الفصل الثامن عشر

5.7K 200 0
                                    

.....ضل شاردا في ذلك الكلام الذي سمعه ...فرويدا لم تكن تعلم بوجوده لتدعي ماقالته ...لقد كانت مع أختها ...ريدا..التي تعتبر الأقرب إليها ...وهو متأكد أنها لن تكذب على أختها ...حسنا عليه أن يهدأ بالأول فهول ماسمعه جعل عقله يشل عن التفكير ...عليه أن يتأكد من مدى صدقها ....فزوجته تلك لديها من القدرة على مايجعله يتمنى أن يصوب مسدسا لرأسها لو واجهها مباشرة
كان الليل قد لاح في الأفق عندما عقد العزم على ذلك ولكن في البداية عليه أن يقوم بإبعاد زلفة عن البيت ليتسنى له أن ينفرد برويدا أخذ هاتفه ليتصل بنسر ولكن الأخير لم يكن الإتصال به متاحا ليقرر أن يستعين بجواد رغم أنه لايأتمن جانبه ولكن ليس لديه حلا آخر ليأخذ هاتفه ويتصل
كان جواد قد غير ملابسه ليبتسم وهو يرى تلك التي زفرت ضيقا وخجلا وحنقا كونها قطعت وعدا لأختها أنها ستدعه ينام في غرفته وعلى سريره لتهمس بصوت وصل إلى مسامعه
(تبا لك يا أبرار ليتني لم أستمع إلى نصائحك فأنا لا أحتمل وجودي معه في مكان واحد )
نهضت من مكانها لتتوجه إلى الباب ولكنه إعترض طريقها عندما أمسك بمعصمها وهو يقول
(إلى أين عزيزتي ؟)
حاولت التخلص من قبضته لتزفر أخيرا وهي تقول
(أتركني سأذهب لأشرب )
إبتسم ليقول
(قبل أن تعديني بأنك سوف تعودين لن أفعل)
زفرت بضيق بينما علا صوت رنين هاتفه لتقول
(دعني وأجب على هاتفك)
همس لها وهو يقترب
(المتصل ينتضر ولكن زوجتي لايمكن أن أجعلها تنتضر )
إحمرت أرنبة أنفها من الغضب لتقول
(أفلت يدي لن أهرب سأعود أعدك )
تركها لتسير نحو المطبخ وهي تلعنه بينما أجاب هو على هاتفه
(أووووووه سيد شمس أكيد أنك تتصل لأجل زلفة )
أجابه شمس
(إسمعني جواد إفعل أي شيئ تمنع به مجيء زلفة للبيت ولك مني ماتريد )
رفع جواد حاجبه إستغرابا وهو يهمس
(هل ألقت أخت زوجتي سحرها عليه ياإلاهي لقد صحت توقعاتي لديها قوى خارقة )
سمع شمس يصيح
(جواد أين ذهبت ؟)
أجابه جواد
(أنا هنا قلت أنك تريد مساعدتي ...سأساعدك طبعا ولكن عليك أن تحتمل ضيافتي في بيت المصيف الذي تملكه لي ولزوجتي أسبوعين )
أجابه سمس
(لك ماتريد فقد إفعل ذلك دون أن تحسسها بشيء سأعتمد عليك )
أقفل بعدها الإتصال ليهمس جواد
(كل الأمور تسير لصالح زواجي يارب شكرا طلبت فيضانا ولبيتني شكرا جزيلاو.......)
وقبل أن يكمل كلماته توقف ليقول وكأنه يتذكر شيئا
(...المطبخ ...همسة .....لا)
ليسرع خطواته نحو المطبخ وليجد همسة قد جلست على الطاولة وهي تغط في نوم عميق كونها تناولت من قرورة الماء الذي تعمد أن تشرب منها زلفة ليهمس وهو يحملها
(اللعنة عليك يارويدا وأنت أيضا يا شمس أعلم أن مساعدتكما لي لم تكن خالصة لوجه الله )
ليتوجه بعدها إلى غرافتهما حاملها ينضر إليها بهيام وعشق ويبتسم بخبث وشيطنة فحتى وهي نائمة تعطيه الشعور بأنه مهما أحبها فهو قليلا في من مثلها
***
عاد إلى منزله بعد أن جاب أنحاء البلد يفكر في كيفية لمواجهتها ...بعد أن سمع مالم يتقبله عقله ..هل يعقل أن تكون رويدا صادقة في ماقلته له ؟ضرب المقود ليلعن تلك الكلمات التي علقت في ذهنه ..ضل مدة زمنية لابأس بها وخانته عيناه فأدمعت مرة أخرى ...ماذا لوكان كلامها صحيحا ؟كيف سيتقبل ذلك؟كيف سيتعايش مع هذه الحقيقة
ولكن نفض هذه الأفكار من عقله فهذا ليس وقته فالليلة عليه أن يعرف الحقيقة كاملة ..كيف ؟لايعرف ...المهم أنه عليه ذلك
توجه إلى البيت يزفر بقوة يتمنى من كل قلبه أن تكون أحد مقالب زوجته العتيدة ...ليتها تكون كذلك ليفتح الباب ...ويتفاجأ بها جالسة تشاهد في التلفاز وأول ما رأته توجهت مسرعة الخطى نحوه لتقول
(أتيت حبيبي؟)
لم يعلق على كلماتها تلك وهذا ما إستغربته فلجأت إلى لف عنقه بذراعيه لتتقرب منه أكثر وهي تهمس له وكأنها تحاول أن تثير غضبه
(ماذا ؟هل أصبحت أروقك؟)
لم يتكلم بل كل مافعله نضراته التي لأول مرة تربكها لاتعرف لماذا ولكنها أحست أن هناك خطب ...لتحاول أن تبدأ خطتها لليلة ...أمسكت يده وسحبته نحو ماكانت تشاهده ليشاهد نفسه وهو صغير صوره صوره مع أمه أو تلك من إعتقد دائما أنها أمه ....صوره معها ..لقد إستطاعت أن تعيد له شريط حياته أمامه ...لتبتسم هي وهي تقول
(أنا لم أقدم لك هدية الزواج لذلك أضنها تفي بالغرض فطفولتك حقا مثيرة للجدل )
لتطلق ضحكة رنانة بينما نضر إليها بنضرات غامضة قبل أن يسألها
(رويدا كيف كانت طفولتي ؟)
وكأنه فاجأها بسؤاله ليكمل
(أتعلمين شيئا ؟)
نضر إليها وعيناه غامت بنضرات لم تعهدها منه إنه حقا مريب هذه المرة
(أنت الوحيدة التي ذكرتني بها ...)
إبتسم وكأنه يعود إليها ليقول
(كنت بدين ...منبوذ من نصف بنات البلدة...كنت أطاردهن كضلهن أشحت منهن اللعب ونضرة إعجاب أتتذكرين؟)
عباراته ....حالته ....كل هيأته أنبأتها أن هناك خطب به ...فهي الآن ترى ذلك الطفل في ملابس زوجها ...تفاصيله نبرته معها التي تغيرت ..حاولت أن تنتقي كلماتها حتى لاتضهر متأثرة ولكن هيهات فخرج صوتها متأثرا بحالته لأبعد الحدود لتقل
(شمس مالذي يحدث معك ؟)
نضر إليها ليربت على مكان الذي بجواره بيده يدعوها للجلوس وهو يقول
(تعالي هنا وسأخبرك )
لأول مرة تتردد ولكن فضولها دفعها لتقرب منه والجلوس بجانبه لتسمعه يقول
(لم أكن أعلم أنني سأعيش طفولة تعيسة وحياة أتعس ...ماذا فعلت في حياتي أخبريني ؟)
كل ماجال في خاطرها إقدام فيروزة على إخباره بأنها أمه ولكن كيف؟ وهي لم تعد تضهر منذ فترة لتنفض هذه الأفكار من رأسها ولتقول بلهجة أودعتها بعض خبثها تريد فقط أن تعيد أمجاد ذلك المغرور المتغطرس
(كيف تقول أن حياتك تعيسة وأنا فيها )
نضر إليها ليقول
(يبدو أن كلامك صحيح )
لا لقد زاد الأمر عن حده لتقف وهي تصيح
(شمس لاتعاملني بهذه الطريقة ...قل لي ماذا تريد ؟)
نهض ليقابلها مواجهة وهو يقول
(زوجتي وأفضفض لها أليس هذا من حقي ؟)
كلمة زوجتي فقط هزتها ...إعتادت على إغاضته ..إعتادت على جانب العدواني فيه ...لتقول بتوتر
(شمس كفى عن ذلك أرجوك )
إقترب منها لتبتعد ليقول
(عن ماذا أكف ؟)
زاد إقترابه ليزيد بعدها وهو يقول
(أتعلمين أنت الوحيدة التي بينت لي حقيقة فيروزة ...خالتي ...لم أعتقد انها ستستعملني لأغراض دنيئة ....لإنتقامها )
شهقت ووضعت يدها على فمها لتقول
(هل أخبرتك؟)
زاد قربه منها في سهوة منها ليقول
(نعم وأخبرتني أيضا أنها كان كل ذلك بمساعدة زلفة تلك التي إلتقيت بها بأمرها ...وكذا ذلك الإبن الذي إسمه سراف )
أسرعت في القول
(لا سراف لا يعلم شيئا أقسم لك ...هو لم يعلم إلا منذ أيام ...لذلك إضطر إلى إعلان زواجه من أختي ليحميها فلا تلمه ...خالتك التي خططت لكل ذلك )
هتف فيها قائلا
(رويدا لاتحاولي تبرئة زوج أختك من التهمة فالكل جعلني لعبة له ولن أسامح أحدا )
تعلقت يداها بقميصه وهي تقول
(شمس صدقني سراف يعتبرك أخ له ..ولطالما إعتبرك كذلك ولكن فيروزة دمرت الجميع حتى إبنها لمجرد أنها تنفذ غلها وحقدها الدفين ضدنا نحن بنات شامة وشامة قبلنا ...لقد عانت أمي الويلات بسبب ذنب لم تقترفه ...فلقد كان زوج خالتك متيم بها لذلك عملت على الإنتقام منها ونجحت ولكن غليلها لم يشفى لأن أمك ماتت بعد ذلك والسبب هو أن أمك مرجانة لم تحتمل أن تحمل ذنب أمي لأنها وافقت خالتك على مخططاتها لتموت قهرا فحملتنا مرة ثانية إثم ذلك )
لتقول بنبرة مقهورة ودموع مهددة بسقوط
(قتلو أم لأربع بنات أكبرهن تسع سنين وأصغرهن رضيعة ذات العامين ..وجدت نفسي إبنة ساحرة وصب الناس غضبهم ولعناتهم علينا ...ولأنني كنت أكبرهن لازال كل ذلك محفورا هنا )
كانت تقول ذلك وهي تشير لعقلها لتشير إليه بعد ذلك وهي تقول
(لم أكن أوفر منك حضا على الأقل أنت وجدت عائلة..بيت تلجأ إليه بغض النضر عن من فتحت لك بيتها فهي تبقى خالتك ...أنا وأخواتي لم نجد أحدا خاصة بعد أن أقدمت خالتك على إحراق بيتنا لتجعله كومة قش محروق .......)
أحس بقهر وهو يراها بهذه الحالة كل قصده كان تأكيدها لصدق ماقالته ولكن ماحمله جوفها كان أكبر مما يتصور ليضع يده على فمها وكأنه يمنعها من الإسترسال في مايؤذيها لأنه يحس بذلك فرويدا الساحرة رحلت وحلت محلها الطفلة ذات تسع سنوات التي ذاقت الأمرين ...وأسند جبينه لجبينها وهو يقول
(كفي عن قول ما يأذيك )
أحس بسائل دافئ يحط رحاله على يدها ليغمض عيناه فلم يتصور أنه سيلمس ضعفها يوما ...أو سيرى دموعها وأنه لطالما أحب رؤيتها فلما الآن يحس بألمها أكثر من ذلك لم ينتبه لدمعته التي فرت غصبا عنه لتبلل جبينها ...هذا ماجعلها ترفع رأسها وكأنها تتأكد من شيئا ولكن بدل من رأية ماكانت تريد رؤيته ...لامست شفتيها شفتيه لتتورد خديها بطريقة جعلته يتفاجأ من تحول هذه الرويد إلى أنثى يكسوها حياء فطري وقبل أن تعود العواصف لتهب من جديد على قلبين أثكلهما الماضي ولعنته المتوارثة وجد أنفاسه تختلط بأنفاسها ..ربما حبا...ربما إحتياجا ...ولكن ماهو مقتنع به أن كلاهما مجروح وعليهما مداواة جروح الأخر
***
جلست تفكر في الحديث الذي دار بينها وبين أختها لطالما رأت أختها قوية ولكن اليوم أحست بأنها بحاجة إليهن لطالما كانت تلك الفتاة القوية التي يستمدن منها قوتهن دائما ...أحست بقهر وهي تحس أنها ضلمتها في متهمتها بالحالة التي وصلت إليها ...تحملها فوق طاقتها ..ألم يشفع لها تربيتهم و تلك الحياة البائسة التي عاشتها طفلة في مثل عمرها لتنزل دمعة وتتلوها الأخرى ..لتجده ينحني بجانبها يمسح بأنامله تلك الدمعات لقد عاد منذ فترة وهو يراقبها ولكنه لم يتحمل أن يراها حزينة هكذا وقبل أن يتفوه بشيء ...أو حتى يسألها عن حالها تلك وجدها تسرع إليه ترتمي في حضنه وهي تقول
(سراف أنا بحاجة إليك فلا تتركني )
ليأخذها بين أحضانه وهو يقبل جبينها مهدهدا لها هامسا لها في كل مرة
(لا تقلقي فلن أضيعك بعدما وجدتك )
***
تسطح بجانبها يبتسم تارة ويقبل أرنبة أنفها طورا ..لطالما عشق هذه الفتاة بكل ماتحمله من تهور وحماقة ..إمتدت يده إلى سوسة فستانها ليتراجع وهو يقول
(أتصورها وهي تقول (وقح ..وقح .كم أنت وقح )فلما لا أتركها تتصور الوقاحة على أصولها )
ليبتسم بعد ذلك وهو يشرع في ماسيثير جنون محبوبته طبعا هذا إذا لم تحمل السكين وترديه قتيلا فإعتماده على أبرار سيجعله يكسب ولكنه على الأمد الطويل وهو يريد أن يقطفها الآن ...
***
دخل غرفته بعد عناء طويل ليجدها تغيرت ...كل شيء فيها يوحي بأن هناك لمسة الأنثى فيها..تلك الستائر الذهبية ..وباقات الورد التي زينت الطاولتين الصغيرتين التي وضعت إحداهن على طرف السرير والثانية على الطرف الآخر ..ليقع نضره عليها وقد إتخذت مكان الأيسر مكانه المفضل ليبتسم ...وبالقرب منها منامته السوداء الحريرية ...هاهي أنثى تقتحم حياته...أنثى نعرف كيف تشغل تفكيره وتأخذ حيزا من إهتمامه ....ليأخذ منامته ويتوجه نحو الحمام بينما فتحت عيناها لتتفاجئ به
................إنتهى الفصل الثامن عشر .........  

لعنة متوارثة - الكاتبه فاتىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن