواج, حل الصمت مجددا وبدأ القلق ينمو بداخل أمير من جوابها وردة فعلها,نطقت جلنار: حتى لو أخبرتني سأوافق على الزواج أتعلم لماذا؟,أمير بتساؤل: لماذا؟,جلنار: لأنه طفل صغير لا ذنب له ولأنه أيضا يحتاج الى حنان الأم, ويبهجني أن أكون والدته فقد أحببت هذا طفل منذ رأيته يبكي, أتعلم أنني لو رفضت من أجله سأجعل حياته تعيسة والسبب أنا, انه مخلوق صغير لا يفقه بالحياة شيئا, همه الوحيد أن يجد حضنا يحتضنه وطعاما يسكت جوعه, فقد خطف قلبي منذ رؤيته, أمير باعتراض: ماذا لا هذه أيضا خيانة عظمى, تعترفين بحبك له أمامي, وبكل جرئه, جلنار : إنني اعشقه أيضا ومغرمه به وأحبه ماذا ستفعل؟, أمير: لا شيء سوى أن اشعر بالغيرة منه, جلنار بتساؤل: هل تغار من طفلك؟, أمير: نعم وحتى من الهواء, صمتت جلنار ولم تتفوه بكلمة نظرت إليه محاولة أن تنطق لكن أربكتها تلك النظرة التي لم تستطع تفسيرها مطلقا وأيقظهما من تأملهما صوت انكسار فقد انكسر إناء الورد الزجاجي الموضوع أمام جلنار..
صرخ طفل وبكى خوفا احتضنت جلنار وهمست له بكلمات رقيقه وقالت: لا تبكي يا صغيري لم يحدث شيء, ضحك أمير: أخاف أن يصبح طفلي حين يكبر مدلل من كثر احتضانك له , نظرت جلنار إليه باستنكار: انه في هذا السن بحاجه كثيرا الى حنان
تمتم أمير بداخله وأنا أيضا بحاجه إليك جلسا يتحدثان عن مواضيع مختلفة..
نرى هنا امرأة حنونة بقلبها حنان كبير, ومشاعر استيقظت مؤخرا, عواطف امتلأت بصدرها شعرت بهذا الطفل أغدقت عليه بحنانها وعطفها ومحبتها, فالحنان جزء لا يتجزأ من كل أم وامرأة, هي التي تقدم حنانها بلا مقابل هي ملجأ الطفل حين يبكي ينام قريبا من قلبها لان قلبها هو مركز الشعور الذي يولد الحنان, بكل امرأة بداخلها شعور بالأمومة , عاطفة الأمومة, منها من تجد أنها موجودة بداخلها لكن خامدة لا تشعر بها , على الرغم من قسوة المرأة الى درجة تجبرها وتحجر إحساسها, اعلم أن خلف كل هذا يوجد قلب ليس حجر بل كتله من المشاعر الرائعة لكن كثيرا ما تخاف المرأة من بوح عن مشاعرها خوفا من أن يفهمها الرجل بشكل خاطئ ,وهكذا تعتقد أنها تحطم شخصيتها المصطنعة المكونة من القسوة...
لا تتعجب من هذه المرأة
بشخصياتها الداخلية دائما يوجد العجائب..
ابقوا معي
لنتعرف مزيدا من شخصياتها العجيبة........
...........................
تتأمل جلنار الشلال العذب وبأحضانها يلهو الصغير مستمتعا بوضع كفيه صغيرين بالماء, بذهن جلنار هناك فوضى تعم بأفكارها, تفكر بأمير بزوجها حبيبها, وقف الزمن لبرهة حين نطقت بها لم تفكر بهذه الكلمة ولا حتى بالحب أتراه صعب المنال, ليس لها, خلق لأشخاص آخرين, أتراه فقط كتب بقصص الخيالية, أتراه سرابا لا صله له بالواقع,همست: الحب إحساس عذب ,مشاعر جميلة ينبض بها القلب لكن هل سينبض به قلبي يوما, لكن شعوري بالخوف من الحب يجعلني حائرة ..تائهة, أخاف أن أبوح بمشاعري
بأحاسيسي, أخاف أن اجعله فارس أحلامي ويسقط ذاك الفارس عن حصانه, أخاف من تعبير بما يدور بقلبي,صرخ من أعماقها صوت مؤنب, من ماذا خائفة يا جلنار؟!, من الحب؟!, من هذا الإحساس الرقيق, من حبك لزوجك!, زوجك الذي ستقضين معه حياتك بأكملها, لا تقتلي الحب يا جلنار منذ بدايته, لا تفكري به بل اشعري فيه بقلبك, تذكري أحلامك الوردية ذاك فارس أحلامك الذي تمنيته انه بجانبك أصبح بقربك زوجك وعاشقك وحبيبك,لا تقتلي الحب وتكوني ظالمة لقلبك, لا تقتليه اجعليه حيا, لا تخافي من البوح به اشعري به ستجديه أمامك, ألم تسألي عن أفكارك تلك التي تدور حول أمير عن عنايته بك وخوفه عليك, واطمئنانه الدائم عليك لن أبوح أكثر من الذي بحت به ولن اكرر ما قلت سوى لا تقتلي الحب ولا تظلمي قلبك..
وصمت ذاك الصوت الذي كان نابعا من داخلها جعلها تستيقظ من سباتها ترى أشياء لم تكن تراها ولم تنتبه لها, كانت على غفلة عنها ,أيقظها من أفكارها ضحكة الصغير المرحة,محاولا مسك الماء بيديه , ابتسمت على أسلوبه طفولي باللعب, نهضت لتستبدل له ملابسه لتجلس مع نفسها جلسه هادئة تفكر بكل شيء يدور من حولها لتحاول فهم قلبها والبحث عن إحساسها ونبضها...........
تجلس جلنار على السرير متكورة محتضنه نفسها, تفكر بنفسها,بحياتها, بقلبها, تبحث عن مشاعرها,عن نبض قلبها, كل أفكارها أصبحت مركزة على أمير, كلما أرادت إبعاد تلك الأفكار ونظرت الى طفل الصغير الذي بملامحه البريئة يذكرها به مجددا, همست: لم أتخيل يوما بأنني سأفكر بالحب, هل لأنني كنت أخشاه, أخشى تسليم قلبي له, هل وضعت بذهني بأنه ليس لي بل لآخرين, لكن أنا أنثى لدي قلب ومشاعر هل اجعل قلبي مليء بقطرات الحب, أم اتركه جاف وفارغ, الحب اكبر من أن يوصف , اكبر من أن يعبر عنه, اكبر من أن أحاول نطق به, اكبر من كل شيء, يا الهي أنقذني من أفكاري, أكاد لا اعرف شيئا, , أحاول تفسير تلك النظرة الغامضة بعيني أمير, أحاول فهم مبررات قلبي, ولا استطيع أن أقرر أي شيء, الأجدر بي أن استبدل ملابسي واخرج من غرفتي وأفكاري الملتصقة بي, التي تكاد تقتلني من كثرة إلحاحها تريد إجابات لا توجد لدي, ربما محتفظ لي بها قدري الى حين وقت الاعتراف أو وقت الكتمان الأبدي..
أنت تقرأ
امرأة بشخصيات متعددة ...هـــبــه وليد.( أحلى وردة جورية)
Adventureإنها امرأة بشخصيات متعددة, امرأة لا يوقفها شيء,امرأة غريبة الأطوار, بكل لحظة تجدها أخرى تتبدل مع المواقف بشكل عجيب, لكن تفعل كل ما تريد بعد تفكير طويل,بها عناد وتمرد غريب, المعروف عنها امرأة ليست كأي امرأة عرفتها.. ولن تجد مثلها أبدا..مهما بحثت عنها...