الفصل الاول

587 19 25
                                    

كان ذلك اليوم هو الاول من شهر اكتوبر وهو ايضا بداية موسم الخريف ، الفصل الذي تمقته بشدة ، ولا تستطيع تحمله ، بسبب ما مرت به من ظروف قاسية جعلتها تغير نظرتها المتعلقة بالأشياء و الاماكن والناس وحتى ما يتعلق بالفصول السنوية ، او ربما فقط تبغضها رؤية اغصان الاشجار عارية من اوراقها الصفراء ، فلطالما كانت تبدو بنظرها كالأشباح العملاقة ، خالية من الروح و الحياة ، وايضا فصل الخريف يعني موسم الاعاصير و هطول الامطار بغزارة تفوق الوصف وذلك ما يؤرقها أكثر ...

ورغم هذا لم تكن لتدع الخريف يسلبها فرصتها الذهبية للحصول على هذه الوظيفة التي كانت تحلم بها منذ زمن طويل ..

- هارونا يوجي . ناداها احدهم بصوت غليظ

- نعم . ردت بتوتر

- حان وقت مقابلتك . أخبرها بنبرة جافة .

كانت خائفة كثيراً و متوترة وهي ترى لجنة التقييم تقرأ سيرتها المهنية ، ويتهامسون فيما بينهم ..

- هممم إذاً كنتِ صانعة كعك و نادلة ؟ قال لها أحدهم وهو يمسك طرف نظارته الطبية .

- عفوا سيدي ، لا زلت صانعة كعك و نادلة . ردت بصوت مترجف .

- وعمرك 24 صحيح ؟ سألها

- صحيح .. همست وهي تومأ

- وليس لديك اي خبرة في مجال التقنيات ؟

- نعم ، للأسف . قالت متلعثمة

مسحت بضع قطرات من العرق الذي سال على جبينها , شعرت في تلك اللحظة انهم سيرفضون ..

وبعد دقيقة صمت استغلتها اللجنة في الهمس فيما بينهم , جاء الرد الذي توقعته منذ البداية :
-نأسف منك ولكننا لا نستطيع توظيفك معنا .

كانت هذه اول مرة تشعر باليأس بهذا الشكل ، فطوال حياتها لم تفقد الامل يوماً ، كانت مثابرة و مجتهدة دوماً وتسعى الى تحقيق كل ما تطمح اليه ، إلا انها اليوم استسلمت لحالة اليأس التي ألمت بها ، صادف وقت خروجها من باب الشركة هطول المطر بغزارة ، وكأن هذا ما كان ينقصها لتزيد معاناتها ..
شعرت بالوهن و نقص في الطاقة لذا جلست القرفصاء قرب بوابة الشركة وهي تتأمل قطرات المطر التي تسقط على وجهها بإستسلام ..

بدأت الريح تعصف بشدة مع تزايد زخات المطر وقد تطايرت اوراق سيرتها الذاتية على الارض المبللة ، في تلك اللحظة لم تبد أي اهتمام فقد شعرت ان كل شيء قد انتهى بالنسبة لها ، فكرت ان عليها الان العودة الى كيوتو فلم يبقى لها شيء في طوكيو ..

تذكرت كيف وطأت قدميها مدينة طوكيو لأول مرة ، قبل 3 سنوات عندما كان عمرها 21 سنة ولم يكن قد مر على تخرجها من معهد كيوتو للتكنولوجيا شهر كامل .
جاءت الى هنا وهي مفعمة بالأمل لتلتحق بوظيفة احلامها في تطوير التقنيات ، وتصبح مطورة تكنولوجيا محترفة ، لكن خابت جميع امالها عندما لاحظت مدى صعوبة الحصول على وظيفة في هذه المدينة المزدحمة بالناس , حلمها كان مجرد وهم لا مجال لتحققه , فالحصول على وظيفة مرموقة لا يحدث بنفس السرعة التي تخيلتها ، لذلك كان لا بد لها من ايجاد عمل بسرعة , لتجاري سرعة الحياة ، فبدأت تعمل صباحاً في محل لصنع الكعك والحلويات ، سرعان ما اكتشفت ان عملها هذا لا يكفي حتى لإيجار الشقة التي تعيش فيها ، لذا عملت نادلة في أحد المطاعم مساءا ..

انتظار الخريف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن