الشطرُ المئة.

2K 318 94
                                    


- كيلي .. هل يمكنكِ سماعي؟

ألقى وايت ذلك السؤال عدة مراتٍ دون أن يتلقى أي استجابة، لم تلتفت نحو صوته أو تُظهِر علامات الفهم، خشيَ أن أمرًا ما قد أصابها لكنه لم يعرف ماهيته.

و خلال هذهِ الأثناء وقف برايلين في ركن الغرفةِ مُرتديًا حُلةً متقنةً من الصمت، أراد أن يرى ما سيجري معها دون أن تشعر بوجوده .. لم يكن مُستعدًا لمواجهتها بعد.

لم تُفارق الدموع وجنتيها منذ لحظةِ استيقاظها و قد كان ذلك مُقلقًا، بالإضافةِ إلا أنها لم تنطق أي شيءٍ أو حتى تنتحب .. هل أخَرَستها الصدمة بالمعنى الحرفي أم ماذا؟

هلع الممرضُ الذي نقَل خبَر استيقاظها لرؤيةِ تلك الدموع فسألها مراتٍ لا تحصى إن كان هناك أي شيءٍ يؤلمها إلا أنها لم تُجِب، كانت جالسةً باتزانٍ تام مُحدقةً في اللاشيء بأعين مفتوحةٍ على مصراعيها .. لم يسمع أحدهم الصفعات التي كانت تتلقاها واحدةً بعد الأخرى بواسطةِ أفكارها الهوجاء، و لهذا فقد كان الإنصات لما حولها مهمةً صعبة بعض الشيء.

استفاقت على صوت الصرخةِ التي خرَجَت من والدتها في وقتٍ سابق ظانةً أنها لم تخرج من ذلك الحريق منذ البداية، لاحظت بعد دقائق ملمس الأشياء من حولها والرائحة التي انتشرت في المكان فصدّقت و لو جزئيًا أن الأمر انتهى.

و على الرغم من معرفتها لتلك الحقيقة إلا أن صرخة والدتها لم تُغادر رأسها منذ اللحظةِ الأولى لاستيقاظها، كانت كالوحش يطاردها أينما حاولت أن تستريح .. كل المُحادثات التي خاضتها معها آن ذاك واصلت التردد داخل رأسها فارضةً عليها مزيدًا من ضرائب البكاء.

لقد كانت هناك .. واقفةً بلا حراك .. لم تتقدم خطوةً واحدةً لتغيير تلك اللحظة أو مساعدتها حتى .. لو أنها استطاعت الرؤية لكانت فعلت شيئًا آخر غير الهرب كالجبانة .. لو أنها فقط .. لبعضٍ من الوقت فقط .. حتى لو عنى ذلك التخلي عن شيءٍ ما من أطرافها فإن ذلك لا يهم .. أرادت أن تُساعد لمرة .. أرادت أن لا تلعب دور العبء لمرةٍ فقط .. لكن لا شيء من هذا تحقق رغم كل الدموع التي قدمتها تلك الليلة.

أخبرها برايلين أن والدتها ذهبت إلى مكانٍ بعيد .. ألا تستطيع اللحاق بها بأي طريقة؟ ماذا لو أنها لم ترجِع؟ ماذا لو أنها ما عادت تريد العودة بسببها؟ لطالما أثقلت كاهلها في أبسط الحالات .. لربما سئمت من تحمل مسؤولياتها التي لا تنتهي.

لقد كانت نافذتها الصغيرة و الوحيدة الموجودة في ذلك الحبس الانفرادي المؤبد الذي وُضِعت فيه، هل حقًا رُدِمت نافذتها التي كانت تُريها العالم على الدوام دون مقابلٍ يُذكر؟

لمَ ارتجفَت يداها؟ لمَ لم تتمكن من مساعدتها؟ تلك الصرخةُ تنهَشُ روحها دون رحمة .. بالكاد كانت قادرةً على سماع ما يقولهُ ذلك الرجل الذي جلس بجوارها منذ بعضٍ من الوقت.

شطرٌ من نور.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن