٧ : قليلٌ من البوح.

245 41 10
                                    


"ه..هل أنتِ من كان يرغب برؤياي؟!" سألها مُتعجبًا بنبرة مُتعجلة بعد دقائق طويلة من التحديق و التدقيق، فكان يتفحص مظهرها الذي يكاد يكون مُذريًا..و هي لا تنفك تنظر إلى عينيه و مدى توتره و تعجبه الواضح بملامحه.


"نعم، إنه أنا" تحدثت بهدوءٍ تام و نبرة ثابتة صامدة، فتعجب هو أكثر لصمودها هذا، فليس من الواضح -بوجهة نظره- أنها كانت على وشك الإنتحار منذ حوالي ساعة.

"أعذريني بسؤالي هذا، لكن لمَ تغطين وجهكِ بهذا الكيس؟" سألها متفحصًا وجهها بشكلٍ أدق هذه المرة، ناظرًا إلى عينيها حتى أنها شعرت و أنه كان يخترق روحها.

"لست أملك وجهًا جميلًا، قد كرهته منذ زمن، ثم أنك لن تحتاج وجهي في شيء؛ لأننا لن نلتقي مُجددًا.." أجابته بصوتٍ مُختنق هذه المرة، و كأنها لم تعُد تستطع أن تسيطر على نفسها أبدًا.

"لا أحد يعلم.." أجابها بنبرة مترددة، و لم تبتعد عينيه للحظة عن عينيها، فحتمًا هي كانت تشعُر بالدفء بالرغم من ذلك النسيم البارد الذي يلفحهما.

"أنا مُمتنة بأنك استجبت لي، فأنا بالفعل كنت على وشك الإنتحار، الحياة لم تعد تحتمل، و كما كتب فان جوخ برسالة إنتحاره (الحزن سيدوم للأبد) ." تنهدت بِثقلٍ شديد و أغلقت عينيها لبرهة بينما أحاطت نفسها بذراعيها للحظات.

صمت قليلًا، بل صمت لوقتٍ طويل و إكتفى بالتحديق بعينيها محاولًا أن يجد سبب تلك التعاسة القميئة المُتمكنة منها بهذا الشكل.

كان بالجوار يوجد مقعد خشبي، و الذي بدوره كان يطُل على الجسر، و الذي كان يعتلي تلك البحيرة الراكدة.

أمسك بيدها و هي لم تُبدِ أي ردة فعل، لكنها فقط كانت تفتقد شعور أن يحتضن أحد يديها.

جلسا سويًا على الجسر، و كان نظرهُما مُثبت على السماء الواسعة فوقهما، و التي كانت تحتضن همومهما و آمالهما، السماء لها سحرها الخاص الذي لا يُمكن للكلمات أن توصفه قط .. فأنت تشعر بجمالها يسري بعروقك، تشعر بأنك مُخدَّر تمامًا، ترغب بِلمسها و احتضانها و النوم بين كُل تلك النجوم المتناثرة بعشوائية بغاية الجمال.

"لم أشعر بحنان أي أحد، مات أبي و من بعده و أنا لم أبتسم قط."

خرجت من بين شفتيها بإختناق، تحدثت كما لو كانت تهمس و لكنه تمكن من سماعها.

"الحياة صعبة للغاية، و كلما حاولت أن أدفن نفسي بأي شيء أو عملٍ ما تُلاحقني الذكريات؛ فكُل تفصيلة حدثت بالماضي لا تزال أمام عيناي حتى الآن، لا أستطيع التخلُّص من هذا الماضي .. ربما تخلصت من الأشخاص، و لكن تلك الذكريات تبدو و كأنها خالدة و أنها ستقضي عليّ لا محالة.."



مُحاصَرَة | Trappedحيث تعيش القصص. اكتشف الآن