2.7.2018

132 17 13
                                    

اليوم ذهبت إلى المسجد صباحاً نجلس في حلقات على الأرض كل أستاذ يسند ظهره الكهلة على أحد الأعمدة ، نجلس حوله كفراخ البط يتقدم كل رجل او شاب او طفل جاهز للتسميع للأمام ، بينما يجلس البقية إما يراجعون معاً حفظ أجزائهم المتماثلة أو يثبتون حفظهم كل واحدٍ على حدا إلا أنا ، فقط أحدّق في الوجوه .. أحفظها .. أحفظها كحفظي لكل التفاصيل المملة في حياتي ، لأعود إلى المنزل و أتذكر ما رأيته .. أتخيلهم بأشكال غريبة أكون منهم شخصيات اكلمها في منزلي و أضحك على نفسي ..

لا تظنوا ان مجتمع الرجال يختلف كثيراً عن مجتمع النساء ، صدقوني بعض الرجال أسوأ من مئة جلسة نساء يغتبن بعضهن بعضاً ، اليوم كنت جالساً وحدي - بعد ما قررت أن أعزل نفسي بما أنني لم أجلس يوماً وحيداً في المسجد إلا اليوم - فجلس بجانبي ثلاث شباب من غير العرب تتفاوت اعمارهم بين أواخر العشرينيات و منتصف الثلاثينيات ، يحاوطونني و أنا على دراية بما جاءوا من أجله ، ليطلبوا مني طلبهم المعتاد : السلام عليكم فاني - اسمي الحقيقي ليس فاني ولكن لأضعكم في الصورة- هل يمكنك أن تنصت لقرائتنا ؟

هنا توقف بي الزمن و سألت نفسي .. من أين بدأ كل هذا ؟!

تذكرت من إسبوعين او أكثر تقريباً أتى إلى أستاذنا أستاذٌ قديرٌ هو المسؤول الحلقات و برامج الحفظ و كل هذه العمليات في المسجد و انا علاقتي معه جيدة نوعاً ما فهو شديدٌ جداً و أنا الوحيد الذي يمازحه و يتعامل معه بعفوية لدرجة انه معي فقط يضحك لدرجة إحمرار وجهه ، لذا أتى إلى أستاذنا و هو رائع بالمناسبة ، يعطيك طاقة إيجابية و روحية تتسع لمجرة درب التبانة أُس مليون ، فقال له نادي لي فاني
و بالطبع الأستاذ فعل و انا سمعت انه قال له نادي فاني و لكنني انتظرت ان يناديني و عندما حضرت ابتسمت و كانوا قد وقفا بعيداً عن الحلقة قليلاً و كانه حديث سري فاستغربت فقال لي المسؤول هل تعلم لما ناديتك ؟
فأجبته : أجل أعلم ، من أجل غيابي الزائد ، كنت سآتي و اعتذر منك صدقني أنا أصبحت اتعكر إن لم ادخل المسجد لذا يمكنك ان تقدمني أضحية العيد القادم ان غبت مجدداً ما رأيك ؟

فضحك و قال لي و هو ينظر إلى استاذي: انظر كيف ان طالبك هذا شخصيته قوية يبدو انه سيأخذ مكاني قريباً ، على العموم فاني غيابك ان تكرر سأخنقك و لكن ليس هذا موضوعنا ، أحضرتك لكي آخذ رأيك بأمرٍ تناقشنا به انا و معلمك .

فنظرت له و قلت بثقة و تسرع كعادتي : إذا تناقشتما به كلاكما فأنا موافق قبل أن أعلم ما الأمر .

فضحك و قال لي : يا ابني انت غريب ألا تريد ان تعلم ما هو ؟ ربما أريدك أن ..

و لم ادعه ليكمل جملته فقلت له بكل ثقة و جدية : و الله إن أرسلتني إلى الموت سأذهب ، لن أرفض لك و لمعلمي طلب فبفضلكما بعد فضل الله انا هنا لذا انا معكما فأي قرار .

و عندها أصبح جاداً و قال لي : إذاً سأسجل اسمك عند الأوقاف لتسجل رسمياً كمعلمٍ للقرآن بدل طالب ، اي ستصبح انت و أستاذك في نفس المكانة .

طريق سماوي {جنا} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن