ثمانية عشر عامًا من التمني .

296 7 1
                                    




كانت المسافة بينهما كبيرة ولكن أرواحهما لا تزال تتعانق في كُل لحظة .. إنهما باختلاف امكنتهما يشاهدانِ الأشياء ذاتها وينطقانِ الكلمات نفسها معًا ويُفكرانِ في ذاتِ الفكرة في نفسِ الوقت , وقد يحدث وتقع لهما وقائع متماثلة .. هذا ما كان يُدهش غيم كثيراً فقد كانت تلك المواقف تُشعرها بأنهما قد اتصلا روحيًا وأنهما بعد هذا الاتصال لن يتفرقا وسيظلانِ دومًا باتصالهما هذا مخلصينِ لبعضهما .. كانت تلك الفكرة تُطمئن غيم جـداً تلك الفتاة التي ينهشُ التفكير منها كل يوم وجدت عزاءها أخيراً .

كان غيث يُحبها بخوفٍ شديد , كان يخاف أن يؤذيها يومًا , أن تدمع مُقلتيها دون أن يكون أول من يواسيها ويمسح على قلبها , كان يخشى عليها حتى من نفسها , ماذا لو أهملت غيم ذاتها من أجلي ؟ كان ذلك السؤال يؤرق راحته طويلاً . . برغم محاولاتها في طمئنتهِ بأنها لن تسمح لأحدٍ أن يؤذيها وأنها وإن كانت تُحبه فلن تُهمل ذاتها بسببه ولكنها لم تنجح قط في تغيير فكرتهِ ولو قليلاً .. كان شعوراً جديداً كُل الجِدة أن يخاف احد عليها بهذهِ الطريقة الفضيعة فقد اعتادت أن تكون المسؤولة الأولى والوحيدة عن ذاتها وعلى ذلك فقد اعتادت أن تُعاقب نفسها على كُل فعلٍ خاطئ يبدر منها عقابًا كاملاً وتُكافئ ذاتها على كُل فعلٍ جيد تقوم به كانت تعمل لأجل حياةٍ كريمة تعيشها ببطولة وسلام , لأجلِ أحلامها كانت تبتلعُ كل الصعاب وتخوضُ كل التحديات الواقفة كشوكةٍ في بلعومِ مستقبلها المنشود . . لقد قضت سنواتها الثلاث الأخيرة متنقلة من دورٍ إلى الآخر والغريب جداً أنها كانت شخصًا واحداً يمثل أدواراً عديدة لبناءِ شخصٍ واحدٍ ساكنٍ في جوفها , الأمر مُعقد أكثر من ترتيبِ الجملة السابقة , معقد جداً كخيوطٍ صوفٍ تدحرجت من الشمالِ لتستقر أخيراً في يدِ طفلٍ لا يكف عن فرطها ولفها بطريقةٍ عشوائيةٍ جداً ذلك الطفل الأخرق رمى خيوطِ الصوف في دولابِ الحياة الذي لا يكف عن الدوران فإزدادت الأمور سوءاً .. ولكن غيث جاء مغتنمًا الفرصة التي قرر الدولاب أن يأخذ فسحة يلتقط فيها أنفاسه , جاء في صورةِ البطل الذي جسدتهُ ذاكرتها الهشة بصلابةٍ . . وبدأ بدخولهِ فصلٌ جديد كُل الجِدة عن فصولِ حياتها السابقة وكبُر مسرح الحياة أكثر ليتسع لكُل الحُب النامي بينهما .

في هذا الفصل آمنت غيم بأن للسحرِ نوعٌ مباح متنكرٌ باسمِ الحب , أحبت غيمِ غيث بكُل قلبها ليسَ لأنهُ جاء على قدر أحلامها فحسب بل لأن اسمهُ يحمل أحرفًا من اسمها , ولأن الغيث يولدُ منها شعرت بأن عليها دومًا احتضانه ورعايته ليستمر في تأديهِ دورهِ كاملاً وليترك خلفه أثرٌ متجددٌ كانت غيم على أتم الاستعداد أن تهبهُ كُل ما تملك ليكون سعيداً وإن لم تكن تمتلك ما يُريده فقد كانت مستعدة للتضحة بكُل ما لديها لتحصل على الذي يُريده لقد أحبتهُ جداً هذا الشيء الوحيد من بينِ كُل الأشياء المقنعة والزائفة الذي جاء في صورةِ الحقيقة . حُبه جعلها تدرك بأن الحياة هي الحُب وأن ظنون طفولتها الناجمة عن أفلامِ الكرتون ذات قصص الحُب البريئة والطاهرة صدقت أخيراً فالحياة بلا حُب ليست إلا أيامًا مُرقمة لا معنى لها ..

غيثُ الفرح, غيمُ السلام .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن