غيم,وغيث |اقصوصة في حديقة.

128 2 0
                                    

كانا جالسين على أحد الكراسي الخشبية في واحدة من أكبر الحدائق العامة في مدينتهم الصغيرة , كانت غيم تتأمل احتشاد الناس أمام الباعة إلا أن صوتُ بكاءِ طفلة اخترق هدوء تأملها , التفتت لتجد طفلةً صغيرة لم يتجاوز طولها نصف المتر تضربُ بقدميها الأرض وتتوسل إلى والديها مُشيرة بإصبعها الصغير إلى بالونةٍ ورديةٍ تُعانق الهواء وتتمايل, إلا أن أبويها عارضا رغبتها البسيطة التي تمثل لها في ذلك العُمر أحلامها .. انتبه غيث إلى الحزن الذي اكتسى بهِ وجهه غيم سريعًا فقال : ما رأيكِ في أن نشتري لها واحدة ؟

اعتلى وجهه غيم ابتسامةً برّاقة وهزت رأسها موافقة .. سارا باتجاهِ بائع البالونات واشتريا واحدةً زهرية وانحنت غيم لتصير في مستوى موازي لطولِ الطفلة وابتسمت وهي تمد يدها لتُعطيها , عندما شاهدا الصغيرة وهي تقفز وتضحك وتتحرك في مكانها بلا وعي من شِدة الفرح امتلأ قلبيهما بالرضا ونظرت غيم لعينيَّ غيث التي لطالما أحببتهما وشكرتهُ بامتنانِ شديدٍ بانَ في صوتِها . . فأجاب : لا داعي للشكر,ثقي بأني سأفعلُ كل ما بوسعي لأرى هذهِ التقويسة الفاتنة على وجهك.

جلسا على العُشب بعد أن شغل أشخاصًا آخرين مقعدهما السابق , وبدأت غيم تتحدث : يُقال أن للنباتات قدرة خارقة على تهدئه النفس البشرية كما أنها تساعد على توليد الأفكار كما أن فولتير قال : قبل أن تتفلسف ازرع حديقة بيتك . . مارأيك ؟

- اممم, قد اتفق معك في إنها تهدئ النفس لكنها لا تولد الأفكار دائمًا . .

ابتسمت غيم وراحت تمرر يدها على العُشب في صمت , فسألها : من هو غيث في كلمة ؟

- سماء .

سأل مُتعجبًا : سماء !؟

- نعم , أقربُ شيء لقلبي , المكان الذي مهما ضقت اجدُ فيه مُتسع , أكثر شيء يدهشني , كُل يوم لونٌ .. كُل يوم شعورٌ مختلف .. هُناك لا حدود وحبي لك أيضًا لا حدود له , مكانٌ مُضيء دائمًا , وأنت دائمًا تُضيئني كُلما انطفأت وكُلما استعمرت العتمة روحي وجدتُ ضحكتك نجومًا وضاءة تخترقُ ذلك الظلام كمعجزة , أنت سمائي لأسبابٍ عديدة لا يُمكنني حصرها في عبارات ركيكة أبداً,انظر لعيني ربما يصلُك الشعور كاملاً .

- ماذا لو فقدتيني ؟

- لن أفقدك !

- ماذا لو حدث ذلك يا غيم ؟

أشاحت بوجهها يساراً وقد امتلأت عينيها بالدموع, ابتلعت الغصة بصعوبةٍ ثم أجابت : حسنًا سأكملُ حياتي ولكن على نحوٍ سيء , وكلما تذكرتُك سأشعر بأن العالم من حولي يتهاوى , أعتقد أيضًا بأني سأعيش ما تبقى من حياتي عن شخصين , سأتناول كل وجبة مرتين يوميًا, واحدة عني والأخرى عنك, وسأقتني من كُل شيء زوجين لي ولك, وسأقرأ القرآن مرتين في رمضان من أجلي ومن أجلك, سأفعلُ الأشياء مرتين , وسأكتب لك كُل ليلة عن شعوري , قد لا أملُك عنوانًا لك حينها لأبعث لك برسائلي ولكنني سأرسلها إلى الله واثقة بأنهُ سيتكفل بإيصالها إلى مكانك . . سيكونُ الفقد صعبًا , سيكونُ مُراً ولكني أثق أن الله سيعطيني سُكراً أُحلي بهِ أيامي من بعدك , لطالما قلتُ لك أن الحياة لا تقف على أحد لكنها لن تمشِ عندما ترحل , صدقني .

- كم أحبكِ . قال جملتهُ تلك وكأن الكلمات كُلها قد ماتت في فمه , ثم شدَّ على يدها بقوة وراحا ينظرانِ إلى السماء الممتدة أمامهما إلى المالا نهاية وصوتٌ في خلدهِ يردد : لن تجد أحداً يُحبك كماها, مهما بحثت لن تجد . بعد مُدة سألت غيم : كيف هي غيم في عينيك؟

- ملاك .

- ألم تُفكر يومًا في أني سيئة ؟

- وما الذي سيجعلني أفكر بذلك؟

- أنت لا تزال غريبًا عني, مجتمعنا يرفض الحُب , وانا أخطو فوق القوانين وأراك سِراً , وأحدثك سِراً , ألا يخطر ببالك أني سيئة ؟

- لا, الحُب ليس حرامًا وليس سيئًا, لكن المجتمع غبي , فرض علينا أفكاراً غبية .

- أتمنى ذلك.

- لا يهم كيف ينظر الناس لكِ ,الأهم كيف تنظري لنفسك يا غيم .

- لكنك مُختلف, يهمني أن أعرف كيف تراني.. لن تفهم , أنا أُحبك , هل تعي ذلك ؟ الحب يدفعني لأفعل ما أفعلهُ الآن , في الحقيقة أني لم أكن يومًا كذلك .. ولكني دومًا أردت أن أُحب , وبعد أن وجدتُك أراني أضرب بكُل القوانين عرض الحائط ,لا أخشى الندم يومًا ولكن خوفي هو أن أكون في نظرك ...... بلا أدب !

- لستُ أنا الذي أنظر لكِ كذلك, ظننتُكِ تعرفين ..

- لا عليك,دعنا نعود لما كنت نتحدث عنه , ما أكثر النباتات قربًا إلى قلبك ؟

- أنتِ  , انتِ النبات الذي حوّل جدب الحياة في قلبي إلى حديقة غنّاءة ..

- لقد طرحت السؤال على أشخاص كُثر,لكن جوابك الوحيد الذي أذهلني .

ابتسم , وابتسمَ قلبُها وأراح رأسهُ على كتفها الهزيل, وأخذا ينظرانِ إلى المالانهاية بعينِ الحُب وصوتُ قلبيهما يتعالى تدريجيًا ليلمس حدود السماء راجيًا الخالق أن ينمو هذا الإحساس, أن يتجذر العشقُ بداخلهما أكثر, أن يوحدهما قريبًا , أن يذوبانِ في بعضهما البعض,فيمتزجان إلى أن يصيرا مخلوطًا متجانسًا لا يمكن فصله بأي طريقةٍ من الطرق,ويكملان ما تبقى من حياتهما بروحٍ واحدة وقلبٍ واحدٍ وجسدين .

مرام الغامدي

غيثُ الفرح, غيمُ السلام .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن