.
.
.
يَنْقَضِي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ وَيَأْسِ والمُنَى بَيْنَ لَوْعةٍ وَتَأَسِّ
هذه سُنَّة الحياة ، ونفسي لا تَوَدُّ الرَّحيقَ فِي كَأْسِ رِجْسِ
مُلِىء الدهر بالخداعِ، فكم قد ضلَّلَ الناسَ من إمام وقَسِّ
كلَّما أَسْأَلُ الحياةِ عَنِ الحقِّ تكُفُّ الحياة عن كل هَمْسِ
لمْ أجِدْ في الحياةِ لحناً بديعاً يَسْتَبِيني سِوى سَكِينَةِ نَفْسي
فَسَئِمْتُ الحياةَ ، إلا غِرَاراً تتلاشى بِهِ أَناشِيدُ يَأْسِي
ناولتني الحياةُ كأساً دِهاقاً بالأماني، فما تناولْتُ كأسِي
وسقتْني من التعاسَة أكواباً تجرعْتُها، فيأشدّ تُعْسي
إنّ في روضةِ الحياةِ لأشواكاً بها مُزِّقتْ زَنابِقُ نفسي
ضَاعَ أمسي! وأينَ مِنِّي أَمْسِي؟ وقضى الدهرُ أن أعيش بيأسي
وقضى الحبُّ في سكون مريعٍ سَاعَةَ الموتِ بين سُخْط وَبُؤْسِ
لم تُخَلِّفْ ليَ الحياة من الأمس سِوَى لَوْعَةٍ، تَهُبُّ وَتُرسي
تتهادى ما بين غصّات قلبي بِسُكونٍ وبين أوجاعِ نَفْسي
كخيال من عالم الموْت، ينْساب بِصَمْتٍ ما بينَ رَمْسٍ وَرَمْسِ
تلك أوجاعُ مهجةٍ، عذَّبتْها في جحيم الحياة أطيافُ نحسِأبو القاسم الشابي.
.
.
.
بكت بألم المخاض.. وهي تنسحب التفت لترى وجهوهم المخيفة.. ودمع يكسب على وجنتيها تقدمت بخطوات لتستلقي على فراش ذو رائحة نتنة مجبرة وليست مخيره.. رائحة المكان تثير لها الغثيان...
وبداخلها وهي تضع اناملها فوق بطنها: (وانا وش سويت بحياتي.. عشان ابتلي كذا.. يارب ساعدني واخرجني مخرج صدق.. يارب تحفظه لي يارب.. يا امك ارتاح وراك مستعجل على الحياة اجلس هنا يمه) تعض على شفتيها من الألم لتأخذ نفساُ ثلاثاً.. ابعدت عينيها عن منظرهم المرعب، واغمضت عينها بوجع لترجع لذكرى قريبة المدى..
الفرحة تعانقها وهي تنظر للصورة المبدئية للجنين..
الدكتورة: ما شاء الله تبارك الله توأم ولدين مثل القمر
وهم ابتسمت وبصدمة: توأم..
لتهز رأسها: ايه حبيبتي.. ما ابيك تعبين نفسك وصحتك ابيها اقوى من كذا يا وهم..
وهم: إن شاء الله.. دكتورة أخاف اولد بدري..
الدكتورة: ما تخافين حتى لو ولدتي مكانهم بالحضانة عشان يكملوا نموهم.. مثل ما اتفقنا مابي انخفاض بالسكر..
فتحت عينيها والكوابيس تطاردها حتى اصبحت على شفرة من الهاوية.. لكن الواقع حتم مصيرها بمكان اشبه بالسجون.. نظرت للسقف المهترئ انهارت وهم ببكاء عميق.. لتأتي وحده من تلك النسوة وتبتسم
تقف على رأسها وبهدوء: شكلك بتولدين هنا..
وهم تحرك رأسها برفض: لا.. جمال بـ يطلعني من هنا.. مستحيل اولد هنا..
لتضحك تلك بصوت عالٍ
وتردف بإقناع وتمسد خديها: صدقيني زين إذا ما تشوه ولدك..
وهم بخوف تشد طرحتها برجفة: ابعدي عني ولا تلمسيني..
سحبت طرحة لترميها على الارضية القذرة: امسحي دموعك وبعدين انسي سالفة زوجك يجي لك هنا...
شعرت قلبها سـ يقف من نبرة صوتها لتصمت وتغمض عينيها بشدة
تحاول تأخذ نفساً عميقاً العرق الذي يتصبب على جبينها...
وبداخلها (يارب ساعدني يارب..)
.
.
.
بمكتب ماجد..
اتصل على هاتف بدر..
بدر: بشر ها عسى جمال جاي..
زفر ماجد: جمال نايم ولا يصحى الا اليوم الثاني... دق على عمي الا صحيح وين تبعية جمال؟!
بدر: بعد الحادث ما اعطونا محفظته.. دقيقة شوف لي عبد المحسن اظن شرطة هي الي خبرته..
ماجد: صار.. وانت حاول فيهم..
بدر: الكلاب اخذوها صرخت فيهم لكن يا جبل ما يهزك ريح.. انت كلم عبد المحسن ورد لي خبر...
ماجد سحب خطواته: خير إن شاء الله..
اغلق منه حتى يتصل على عبد المحسن... بضع الثواني ليرد عبد المحسن
ماجد: سلام عليكم..
زفر بتعب: هلا دكتور ماجد..
ماجد: وينك فيه عبد المحسن؟
نظر لأخته المستلقية على سرير ابيض وشاش ابيض يحيط رأسها نائمة والمكان يلفه هدوء قاتل.. ابتعد حتى لا يوقظها خرج واغلق الباب من خلفه..
ليردف: بالمستشفى.. عسى ما شر؟
ماجد مسد شعره: بدر اخذ بنت عمك لـ الشميسي
لتتسع عينيه بصدمة: الشميسي ما غيرها.. انهبل بدر..
ماجد: المشكلة حجروها... ولا يطلعونها الا مع جمال... ابي اعرف تبعية اخوك معك شفتها..
عبد المحسن بتوتر: لا والله ما شفتها.. طيب والحل جمال صاحي..
ماجد: لا اخوك هالك نفسه في تفكير.. اسمعني ما احد دق عليك بوقت الحادث..
عبد المحسن: الا ضابط واسمه منصور.. اسمع بدور رقمه وادق عليه..
ماجد: زين عجل...
ليهز رأسه: إن شاء الله..
.
.
.
كانت تقف مُتصنمة هي الأخرى، والخوف يدب بقلبها امسكت بكفي اخيها وبنبرة مختنقة: بدر سوي أي شيء.. وهم تعبانة حيل..
نظر لأخته بألم: ارتاحي هنا وأنا بشوفهم..
ملاك بخوف لتصرخ بـ هستيريا: ما تخليني لوحدي..
بخطوات مسرعة وصل لهم ليمسك يدها.. تصرخ برعب وحقيبتها صغيرة تسقط من يدها...
عبد المحسن: بسم الله عليك اهدئي ملاك انا أخوك عبد المحسن..
لتبكي بخوف والألم متشبث بها..
قبض يدها: اذكري الله..
ملاك بنشيج: عبد المحسن بـ يعذبونها مثل ما عذبوني.. خذها من عندهم لا تخلونها..
عبد المحسن نظر لأخيه ويردف: عطني شنطتها.. دور البخاخ سريع يا بدر..
ابتعد ماجد... وقلبه يخفق بشدة... حتى لا يتسبب لهم بأي حرج.. شد خطواته للإدارة من ثم طرق الباب
ليجيب: ادخل...
ولج بهدوء ماجد وسحب خطواته حتى صافحه..
ماجد: سلام عليكم..
اردف: وعليكم السلام ارتاح..
ماجد نظر لملامحه من ثم اردف بهدوء: انا جاي بخصوص وهم وهذا تبعية زوجها انا دكتور ومشرف على صحته هو مريض حالياً ولا يقدر يوصل هنا..
المدير قلب بطاقته بين يديه ثم رفع نظره: للأسف ما تقدر تطلع من هنا إلا بولي أمرها..
ماجد بغضب: قلت لك زوجها مريض وهذا بطاقتي
سحب البطاقة ونظر لها بتدقيق: ما اقدر الأنظمة كذا ما تخرج المرأة إلا مع زوجها ولا تولد إلا بوجوده...
ضرب المكتب ليكور يديه وبطولة بال: طيب والحل معك زوجها جمال مريض ويعاني من فقدان الذاكرة.. افهمني يخي..
جلس على كرسيه وببرود: لا استجد شيء يقدر يرجع زوجها ويأخذها معه غير كذا ما اقدر افيدك بـ شيء..
ركل المكتبة وبغضب كبير ليزمجر: اسمعني اقسم بالله ان ما قلبت هالمستشفى فوق تحت ما اكون دكتور ماجد ومن الحين اعتبرها مغلقة سلام...
خرج ماجد وجر خطواته نحوهم..
امسكه عبد المحسن: وين كنت فيه؟
ماجد بغضب: ولا هز شعره فيه.. لكن بجي له الي يبيه.. بدر وين خذوها بالضبط؟!
بدر وهو يشير على الممر الضيق..
ماجد: اسمعني بدر وصل أختك و ارجع بدون ما احد يحس عليك، وابوك لا يوصله خبر سامعني يا بدر..
زفر بدر بتعب: إن شاء الله.. يالله ملاك..
ملاك رفعت عينها لأخيها: وين بتروح؟
بدر: وين بعد بـ ترجعين للبيت..
ملاك بغضب: لا والله ما ارجع بـ امسك نفسي وما اوجعكم بس ما اروح وهم هنا...
عبد المحسن: اسمعيني حبيبتي ما يصير تجلسين هنا للحين رجولك ماهي حمل الوقفة كثير.. وانا بطمنك اول بـ اول ببنت عمك..
ملاك بعناد: ماني رايحه مكان بجلس هنا.. والله ما اخرج..
بدر: خلها يا عبد المحسن..
ماجد ابتعد عن مناوشتهم حتى يسير بين الممرات الضيقة..
.
.
.
هي سكاكين حادة تنغرس بجسدها وبكاء عميق ودموع حارقة..
لتصرخ بوجع: يمه... يارب
فرقعة الباب وصوت الضجة اصطكاك المفاتيح مع بعضها البعض.. جسدها الضخم الذي رمت به حتى تجلس بجوارها، وهي بـ أسوء حالاتها
لتصرخ بوجع: بولد.. خرجوني من هنا.. آآآآآآآآآآآه
لتهمس بألم خافت وجداً: تكفين الله يخليك خرجيني من هنا.. بولد والله العظيم بولد..
لترفع حاجبها: زين بـ وديك لكن تولدين هنا..
ابتمست بألم: أي بس خرجيني..
بعد ثواني حتى نقلوها لغرفة أقل ما يقال قذرة جلست بالمكان المخصص..
دكتورة: ادفعي يا بنت..
وهم بوجع: ماني قادرة.. عطوني أي شيء يبعد هالوجع..
دكتورة بكره وهي تشير للممرضات: ما في غير نشق بطنها.. هاتي الإبرة
لتصرخ بجنون وهي ترى صور ضبابية من دموعها التي لا تتوقف: مابي عملية.. آآآآآآآآآآآه..
رفعت رأسها لتمسكها احدى النسوة ضخمة البنُية لتصرخ: فكوني يا مجرمين.. يمــــــــه
لترى الإبرة تضرب بجسدها عينيها قد تثاقلت لتهمس بخفوت: عيالي..
تمت العملية بنجاح لكن ما كان بالحُسبان انتقلت جرثومة بسبب الأدوات ونزيف قد زاد بشكل كبير حاولوا بوضع المحاليل لكن لم يفيد...
.
.
.
يوم جديد
صباح اليوم التالي..
استيقظ من نومه العميق نظر للمكان بعض طرقات حتى ولج ماجد مبتسماً..
أردف: صباح الخير..
جمال: وين أنا..
ماجد: ما زلت بالمستشفى.. أخبارك اليوم..
أغمض عينيه وببرود: وينها؟
بعقدة حاجبيه: مين تقصد؟
جمال: زوجتي..
زفر ماجد: أسمعني جمال زين.. زوجتك البارحة راحت للمستشفى وَ ولدت
جمال بغضب: مهوب ولدي..
اتسعت عينيه بصدمة: جمال استغفر ربك.. وش الي مهيب ولدك انت ترمي على زوجتك وهذا ما يجوز يا اخوك
جمال ببرود أردف: وينها؟ أبي اشوفها..
أبتسم ماجد: أي هذا جمال الي أعرفه.. نتطمن على صحتك بالأول ثم تروح لزوجتك..
جمال: أنا بخير ماجد وين مفتايح سيارتي..
لينظر لـ عيني ماجد وبهمس: أنا لي سيارة!!
ماجد بُحزن: أي لك.. لكن الحادث خرب دنيا أنا الي بوصلك بنفسي..
رفع جسده عن سرير، وأزاح المفرش.. امسكه قبل إن ينزع المصل من يده
ماجد: الله يهديك أنا الي ببعدها عنك ارتاح..
نظر جمال لعينيه من ثم أبتسم: أنا صرت أبو.. بس هو مهوب ولدي..
ماجد: جمال أقول لك ولدك وإذا تبي تتأكد سوي لك تحليل dna عشان تريح رأسك..
وقف على رؤوس قدميه ليدخل دورة المياه وغسل وجهه أمسك المنشفة البيضاء ومسح المياه المنثورة.. رفع رأسه و نظر لملامحه يجهل ذاته..
خرج ليجد أخيه عبد المحسن.. ابتعد عنه ليفرش سجادة ويصلي..
عبد المحسن التفت عليه: ماجد خبرته بالي صار..
ماجد: ايه.. الا عمي عرف؟!
عبد المحسن: ايه بدر زل لسانه.. وهذا هو من أمس واقف عندهم مهوب راضي يرجع وحتى الوالدة تعاتبني..
انتهى من صلاته.. لـ يلتفت لهم..
أبتسم عبد المحسن وهو ينظر لأخيه: تقبل الله..
جمال: منا ومنكم.. ابوي وأمي ليه ما زاروني اليوم؟!
عبد المحسن أبتسم: راحوا لزوجتك انت وشلونك عساك طيب..
جمال: حمد لله بخير.. وين راح ماجد؟
ليردف: هذاني موجود ما تبي تفطر..
جمال: مابي شيء.. انت خذني لزوجتي..
عبد المحسن: أبشر..
ماجد: بلغني وش الي يصير..
هز رأسه قبولاُ..
.
.
.
بعد نصف ساعة
كان يقف سيارته ليتلفت له جمال وبغضب: هي ولدت هنا!
عبد المحسن: ايه كانت أقرب مستشفى لها..
ترجل ليدخل ويسير بخطوات غاضبة لا يعلم لما؟ ربما منظر المستشفى وهيئتها القديمة وقف عند الاستقبال..
وبنبرة قلقة: زوجتي البارحة ولدت عندكم.. اسمها وهم............
التفت خلفه ليجد أخيه عبد المحسن: وهم صقر الخالدي..
ارتكب: هي بغرفة ......
اتسعت عينيه بصدمة: وش قلت؟ وش غرفته! طلعوها الحين..
أردف بخوف: إن شاء الله تقدر تتفضل معي..
صرخ جمال: وش هالمهزلة حرمة حامل تولدونها هنا قلة المستشفيات..
أغمض عينه بشدة ودوار الأرض من حوله امسكه عبد المحسن
ليهمس بهدوء: جمال انت بخير؟
ببرود: بخير خذني لها والحين تطلعونها..
ليسير خلف الرجل ويجد والداته وأبيه يقفان برعب..
جمال بتعب: يمه..
أم جمال: يا حسرتي عليك يا وهم ضاعت منا يا ولدي..
جمال: وش صاير يمه ليه تبكين؟ وهم صار لها شيء؟!
أم جمال: الله يعوضك يا ولدي.. زوجتك ذبحوها حسبي الله ونعم الوكيل فيهم..
بو جمال بضيق: بسك يا مره هالحين يخرجونها.. ما دريت ان عندي عيال الرخوم متهجمين لبنت عمك ولا تفزعون..
عبد المحسن محاول تهدئة ابيه: يا يبه اقول لك خذوها ولا بيدينا شيء..
بو جمال بصوت غاضب: الله يسود وجهيكم من رجاجيل اذلف انت واخوك..
اقترب منه بدر مقبلاً رأسه..
لـ يدفعه بو جمال وبحده: لا تقرب اسروا عن وجهي..
بدر الذي انحنى وهو يشد شماغه الملقى على الأرض ليضعه بيده..
خرجت بسرير الناقل وهي تبكي بنشيج..
ليسير عمها وأمسك يدها وبحنان: وهم يا عمك انتي بخير..
وهم هي تنظر لـ عيني عمها ودمع يلمع بمقلتيه: عمي عيالي لا يحرموني منهم.. آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه
جمال سار مع سريرها المُتحرك وقلبه يخفق بشدة: وهم..
وهم بعتاب: ليه تأخرت.. ليه يا جمال؟
جمال نظر للبقعة الكبيرة والمفرش الممتلئ بدمائها امسك يدها ويعانقها لتفترق يده عن يدها..
ليصرخ بحمَم نارية: لحــــــــظة! وين مأخذينها؟
توقف سرير ليزمجر: سيبوها يا الملاعين..
أم جمال بكت.. وملاك قد سقطت بفاجعة كبيرة لتبكي..
جمال: وخروا عنها قلت لكم وخرا عساكم الموت..
تقدم بخطوات وهو يدفع الممرضات بعنف أمسك سريرها ويدفعها..
وهم بصوت خافت من الألم شديد: جمال عيالي لا تخرجني إلا معهم..
جمال: طيب عبد المحسن يتكفل بهم..
دفع سريرها لتصرخ بوجع: قلت لا تخرجني إلا وهـُم معي..
زمجر على الممرضات وفي لحظة حمل عياله ورعشة تسري بجسده زادت خفقان قلبه بشكل سريع.. نظر لأمه بحُزن: يمه خذيهم..
تقدمت أم جمال وهي تكتم عبرتها: إن شاء الله يمه..
أخذت طفل واقترب عبد المحسن لـ يمسك طفله الآخر..
دفع سريرها مرة أخرى حتى وصل إلى سيارة أخيه.. وضعها بالمقاعد الخلفية واغلق الباب.. صرخت بوجع وهي ترى الدماء تعانق يديها فقدت الكثير..
امسكه بدر وبخوف: جمال تدل طريق..
جمال صرخ بغضب: ايه قفل الباب..
بدر جلس بجواره: حرك بس وانت ساكت..
ضغط على المكابح وكعادته بسرعته المتهورة وصل للمستشفى خرج لـ يلج للمستشفى حتى يصرخ بعمق: ساعــــــــــــــــــدوني..
حركة الأطباء ودخولها للطوارئ، وضعوا كمامة الأوكسجين بشفتيها حتى تتنفس المضخات الكبيرة ضجة الوسائد التي تصعق صدرها.. صوت مُزعج لـ اذنيه دمعت عيناه دون شعور عض باطن يده.. زفر صعداء عندما رأى الخطوط التي تشير بأنها على قيد الحياة..
زمجر طبيب: اغلقوا الباب وخرجوه..
جمال: ماني خارج هي زوجتي يمين بالله ما اخرج..
استغفر بغضب كبير: سكر الحمل مرتفع عندها! ليه ما عالجتها؟ وشلون يعطونها محاليل! انت ما ترد؟
جمال بحزن عميق: مدري.. والله مدري عن شيء..
أردف بغضب لـ يتلفت لجمال: بطنها مو راضي يلتئم.. أسمعني ضروي تجيب عسل الغابة تسمعني..
جمال بنظرات ضائعة: عسل الغابة من وين أجيبه؟!
الدكتور: ما هو شغلي دبر نفسك وليتك تستعجل..
جمال خرج بخطوات سريعة يسير دون هوادة ليجده ماجد يمسكه
وهو يردد حتى لا ينسى: عسل الغابة.. عسل الغابة..
ماجد عندما رأى هيئة جمال وثوبه الملطخ بدماء قلبه انقبض..
أردف لينظر لـ عيني جمال الضائعة التائهة: جمال وش فيك؟ وش الي عسل الغابة!
نظر لصاحبه وبهمس حزين: انت قلت انك عضيدي مهوب صحيح..
أبتسم ماجد: إلا صحيح بس وش له داعي هالحكي!!
جمال: دكتور يقول يبي عسل الغابة من وين أجيبه؟
ماجد امسكه ليجلسه بـ احدى الكراسي: جمال يا اخوي فهمني وش الي صاير معك انت ليه خايف..
جمال وهو يشير لثوبه الملطخ بدمائها: زوجتي ذبحوها شف هذا دمها.. انت قلي وين القى هالعسل؟
وقف بدر ليتوسط المكان بـ أنفاس لاهثة..
وبضيق: جمال وين رحت الله يهديك؟
ماجد: أسمع جمال أبيك ترتاح الحين.. الله يرفع قدرك لا يصير فيك شيء..
ليصرخ بوجه مغبون ويعتصر انامله: أقول لك شفت زوجتي بـ تموت قدام عيني وتقول لي ارتاح لو راحة بيديني كان ريحت نفسي من زمان..
رعشة يدينه اصفرار وجهه..
ماجد: جمال..
صرخ بغضب: لا تكلمني ما انتم حاسيين بمواجعي.. فكني اقول لك..
ماجد: طيب بجيب لك عسل الغابة رضاوة لك..
منظر دمائها وصاعقات التي تضرب بصدرها.. تخيل لوهلة بأنها فارقت الحياة ان يعيش بدونها هو الموت بذاته ألم يعانق ضلعه.. رجفة أصابعه وتصطكك أسنانه بداية حمُى يتعرض له.. سار بعيدا عنهم لـ يتزن بمشيته ويستند على الحائط..
امسكه بدر: جمال انت تعبان.. أسمعني يا اخوي أنا بجيب لك هالعسل تطمن بس توعدني انك ترتاح بمكانك وش قولك..
جمال: زين لا تبطي..
أبتسم بدر: إن شاء الله.. ومبروك يا أبو صالح عيالك مثل القمر.. بس صغار الله يرزقك برهم إن شاء الله.. حرارتك مرتفعة..
أبتسم جمال: الله يبارك فيك.. آمين..
ماجد: تعال يا جمال و أوعدك تجلس مع زوجتك بالوقت الي تبيه..
جمال ببرود: ليه لا جيت بروح لها عساني بـ أعطيك إذن.. ذي زوجتي تفهم يعني شنو زوجتي..
ماجد بعتاب: والله فاهم عليك وبعدين أنا ما أمنعك عنها.. قوم معي الحين..
جمال بإرهاق: ماني قادر أمشي أحس رجولي تنملت..
ماجد أبتسم بهدوء: أنا الي بسندك..
.
.
.
بالمساء
يتقلب في نومه منزعجاً من كوابيس تطارده حتى في منامه وجدها في مكان غريب تبكي وتصرخ حتى فقدت الحياة أمام عينيه ليقترب منها ويضرب وجنتيها: وهم أصحي وهم لا تروحين وهـــــــــــــــــــم..
ليستيقظ مفجوعا رفع جسده والعرق يتصبب من جبينه.. ازاح المفرش لينزع المصل حتى وقف يسير بتعب خرج من جناحه متوجه للطوارئ ليرى الباب مغلق.. دفع الباب
أمسكه أحدى الأطباء: اخوي وش تبي من هنا؟
جمال بخوف: زوجتي هنا فتحوا الباب..
الدكتور: طيب اهدأ من متى وهي هنا؟!
رفع حاجبه: انت وش تبي؟!
الدكتور متفاجئ من رده العنيف: ما أحد فيه هنا.. تقدر تسأل بالاستقبال..
ابتعد وشد خطواته حتى وصل للاستقبال..
همس بهدوء: زوجتي كانت بطوارئ لحظة ساعة كم عندك؟
أبتسم بهدوء: اخوي الحين ساعة 1 وربع آمر وش بغيت بالضبط؟!
جمال بتوتر والافكار تعصف برأسه: وهم اسمها وهم شف عندك..
أغمض عينه وهو يتذكر اسم عمه ليجيب: وهم صقر أكيد هنا
ليردف: دقيقة..
بضع ثواني
ويردف: هي بالعناية المُركزة حاليا.. وزيارة ممنوعة عنها الحين تقدر تشوفها بكره بوقت زيارة..
جمال: وش الي ممنوع أنا زوجها أسمع بكون مرافق لها وين مكانها بالضبط؟!
تنهد: بالعناية.. تعال معي..
تقدم بخطوات ليسير مع الرجل.. بضع دقائق – وقف مُتصنم ليدخل بخطوات متزنة يحاول تهدئة ضربات قلبه وبتماسك وجدها نائمة بملامح مهُلكة لـ عينيه.. بلع ريقه واقترب منها امسك طرحتها حتى يغطي شعرها وخصلة متمردة تسقط على وجنتيها.. ويشدها بهدوء ليلفها خلف اذنها اليمنى.. قبل جبينها الدافئ شبك اصابعه بـ اناملها الرقيقة.. انحنى بقرب من اذنيها: وهم حمد لله على سلامتك..
فتحت عينيها بتعب وترمشهم بين صحوة وغفوة..
ابتسم لها: مبروك التوأم..
دمعت عيناها بوجع: جمال عيالي بخير..
قبل يدها وبمحبة ورحمة تزور قلبه مغموس بحنان: بخير بالحضانة لا تخافين.. انتي وشلونك عساك ما تحسين بوجع..
وهم وهي تختنق بدموعها: شفت الموت يا جمال.. كرهت نفسي وكرهت قسوتي عليك اكيد هذا عقاب لي.. سامحني جمال..
قبل رأسها وبهدوء: اشششش لا تحكين كذا.. انا ما اذكر شيء مين الي تقولينه جعل عيونك ما تبكي ولا قلبك يتوجع..
وهم بنظرات موجعَة: جمال...
جمال ابتسم: يا عيونه.. آمري يا ام صقر
ضحكت بألم: صدق بتسميه صقر..
جمال قبل عينيها لـ يرى فيهم سعادة: ايه صقر وصالح..
وهم: جمال انت تتذكر اسم ابوي..
اردف بمحبة: ايه.. اسمعي بعد قومتك إن شاء الله بـ نرجع لبيتنا.. هو صحيح لنا بيت!
دمعت عيناه لتمسك كفيه: ايه لنا بيت وكبير بعد.. جمال لا تخليني في يوم طلبتك.. تراني والله ما اقوى على بعدك..
ضحك بخشونة وهو يعض خدها: ومين قال لك بخليك.. ابد بأخذك ونسافر.. تجديد لشهر العسل..
وهو يمسح دموعها: ما قلنا العيون الناعسة لا تبكي.. تدرين المرة الجايه جبي لي بنوتة تشبه ملامحك..
ضحكت وهم: مجنون انت.. توني ولدت وتبيني احمل مرة ثانية.. انسى سالفة حبيبي وشيلها من بالك اساساً..
قبض على يديها ويمثل الغضب: تعقبين.. بـ تجيبن لي 5 بنات بدللهم وبشبعهم حنان بعد..
اغمضت عينيها بتعب وبهمس: يصير خير...
هدوء تام من ثم امسك يديها وبخوف: وهم..
فتحت عينها: خلني انام..
لتستغرق بنوم عميق، وهو اخذ يقبل جبينها من ثم ابتعد بخطوات هادئة ويغلق الباب من خلفه.. يجر نفسه ويبحث عن مصلى حتى وجده اخيراً.. توضأ ليصلي ويرفع يديه باكياَ شاكراً لربه...
.
.
.
بالجهة الأخرى
هي كانت تستلقي على سرير نظرت لوالدتها...
ومحاولة ان تتفوه بكلمة وبصوت ضعيف.. وجهه ممتلئ بالكدمات والخدوش
ياسمين: يمه..
لتحضنها أم جمال برعب: يا امك وش فيك.. ما انتي ياسمين الي اعرفها لا والله مهيب انتي..
ياسمين احتاجتها رجفة.. أناملها وشفتيها ترتجف..
المشهد وكلمات زيد تعانقها بشدة..
كانت بـ احضان والداتها تبكي بوجع..
ياسمين تعيش اللاوعي: خليه يطلقني.. انا بروح له بنفسي.. انا ما استاهله يمه..
أم جمال بحده: يا بنتي وش طلاقه انهبلتي انتي..
ياسمين: يمه.. وخري عن طريقي..
ملاك خرجت من دورة المياه لترى نقاشهم الحاد...
لتردف: وش الي صاير يمه..
ياسمين وقفت وهي تشد طرحتها: وينه وين مكانه.. انا سمعت انه بالمستشفى وينه اقول لك..
ملاك برعب: بسم الله عليك.. ياسمين حبيبتي هدي لا يصير فيك شيء..
صرخت ودموع تمتلئ بمقلتيها: قلت لك وينه؟ بروح له انا بفهمه انه ما اصلح له هو يستاهل بنت كاملة مو وحدة ناقصة مثلي..
دخل عبد المحسن على صراخهم..
وبغضب: خير إن شاء الله.. وش هالصوت؟
نظر لـ ياسمين ليقف بجوارها ويشد يدها: وش الي مقومك من مكانك ارتاحي..
ياسمين: طلبتك يا اخوي خذني له.. بكلمه بقول له شيء..
عبد المحسن وهو يمسد شعرها بحنان: طيب يا عيون اخوك ارتاحي الحين وملحوقه عليه تشوفينه..
لتهز بالنفي: ابيه الحين ابي اروح له..
وهي تهز أسها: الله يخليك انت تبي راحة لي صح..
عبد المحسن وجع يثقل كاهله: اكيد.. خلاص انا بوديك بنفسي..
وبخطوات قاتلة قريبة تفصلها عن جناحه.. وقفت بتردد تقدمت بخطوات خائفة..
لتجده مستلقي بهدوء تام.. ورفعت نقابها...
لتهمس باختناق: زيد
شعر بوخز.. شيء ما يداعب حنجرته نظر لرجفة يديها واهدابها
لا يدري هل يفرح ام يحزن..
ابتسم: ياسمينة قربي..
نظرت لملامحه ذبول وجهه والاسلاك التي تعانق صدره
نظرت للأرضية: طلبتك يا ولد عمي تطلقي وتشوف لك بنت ناس الي تستاهلك..
قاطعها بصوت غاضب: تعقبين وتخسين.. اص ولا اسمع منتس كلمه بذات انتي..
لتدمع عينيها وبرجفة: زيد ولي يرحم والدينك انت....
قاطعها بألم: اقول لك اسكتي ما تفهمين والا عقلتس انجن.. قربي ما يمديني اجي لتس..
لترجع بخطوات خائفة وهي ترفض..
زيد بوجع: يا بنت الحلال ماني بـ اذيـتس.. اقربي.. طيب ما لي خاطر عندتس..
اقتربت منه بخوف ليقبض يدها وابتسم بحنان: ياسمينة.. ما اضمن نفسي اعيش اليوم وإلا لا.. ابيتس تسمعين وصيتي..
اعتصر قلبها وهي ترى بأنه متعب حركت رأسها بالنفي: لا تقول هالحكي زيد.. خلاص ما ابيك تطلقني بس لا تجيب سيرة الموت..
زيد بحب: ياسمينة الموت حق.. وكل واحد بـ يموت بيومه ما احد يعترض على هالشيء.. ابيتس قوية مثل ما اعتدت منتس..
ياسمين بكت بألم: مين قال لك اني قوية.. ماني قوية..
زيد: إلا إن شاء الله قوية.. انتي اسمعيني ذا الحين..
ياسمين نظرت لـ عينيه: اسمعك زيد..
زيد يهمس بخفوت شديد: وصيتي لك.. شركة الي كنت اشتغل فيها ابوي يمسكها من بعدي.. والبيت الي بنيته يسكن فيه ابوي لا يجلس بالقصيم بروحه.. هالله الله في نفستس لا جاء احد تقدم لتس ويستاهلتس وافقي عليه.. لا تزعليني منتس.. وانا راضي عليتس ياسمين.. خليتس قوية.
وأخذ ينظر إليها.. ضحكت ياسمين بوجع: انت تمزح معي زيد اسمعني انت بـ تقوم..
بكت وهو ما زال محدقاً، دفعت وجهه فـ سقط على جنبه وسقطت معه.. مسكينة لا تعلم بأنه قد مات وفارق الحياة...
.
.
.
يوم آخر
صباحاً- بالمستشفى
.
.
.
جلس بصدمة على الكرسي تلقيه بالخبر كان فاجعة كبيرة.. بكت عيناه والقلب يرثي فقده
ملاك التي احتقنت مقلتيها بدموعها، ودبت الرجفة بمفاصلها: لا والله تكذب يا بدر.. البارحة اخته عنده وتضحك معه انت تمزح وحتى ياسمين راحت له بتكلمه
عبد المحسن وجه قد تغير للسواد: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إن لله وإنا إليه راجعون..
بدر بصوت مخنوق: عبد المحسن وش اقول لعمي.. اقول لهم مات مقهور..
عبد المحسن امسك طرف شماغه لـ يمسح دمعته: لا تقول شيء.. اختك هذه هي طايحه ولا تدري عن الي حولها.. استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم..
ملاك بصدمة: وش فيها ياسمين..
وقفت لتشد خطواتها بعكازيها: عبد المحسن وش صار وراه وجهك متغير.. بدر يمزح صح..
نظر عبد المحسن: اذكري الله..
ملاك بخوف وقد مسها تيار كهربائي رددت دون شعور: لا إله إلا الله.. وش فيك؟
عبد المحسن: زيد عطاك عمره..
سقطت احدى عكازيها وتضع اناملها على فمها بصدمة وتبكي: زيد مات.. تكذب حسونه انت تكذب..
امسكها حتى تتزن بوقفتها: قولي إن لله وإن إليه راجعون..
ملاك بانهيار: وشلون هو كان بخير كيف مات عبد المحسن ماني مصدقة انت تمزح صح.. اقول لك البارحة سارة تكلمني عنه.. وياسمين راحت له وشلون؟!
زفر بضيق: إذا حالتك كذا اجل ووش بصير على اخته وامه وعمي استغفر الله العظيم..
ملاك: توه صغيره.. عبد المحسن..
امسكها لـ يجلسها بالكرسي: هدي ملاك ابيكم تساندون عمي توقفين معي.. تصبرينهم في مصابهم مابي ضعفك..
ملاك: ما اقدر انا ماني قوية مثلك والله ماني قوية عبد المحسن..
ملاك نظرت لبدر شاحب: بدر سمعت زيد توفى.. هو كان طيب والله اذكره انه يمزح مع الكل ويحبونه ليه استغفر الله العظيم ياربي..
عبد المحسن مسح وجهه بكفيه: اشششش بـ تعترضين على حكمة ربك..
.
.
.
انتشر خبر وفاة زيد..
بالمسجد القريب من مغسلة الموتى
بكاء سارة وهي تحتضن جثته: لااااااا اخوي.. انتم تكذبون..
امسكتها والداتها وهي تصبر قلبها المفقود: سارة يمه خلاص قطعتي قلبي.. هذا هو راح بشبابه بـزفونه لحور العين..
سارة بشهقات عنيفة وبصراخ عالٍ: لا يأخذونه يمه ابيه.. ابي اودعه..
دخلوا أبو جمال وعبد المحسن وبدر متلثمين بـ شماغهم..
عبد المحسن: يا خالة الوقت راح منا.. الميت اكرامه دفنه..
أم زيد ببكاء مكتوم: ادخل..
دخل ابو زيد نظر لأبنه الملقي بجنازته دموعه تتساقط بانهمار..
سارة: يبه قل لهم يخلونه باقي ما ودعته..
أم زيد شدت ابنتها لأحضانها..
أبو جمال: الله يصبركم.. ويثبته.. الله يصبركم..
امسكوا الجنازة حتى يكملوا إجراءات الدفن...
.
.
.