” العقول، مثلها مثل الأجسام، غالبا ما تسوء حالتها جرَّاء الراحة الزائدة “
- تشارلز ديكنز
◦◆◦✿◦◆◦
كنت ما ازال يافعاً مهتاجاً للاطلاع، ليناً اتشكل كالصلصال، عندما تعرفت لاول مرة على هوسي المستقبلي، منزل الاوراق والكتب وكل ماهو عتيق.
الخريف كان بالقرب منا حين اخذتني والدتي الى كنيسة « سانتا ماريا بريسو سان ساتيرو » هي كنيسة نصف مخفية،
على مرمى حجر من كاتدرائية دومو، يعود تاريخ بناؤه الى نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر. بل هي كنيسة صغيرة ولكنها تبدو كبيرة جداً مع الوهم البصري الذي انشأؤه « برامانتي »
يبدو ان هناك مساحة كبيرة وراء المذبح، ولكن في الواقع انها مجرد وهم مذهل، انها كنيسة جميلة.
في ذلك اليوم تغيبت عن المدرسة بداعي الحمى المضنية، وكان في الليل ذهابي الى الكنيسة رفقة والدتي، عندما هممنا بالخروج قادتني امي الى « مكتبة الأمبروزيانا » الواقعة بالقرب من الكنيسة مباشرةً
الدافع من ذلك كان بسبب الرحلة المدرسية المقامة صباح اليوم، كان ذهبنا الى هناك يدعى تعويضاً،
هي مكتبة تاريخية في ميلان مع معرض فني، سميت نسبة إلى « أمبروسي » القديس الراعي لميلان. أسسها الكاردينال « فدريكو بوروميو »
تضم المكتبة القطع " الموراتورية " والتي يرجع تاريخها إلى عام 170م، وتحوي العديد من الاعمال الفنية الجميلة مثل لوحة الفنان « ليوناردو دافنشي » المسمّى " صورة موسيقي "
المكتبة كانت ضخمة ومعتقة بالكامل، تحوي العديد من القاعات، ولكل قاعة مسمى معين واختصاصها، الكتب في كل مكان، اورقها صفراء ومجعدة كانما مستها المياه،
كل شيء سحر " انا " الصغيرة انذاك، وتعلق به كالغراء، وككل ذواق يحب طعاماً معيناً، كان لدي ميولي المفضل من ناحية الكتب،
الآدب الكلاسيكي مرضي المستديم، وعاهتي الابدية، ويعتبر هذا الادب فرع من العلوم الإنسانية التي تشمل اللغات والأدب، الفلسفة والتاريخ،
الفن وعلم الآثار والثقافات الاخرى من عالم البحر المتوسط القديم، يشمل احياناً الدراسات الكلاسيكية او الحضارة الكلاسيكية،
وهناك مفهوم الكلاسيكية المحلية والاجنبية، وكذلك الدولية. وبالتالي على سبيل المثال، تعتبر كلاسيكية معترف بها من الأدب الروسي في روسيا « بوشكين، دوستويفسكي، وغيرهم »
كنت متعصباً بها لا اقبل قرأة ما هو غير كلاسيكي البتة، كانت تستهويني كتابة " ادمون روستان، وليام شكسبير، واخرون كثر "
كنت استعير الكثير من الكتب والتهمها في ايام قليلة، واشعر بالحاجة الملحة لفعل ذلك كل يوم، واذا لم افعل يكون يومي غير مكتمل، بل الكتب بوابتي للهروب من كل شيء ، وطعام عقلي المفضل
اجلس ساعات طويلة على كرسي مكتبي، في منتصف الليل، عندما تكون الغرفة معتمة ويشق ضوء مصباحي درباً في ظلامها، اغوص في عالم « الغريب » لـ« البير كامو »
وببطء كما تتلاشى الصور في فلم سنمائي ،يبدأ كل ما هو حولي بالتلاشي والتبخر من ذهني، امضي وحيداً، داخل القصة، وهذا افضل شعور باستطاعتك تجربته.
اكملت كتباً كثيرة، ومازلت اتمسك باعتقاداتي واقرأ فقط ذلك النوع من الادب والفلسفة، حتى اتى عيد مولدي العشرون،
ليهدني « غابرييل » احد اصدقائي المقربون كتاباً قائلاً تلك الكلمات " انت تحب الكتب الكلاسيكية اليس كذلك؟ لقد وجدت هذه الرواية وكانت تتصدر القائمة لفترة، يبدو بانها مشهورة"
كنت اشعر بانها نوع من السخرية بالرغم من حسن نواياه، كان يعلم اني لا اقرأ للكُتاب الجدد، وتعمد اهدائي مايصدر هذه الايام.
اسامحه في نهاية الامر لاني اعتقد بانهٌ لا يستطيع التفريق في هذه الامور، فقد كٌتب كلاسيكي اذاً هو كذلك بالنسبة اليه بغض النظر عن المحتوى، ولكن كنت سعيداً بعد كل شيء لإهدائه لي امراً اقرب لما احب ربما،
اهملت الكتاب لفترة طويلة ليتراكم مع اغراضي غير المهمة، وضعت بعد الصناديق عليه وصُنع فوقه غشاء رقيق من الغبار
ليأتي ذلك اليوم الذي ارتب فيه كل غرفتي، استعداداً للرحيل من منزل عائلتي من اجل العمل، فالطقتهٌ واقرر إلقاء نظرة وحيدة على ماهية القصة
لقد كانت رواية « عند مصب البحيرة » نقطة تحول في حياتي، اذكر اني بكيت طوال الليل بعد ان انهيتها في يوم واحد.
◎❀◎❀◎❀◎❀◎❀◎❀◎❀◎❀◎
🌻 ملاحظة : ترقبو يومياً فصل جديد عند المساء 🌘
أنت تقرأ
موسم شاي المساء
Romanceُكنْتُ مَا أزالُ يافعاً مُهتاجاً للإطلاع، ليِناً اتَشكلُ كالصَلصَال، عِندما َتعرفتُ لأول مرةٍ على هوسيِ المُستقبلي، مَنزلُ الاوراقِ والكتبِ وكُلُ ماهو عَتِّيقْ. - رواية مكتملة - 182# في العاطفية 21/4/2018