الشطرُ الثالث و السبعون.

2.4K 389 683
                                    


- إنها أنتِ!

كان قد تمتم سابقًا بتلك الجملة مصعوقًا من هذه الحقيقة التي تبدو غير منطقيةٍ البتة!

تلك الأعين الذابلة باتت أكثر أُلقًا، و ذلك الشعر القصير البسيط بات خصلًا فاتنة اللون و الجمال .. أما شفاهها فبدا الأمر و كأنها قد تغلبت على تلك العادة التي تقتضي قضمها لها في كل مرةٍ تتوتر فيها .. بدت فاتنةً بشكلٍ مضاعف مقارنةً بالسابق.

هل كانت تلك القصة مبررًا كافيًا لذلك الشعور الغريب الذي كان يجتاحهُ مؤخرًا؟ فقط لأنها بدت مألوفةً بالنسبة له .. لكن إن كان الأمر كذلك فلمَ زاد وضعه سوءًا الآن؟

أحس بأن ضربات قلبهِ قد اختلت لهنهيةٍ قبل أن يسمعها و هي تتحدث بنبرةٍ أقرب ما تكون إلى النحيب : و لأنني لم أكن بالذكاء الكافي فأنا لم أسأل السيدة كارتر عن اسم ابنها الذي كانت تتحدث عنه في كل مرةٍ تقرر المغادرة فيها.

نكست رأسها حتى تنظر إلى تنورتها التي أحكمت قبضتها عليها لشدة توترها منتظرةً رده على كل ذلك، كانت تلك اللحظات القليلة من أصعب ما مر عليها في حياتها.

ما الذي يتوجب عليه قوله في هذه الحالة؟ لقد تذكرته، ليس ذلك فقط و بل بشيءٍ جيدٍ عكس ذلك الخباز اللعين كما وصفه .. لربما أسعده ذلك لوهلةٍ أيضًا، فطغى ذلك الشعور البسيط على ما سواه مكسبًا إياه نوعًا جديدًا من المشاعر.

- هكذا إذًا .. سعيدٌ لرؤيتكِ سالمةً مرةً أخرى بعد كل هذا الوقت .. شكرًا لتذَكُّري.

غلّف كلماته السابقة بنبرةٍ بدت رسميةً أكثر من كونها حاملةً لأي نوعٍ من المشاعر رغم أنها حملت بعض السعادة فيها .. أو هذا ما اعتقده على الأقل، و لأنها كانت ناكسة الرأس فهيَ لم ترَ تلك الابتسامة الضئيلة التي تسللت إلى شفتيهِ و هو يطيل النظر إليها.

لسببٍ ما أراد أن يقول ما هو أفضل من ذلك، لربما كان بإمكانه ذكر كم أنها أصبحت جميلةً مقارنةً بالسابق .. و شجاعة .. شجاعةً أكثر مما ظنّ في ذلك الحين.

نبرةُ صوتهِ السابقة جعلتها تعتقد أنه سعيدٌ للغاية برؤيتها فعلًا إلا أنها لم ترغب في أن ترفع سقف توقعاتها عاليًا، فهي تعلم أن كل ذلك سينهار بقسوةٍ فوق رأسها بعد دقائق معدودة.

سحبت الكثير من الهواء إلى رئتيها التي عجزتا عن تغطية حاجتها من الأكسجين، أو أن الأكسجين قد نفد من ذلك المكان على أقل تقدير!

أرادت أن تبوح بالمزيد من الأشياء التي كانت تخالجها لكنها كانت مترددة، هذه فرصتها الوحيدة للإدلاء بكل ما لديها مرةً واحدةً و إلى الأبد، و لهذا فقد استجمعت ما تبقى من قواها الخائرة لتستطرد الحديث بصوتٍ أكثر هدوءًا من السابق : عندما قدِمت السيدة إيرلين لتخبرني بما يجب أن أفعل ذكرت أخيرًا أنك قد تأتي إلي لتستفسر عن كل ما يحدث.

شطرٌ من نور.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن