الشطرُ الثاني و السبعون.

2.2K 363 255
                                    


- أخيرًا عدتي أيتها السافلة .. لمَ كل هذا التأخير؟

كانت تلك الجملة هي أول من استقبل تلك المراهقة عندما وطأت قدماها عتبة منزلها، صراخُ تلك السيدة لا ينتهي بجميع الأحوال لكنه اليوم كان مزعجًا أكثر من أي وقتٍ مضى.

في الحقيقة كانت قد تباطأت في العودة قليلًا حيث أنها استهلكت قوتها في التفكير بما حدث اليوم أثناء فترة الغداء.

تلعثمت كثيرًا و هي تحاول التفكير في عذرٍ ما رغم أنها لم تقم بالأمر الجلل، تلك المرأة تحب إثارة المتاعب معها و هي لم ترد هذه المتاعب في الوقت الحاضر، أخيرًا لفظت كلماتها المغلفة بنبرةِ اعتذارٍ واهية : أنا آسفة .. فقط كنت متعبةً و لم أسِر كما أفعل عادةً، من فضلكِ سامحيني.

أظهر وجه الخالة الواقفة استياءً واضحًا ثم همست بلا مبالاةٍ ممزوجةٍ بالقسوة : حسنًا هذه المرة فقط، هيا بدلي ملابسكِ و إلى عملك.

تنفست هذه الصبية البائسة الصعداء لمُضي هذا دون حدوث أي شيء، ثم ركضت مسرعةً إلى غرفتها كي تبقى بعيدةً عن خالتها بأكبر قدرٍ ممكن.

أغلقت الباب من خلفها و هي تشعر بالخوف أكثر من أي وقتٍ مضى، لم تفهم سبب ذلك حيث بدت و كأنها تخبئ أمرًا خطيرًا.. إلا أنها ستحاول التصرف كما هي العادة و سيكون كل شيءٍ بخير .. و لو بشكلٍ شبه تامٍ على الأقل.

بعد أن بدلت ملابسها فقد قامت بترتيب المنزل و نسج بعض قطع الصوف، ثم انتهت بغسل الأطباق التي نتجت عن تناولهم لوجبة الغداء.

لسوء حظها فقد لاحظت خالتها أنها أبطأ من المعتاد في العمل مما ولّد لديها نوعًا من الشك حيالها .. هل تخطط تلك الصغيرة لفعل شيءٍ ما؟

انقطع حبل أفكارها السابق أثناء شربها للشاي بسماعها لصوتٍ مدوٍ صدر من المطبخ، فصكت على أسنانها بحنقٍ شديد.

نهضت أخيرًا بعد أن طفح بها الكيل و هي تنوي وضع حدٍ لتهاونها اللا مبرر هذا .. من الواضح أنها غير مريضة و لا أي شيءٍ من هذا القبل، تلك الكاذبة اللعينة .. تمتمت بهذا و هي تتجه إليها.

ارتعدت الصبية المسكينة بعدما سقط الصحن منها آنفًا و باتت يداها ترتعش لمعرفتها بما سيحصل تاليًا .. لكن لا حيلة لها في هذا فأفكارها تُشتِّتها رغمًا عنها.

دخلت تلك الخالة إلى المطبخ ثم صدح صوتها النشاز بغضبٍ جلي : ما بالك أيتها الحقيرة؟ حتى الأعمال البسيطة تفشلين في أدائها .. عديمو الفائدة أمثالكِ لا يستحقون تناول الطعام حتى.

اقتربت منها بغضبٍ ثم أمسكتها من خصلات شعرها القصير، جذبتها بعنفٍ فباتت تصرخ بعجزٍ و هي تحاول إبعاد يدها أو تخفيف شدتها : مهلًا .. أرجوكِ توقفي .. لن أكررها مرةً أخرى .. من فضلك.

رغم أن الموقف كان صعبًا إلا أنها لم تستمع لأيٍ من توسلاتها السخيفة في نظرها ثم ألقت بها في غرفتها، رمقتها شزرًا و كأنها تضمر نيةً لما هو أسوأ أثناء صراخها : أعيدي التفكير في تصرفاتكِ اليوم أيتها اللعينة .. في ماذا تفكرين؟

شطرٌ من نور.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن