كانت تسرع خطاها ...تلتفت يمينا ويسار...تسابق الريح إلى بيتهم الكائن بأخر الطريق...تتعثر بين الفينة والأخرى ..حتى هذه الدموع تأبى أن تتخلى عنها لتزيد الأمور صعوبة وتحجب عنها الرؤية ...وتلك الدماء التي علقت بفستانها ...لاتدري مصدرها ..أو من أين أتت ..كل ماعلق في ذهنها أنا وجدت نفسها في المقبرة....فاقدة الوعي أمام قبر أمها ...
هذه ليست المرة الأولى التي يحدث معها ذلك ....فكلما تقرب منها أحدهم وأحب تلك العيون الزجاجية التي تشبه الفيروز في لونهما يحدث ذلك معها وينجر عن ذلك مصيبة تلحق بذلك العاشق المسكين
همست بينها وبين نفسها باكية
(يارب لاتجعل ذلك يحدث فلاذنب له الذنب ذنبي أنا من سمحت لهذا القلب اللعين أن يحب )
لتكمل خطواتها مسرعة إلى المكان التي تشعر فيه بالإنتماء وإلى أخواتها الذين يشعرونها بأنها غير ملعونة
حمدت ربها وهي تقف أمام باب بيتهم لتشتد قبضتها وتطرقه طرقات مرتعشة تلفت خلفها مخافة أن يلحقها أحد
هلع من كان في البيت وتردت أسئلتهن
(من سيكون زائر في مثل هذا الوقت المتأخر ؟)
ليتوجهن كلهن نحو الباب يقفن أمامه مذعورات عندما تقدمت أكبرهم والتي تدعى ردينة قائلة
(من الطارق ؟)
لم بأتيها الصوت واضحا ليتلخص ماسمعته في همهمات باكية لم تتبينها تقدمت بعدها لفتح الباب لتقفز همسة الأخت الصغرى قائلة بذعر
(ردينة لا تفتحي فلربما كانت إحدى الساحرات اللواتي يزرنك ليلا لتعليمك السحر تعلمين جيدا أنني أخاف من هذه الأشياء وأرتعب منها عكسك أنت حتى صرت متأكدة أنك تفوقتي عليهن)
لتنهيها أبرار قائلة
(همسة ماهذا الكلام الذي تتفوهين به لأختك الأكبر منك سنا ؟)
إبتسمت ردينة قائلة
(دعيها ياأبرار فهي كما تعرفين ليست فقط أصغرنا سنا بل وأيضا عقلا كما يبدو والأن سنرى من يود زيارتنا في هذا الليل )
وعلى مهل شقت ردينة الباب لتترجع إلى الوراء وهي تكمم فمها من هول مارأت ولتقول بصدمة
(ياإلاهي مالذي حدث لك ريدا ؟)
بقيت البنات تنضرن إلى أختهن وهن لايصدقن أنها هي لتهمس همسة برعب
(ر....د...ي...ن...ة.....هذه...ل...يس..ت...ر..ي...د...ا ..ه..ذ...ه...ش...ب...ح...ه...ا)
لتفترب منها أبرار وتسند ريدا التي كانت في حالة لاتحسد عليها قائلة
(ريدا مالذي حصل؟كيف وصلت لهذه الحال؟وأين كنت في هذا الوقت المتأخر؟)
لم تستطع ريدا إلا التفوه بكلمة واحدة جعلت الأخوات الثلاثة تشهق بفزع ويرتعبن مما تفوهت به
(وجدت نفسي في المقبرة)
مر يومان على الحادثة إلتزمت ريدا غرفتها لاتخرج منها بينما إستأنفت ردينة عملها كقارئة طالع لناس وفك الأسحار التي تصيبهم وكتابة طلاسم لهم ترافق درب حياتهم وتنير طريقهم كما كانو يعتقدون أو يتوهمون
جلست همسة تتأفأف لتبتسم أبرار قائلة
(مابك همسة؟لست كما عهدتك ؟ثم لما لم تذهبي للمدرسة ؟
نضرت إليها همسة لتقول
(كم أحسد هدوئك ياأبرار وكأنك لم تكوني معنا عندما جاءتنا أختك بتلك الهيئة المريبة وأنت أدرى بما يدل ذلك ...وأنت لاهم لك سوى دراستي كفي عن ذلك فأنا لا أود حقا أن أكمل تعليمي لما نعيشه)
لتجيبها أبرار وهي تسقي ببعض النباتات البرية التي وضعتها في محابس فضية مرصوصة على إحدى النوافذ
(كفي عن التفوه بالحماقات فأنت أوفرنا حضا على الأقل إستطعت أن تكملي تعليمك عكسنا أرجو أن تقدري النعمة التي منحك الله أياها )
ردت عليها همسة وهي تشير إلى الباب الذي تقبع خلفه أختها مع إحدى زبوناتها
(كما أنني لن أنسى أبدا ياأبرار تلك النعمة التي وهبتنا إياها أختك ردينة والتي أصبحنا بفضلها ساحرات أو اللعنة التي تلاحقنا بسبب أختك الثانية ريدا التي أصبحت حديث القرية وطبعا عزيزتي سنبقى أنا وأنت بسبب أختيك عوانس بجدارة بعد السمعة التي كسبناها إياها فلا أضن أنه سيتجرأ أحد على أن يفكر في إتخاذنا كزوجات )
نهرتها أبرار قائلة
(كفي عن هذه التفاهات ياهمسة فالأقدار مكتوبة وليس لأحد أن يتدخل فيها )
لتقترب منها وتملس على خديها بحنان قائلة
(همسة أعلم أنك تمرين بضغوطات لما نعيشه ولكنك يوما ما ستعرفين أن كل مايحدث لحكمة لايعلمها إلا الله يا صغيرتي )
لتقبل جبينها بينما لاحت إبتسامة لهمسة لتسرع في حضن أختها قائلة
(ما أطيبك يا أبرار أتعلمين أمثالك إنقرضو ولم يعد لهم وجود ولأن الله يحبني بعثك لي ليعوضني عن هاتين الساحرتين الشريرتين )
ضحكت أبرار من كلمات أختها فهي أصغرهم ولن تستوعب مايجري معهم بالتأكيد وعليها أن تحتويها لتهمس لها
(سيكون كل شيئ بخير حبيبتي لا تقلقي )
جلست ريدا على سريرها تسترجع ما جرى لها في تلك الليلة التي مازالت تؤرقها ...وهذه ليست أول مرة ودلالاته ستكون وخيمة طبعا ...همست بينها وبين نفسها
(يا إلاهي لما أن من بين البنات التي يحدث معها هذا ؟متى تنتهي هذه الدوامة التي أعيش فيها ؟يارب إرحمني ....لا أريد أن يتأذى أحد بسببي )
إقتحمت عزلتها هذه أختها ردينة التي لطالما وجدت في قربها الحضن الدافئ الذي تلجأ إليها في مصابها هذا ....وهذا مافعلته فعلا فوجودها راحة لها بينما إحتضنتها ردينة وهي تهمس
(إنتهى كل شيء حبيبتي حاولي أن تنامي الأن وأعدك سينتهي كل شيء )
أجابتها بصوت مخنوق من البكاء
(أنا ملعونة يا ردينة وأأذي كل من يتقرب مني هذا ما أنا عليه فلا تحاولي أن تنكري ذلك )
مسحت دموعها لتبتعد قليلا عن حضنها قائلة
(صدقيني هذا ما أراه في عيون من حولنا حتى أنتم نلتم قسطا من هذه اللعنة لما يحدث ذلك أجيبني؟ماذا فعلن نحن ليكون هذا قدرنا ؟هل هذا فقط لأن أمي كانت....)
لم تكمل عبارتها لتسرع ردينة في وضع يدها على فم ريدا تنهرها
(كفي عن هذا الكلام الذي لاطائل منه كيف ينحدر تفكيرك إلى هذا المستوى؟ ..لاتنسي أنها أمنا ياريدا وأنت أدرى بما تعنيه هذه الكلمة من معنى فلا تحمليها مايقع لنا فهي في دار القرار )
هكذا هي دائما ردينة عندما يصل الامر لأمها تنفلت منها زمام الأمر ...وتتحول لشرسة
..كانت تريد أن تخرج بعد أن ألقت كلماتها لتسرع ريدا في مسك يدها قائلة
(لم أقصد ذلك ردينة ..ولكن تفكيري مشوش ...ولا أجد تفسيرا لما يحدث)
لتعود ردينة في إحنتضان أختها مهدهدة لها بكلمات لا تفهم معانيها إلا هي ولتستسلم ريدا لنوم لم تكن تناشده لولا وجود أختها بجانبها
سحبت اللحاف تدثرها لتغادر غرفتها وبمجرد أن أغلقت الباب فاجأتها همسة وهي تسرع الخطى نحوها قائلة
(ردينة هناك إعصار يريد أن يراكي )
نضرت لها مستغربه لتسأل بتعجب
(إعصار!!!)
لتجيبها تلك التي عقدت ساعديها أمام صدرها
(شخص ما لا أدري مالذي فعلته لتحضريه هنا يتوعد ويتهدد وليس على لسانه إلا (أريد أن أرى تلك الساحرة)وأعتقد أنه يقصدك أنتي فليس ....)
وقبل أن تكمل همسة كلامها الذي ستسترسل فيه طبعا كعادتها وجدت أختها تعدو نحو الصالة لترى هذا الوافد فتبعت أثارها فهي تريد أن ترى ماذا سيحدث فأكيد هناك كارثة ستحصل
.....كان يقف وسط المنزل بعد أن أقتحمه مع صديقه ليصرخ بأعلى صوته
(أين تلك الساحرة الشريرة ؟كيف تتجرأ على تخريب أسرة بأكملها ؟أقسم بأنني سأحرق الأخضر واليابس وسأجعل هذا البيت رمادا )
ليحاول صديقه أنس ردعه قائلا
(توقف عن هذا الجنون يا شمس ودعنا نرحل من هنا )
صاح في وجه أبرار التي كانت تقف في الزاوية وقد هالها جنون هذا الشخص الذي لم تجد له تفسير والتي تركتها همس لوحدها متجهة راكضة للأعلى لتشعر بالرعب وهو يصرخ في وجهها بعد أن تقدم منها رغم محاولات صديقه عن ثنيه ليصرخ
(أين هي تلك الساحرة الشريرة س.......)
سمع صوت أنثوي يقول
(أنا هنا فأرجو أن تخفض صوتك فللبيوت أداب وعليك إلتزامها )
وقع نظره على الواقفة أعلى السلم بثوبها الأزرق الذي ينسدل من أعلى جسمها ليعطيها هالة من الهدوء الذي لم يكن يتمتع به هو بل زاده هدوءها ذاك هيجان ليقول
(جئت لأخبرك أنني سأكرس حياتي لتدميرك كما دمرتي عائلتي أفهمتي ؟)
قالت بصوت هادئ وهي تنزل درجات السلالم بهدوء تتبعها همسة التي تراقب الحوار بفضول بغية فهم الموضوع
(هل يمكن أن أفهم لما هذه النبرة العدائية التي تتكلم بها ؟فلم يسبق لي أن رأيتك هنا على ما أعتقد ؟)
ثار من هدوءها هذا ليصيح
(لم تريني سابقا ولكن أقسم بكل دمعة ذرفت من عينا أمي سأجعلك تتمنين الموت أيتها الساحرة الشريرة )
إبتسمت ردينة لتقول
(حسنا وصلت الرسالة يمكنك المغادرة )
ضل ينظر إليها تكاد عيناه تقدح شرار من هذه المستفزة ولكن لاتعلم من هو شمس سيجعلها تتمنى الموت ولاتجده ولكن صبرا جميلا ...فالإنتقام طبق يقدم باردا
برزت ريدا من أعلى السلم بعد أن سمعت الأصوات من غرفتها لتقول
(ماذا يحدث هنا ؟)
إستدار أنس بعد أن خطا خطوتين هو وصديقه الذي قرر أخيرا أن يغادر المنزل ليقع نضره عليها وليتجمد في مكانه ....لايعقل أن تكون هي...فتاة المقبرة ...الفتاة التي أصبحت تزور أحلامه منذ تلك الليلة التي رآها أمام القبر نائمة ...ضل يتأمل في تلك الحورية التي خيل له أنها فرت من أحد الكتب القديمة ليقطع هذا التأمل صوت صديقه شمس
(أنس تحرك أريد أن أتنشق هواء نقيا بعيدا عن هنا )
قال كلماته وأسرع إلى بابا المنزل مغادرا يتبعه أنس الذي طبعت في ذاكرته تلك الحورية ....فتاة المقبرة
إستدارت ردينة لتعود أدراجها إلى غرفتها لتستوقفها همسة
(هل يمكن أن نفهم ماجرى قبل قليل؟ ومالذي فعلته ليثور ذلك الإعصار علينا ويلعن بيتنا ؟)
أجابتها ردينة بهدوء
(كان في إمكانك سؤاله لأنه ليس لدي جواب عن أسئلتك همسة)
لتغادر المكان بينما هتفت همسة قائلة
(أترين برودها ...وكأن شيئا لم يحدث هنا ...وكأنه لم يحدث هنا قبل قليل معركة طاحنة أقسم أنني لو كنت مكانه لغرست سكينا في صدرها فهي مستفزة لدرجة لاتوصف مؤكد أن السحر الذي تمارسه له علاقة بما يجري )
رغم أن الموقف هال أبرار وهي متأكدة أنه لن يمر مرور الكرام إلا أنها حاولت أن تنسي تلك الهمسة ماحدث لتمسك أذنها قائلة معاتبة
(هل توجد فتاة عاقلة تتمنى ذلك لأختها؟ ...همسة أنت تعلمين جيدا أن ردينة ليست ساحرة )
تأوهت همسة لتقول وهي تحاول أن تبعد يدي أختها عن أذنها
(أبرار أنت تؤلمينني لن اعيدها أعدك )
مرت بعد هذه الأحداث أيام لتطوى كما طوت أحداث غيرها فمتى فارقت اللعنة بيتهن؟ وسخط الناس عليهن خاصة وأن الجميع يرينهن فقط بنات تلك الساحرة التي ذاع صيتها في البلاد ليطرق يوما بابهن حدث لم يكن بالحسبان ..............................يتبع
أنت تقرأ
لعنة متوارثة - الكاتبه فاتى
Romanceكل حقوق الملكيه خاصة للكاتبه فاتى جروب الخاص بالكاتبه على الفيس بوك : قصص وروايات بقلم فاتي (zahra dahmani) ** اقتباس** ....كانت تقبع في زنزانتها وحيدة كما إعتادت....تفكر في ماسيؤول إليه أمرها ....تعلم أن ذلك الشمس لن يتركها في حالها .....خصوصا بعد...