تصدقي عني|اقصوصة.

220 8 4
                                    




كانا يتبادلان الحديث في إحدى ليالي الشتاء ساحقة البرودة , كانت ممسكة بكوبٍ متلونٌ بدرجات البُني كان قد أهداها إياه في لقاءهما الثاني قبل موعد الإعتراف بالحُب بساعاتٍ قليلة , كان الكوب ممتلئ حتى المنتصف بسائلٍ أحمر قانٍ يكاد يكون أكثر من كونهِ شايًا بالنسبة لها , وعلى الطرف الآخر كان هُو , بجسدهِ النحيل وعيناهُ المرمريتين تلمعان في سواد الليل كنجمةٍ فريدة , كان ملتحفًا فروته ممسكًا بكوبٍ من شاي الحليب الذي يكاد يكون أكثر من كونهِ شايًا ممزوجًا بحليبٍ مُبخر بالنسبةِ له .. كانا يتبادلانِ الأحاديث وكُلاً منهما يرجو ألا يصمت الآخر , كان الدفء يتدفق من مدفأة الحُب دون أن يشعر أحدهما بذلك وتدريجيًا تخلى كُلاً منهما عن كوبهِ ووصل بهما الحديثُ أخيراً إلى وجهتهما المقصودة فسألها : ما هو الحُب برأيك ؟

- الحُب هو ألا أجرحك , أن آخذك كُل يوم لرحلة إلى السماء السابعة إلى أن تعرف الملائكة اسمك وأن أظل وفية لك مهما حدث .

أثنى على كلامها واصفًا إياه بالجميل .. لم تتوانى هي عن إعادة توجيه السؤال ذاته إليه فأجابها : أرى أن الحب هو ألا أغضب منك مهما فعلت , وأن أظل وفيًا دائمًا ..

ساد القليل من الصمت ثم ناداها : غيم غيم .

- هلا .

- هل لديكِ الوقت لقصة قصيرة ؟

- بالطبع, كُل الوقت .

- كان لي صديق قريب جداً , توفى لكن وصيتهُ لا تزال حية معي حتى الآن , لا تزالُ كلماتهُ ترن في إذني وكأنني للتو سمعتها ,ثم صمت

فقالت حاثهً إياه على الإكمال : نعم,اكمل .. ماهي وصيته ؟

انتظر قليلاً قبل أن يُكمل فأدركت أن ذلك التوقف المُفاجئ عن السرد لم يكن إلا فُسحة قصيرة جداً لذكرياتِ الصداقة التي انهالت عليه دُفعة واحدة حتى كبُرت معها غصة الفقد في حلقه , أخذ نفسًا عميقًا وتأوه ثم ابتلع غصتهُ بصعوبةٍ شديدة كالذي يبتلع لقمة أكبر مما يتسع لها مريئه الصغير وأردف : لقد كان يوصيني مراراً أن أتصدق عنهُ عندما ينقطع عملهُ إلى الأبد .

- وهل تتصدق عنهُ ؟

- بالطبع ,لم أتوانى عن ذلك ابداً .

- جميل فها أنت تؤدي الأمانة كاملة , سعيدةٌ لسماعِ ذلك .

- غيم, تصدقي عني كُلما خطرتُ ببالك , وسأفعل ذلك كُلما تذكرتكِ, اتفقنا ؟

- اتفقنا .

كانت تلك أسرع اتفاقية عقدتها غيم في حياتها, لم تطلب تفصيلاً عن نوع الصدقة التي يقصدها , أو مقدارها , لم تسمح لصنبورِ اسألتها أن يغدقه بالأسئلة , اكتفت فقط بالموافقة وكان أول ما خطر ببالها أنهُ يقصد صدقة المال فأحست بالعجز فهي لا تملكُ المال على مدارِ العام ماذا تفعل إن تذكرتهُ يومًا وهي مُفلسة ؟ ستكونُ بذلك خائنة للوعد .. ضاق صدرها لمجرد التفكير بالأمر وسيطر سؤالٌ واحدٌ على عالمها : ماذا عساي أن أفعل ؟ مع انتهاءِ المُكالمة كانت غيم قد وجدت حلاً .. فتحت إحدى مُحركات البحث وراحت تبحث عن أوجه الصدقة في الإسلام , كانت تُحدث نفسها : من غير المعقول أن يحجر مفهوم الصدقة على المال ,لابُد وأن الاسلام قد وضع لنا خيارات مُتعددة .. أطمئن قلبها الصغير عندما رأت اوجهًا عديدة للصدقات , كانت مُتيقنة أن الإسلام لا يُمكن أن يحكر الصدقة على المال ويترك أنفس الفقراء تتكسر .. بعد أن أخذت فكرة شاملة مدعمة بالأدلة عن هذا الموضوع أمسكت ورقة وشرعت تكتب له رسالة لم تنوي إرسالها أبداً .

غيثُ الفرح, غيمُ السلام .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن