3.7.2018

91 12 7
                                    

الآن عدت جَنا أشعر أنني والدك
المهم اليوم ذهبت إلى المسجد جلسنا حول معلمنا من أجل سرد الأربعة اجزاء كما اعتدنا كل واحدٍ فينا يتلو صفحة و هكذا حتى ننتهي إلا انه فاجئنا اليوم بأسئلته الوزارية فرأيت أمامه ورقة و كدافع ممتزج بين القلق و الفضول اختلست النظر دون أن يرني أحد و انصدمت بأنه كان قد كتب أسئلة على ورقة A4 على الوجهين من الورقة و في كل سطر آية من سورة معينة كتب بجانبها اسم السورة حقاً تفاجئت و ابتسمت ، كم هو مخلصٌ هذا المعلم قضى كل أمسه يكتب أسئلة لنا حتى يعلمنا بشكل ممتاز .

بدأ بالسؤال من اليمين إلى اليسار كعادته كنت السابع في ترتيب الجلسة و عندما سأل سؤاله الأول للشخص الأول أخطأ الطالب في التلاوة هذا الطالب في الأربعين من العمر فنظر إلي و قال لي "فاني صحح له " و انا لم اقرأ من الأربعة اجزاء سوا أول 5 صفحات و لكن سبحان الله لا اعلم كيف كنت اعرف الإجابة فصححت لزميلي ثم جاء دور الذي بعده فأيضاً أخطأ فقال الأستاذ للشخص الذي بجانبي : "ردّه" فردّه بآية مختلفة فنظر لي الأستاذ وقال : "فاني ردّهم" فرددتهم !
و الله شعرت بالراحة و السرور بطريقة مفاجئة أعني أنني و الله لم أقرأ سوا 5 صفحات فقط لذا بقيت أحمد الله على كل ما حدث .

أتى الدور علي فسألني فتلكأت و تأتئت فقال الذي يجلس بجانبي : " للتو كنت تردهم ماذا أصابك ام انك تصحح فقط لغيرك و عندما يأتي الدور عليك تخطئ ؟ "
فرد عليه الاستاذ : " إذاً رده يا فلان "
فلم يعلم ما الآية التالية فقال للحاضرين " ردوه " فلم يردني احد لانهم لم يعلموا ما هي الآية التالية فنظر إلي المعلم و قال لي : "فاني ركز بالآية و أعد من البداية" فقلتها كلها بشكل صحيح و بعدها سأل الذي بجانبي سؤال وزاري يا الهي كنت سأموت عنه قال له : " أذكر لي كل المواضع التي أتت بها آية كلوا و اشربوا هنيئاً في الأجزاء الأربعة مع ذكر اسم السورة"

كان حقاً سؤالاً صعباً ، بعد مدة نظرت خلفي فوجدت المسؤول عنا يجلس لوحده فاغتمنت الفرصة و استأذنت معلمي للذهاب إلى الاستاذ المسؤول عنا و جلست معه على طاولة و بدأته الحديث قائلاً : " استاذ جئت لأكلمك انت تفهمني جيداً و انا افهمك و انت بمقامي والدي حفظه الله و إياك انا أحب هذا المسجد و احب الاساتذة القائمين على تحفيظنا و تعليمنا و لكن جو الطلاب هنا اكرهه بل امقته و لم اعد أقدر على تحمله لذا أريد أن أستأذنك بأن تعفيني من كل الطلاب الذين اساعدهم و أن تسمح لي بالتسميع و الذهاب فوراً "

فقال لي : " اسمع فاني بني انت شاب متعلم و اغلب الموجودين هنا من بيئات جاهلة و أميّة لا تدعم يأثرون عليك ، أنت لم تعش حتى ! مازلت شاباً و لم ترى شيئاً بعد "

استفزني قوله فقلت له : " لم أعش بعد ؟ كل هذا يا أستاذ و لم أعش ؟ الحياة تتعلق بالظروف و ليس بالعمر ، ثم إنني آتي بدافع حالة إيمانية معينة و كلامهم يعكر صفاء هذه الحالة ، اتيت لاختم القرآن لا لأن أخوض جدالاً تافهاً عقيماً لا طائل منه مع رجالٍ بعمر والدي ! "

اجابني : " معك حق لذا حجمهم أي اعطي كل إنسان حجمه ، الجاهل عامله كجاهل ، الأمي عامله كأمي ، و هكذا ، لا تتعب نفسك بهم اجلس لوحدك و ابتعد عنهم سمع جديدك لاستاذك و اذهب و انا كنت سأغير مجموعتك على أي حال و لكن إياك و ترك المسجد بسبب هؤلاء الجهلة ، تعلم القرآن لا يصل حتى إلى حناجر البعض لذا لا أريد أن يكونوا هؤلاء سبباً برحيل متعلمين و طلبة علم مثلك ، اصبر قليلاً و سأساعدك ، فحتى ان اتعرض لمضايقاتٍ منهم ، تخيل أن أحدهم صعد معي فجأة إلى السيارة و قال لي خذني إلى السوق أحتاج لشراء بعض الخضار ! الناس غريبون لذا ترفع عنهم و تحملهم "

فأجبته " أنا مازلت في العشرينات لما أتحمل من هم بعمر والدي و جدي بينما هم من يجب عليهم تحملي ؟! سأفعل هذا من اجلك فقط و لكن أعلم فقط يا أستاذي أنني أكاد أختنق من كل شيء في حياتي و هم يزيدون الوضع سوءاً "

تحدثنا قليلاً ثم عدت إلى مجموعتي استأنف مراجعتي ، فقال لي أحدهم : " هل انتهيت من التسميع مع الأستاذ المسؤول ؟ " فتجاهلته
نظر إلي استاذي و قال مازحاً : " فاني بما انك غادرتنا لتعقد اجتماعك مع الأستاذ المسؤول سأقتص منك لذا جهز نفسك " و سألني بعدها 8 أو 9 أسئلة كدت أموت

فقال لي مراجعتك ممتازة !
و فيما كان زميلي يسرد بداية سورة الحديد أخطأ في اول آية فبدل قوله "سبح لله مافي السماوات و الأرض" قال " يسبح لله مافي السماوات و ما في الأرض" فأوقفه الأستاذ و صححنا له فشرحت لزميلي الفرق بين سبح و يسبح و الفرق بين الأرض و ما في الأرض فسمعني الأستاذ المسؤول و قال لي أعد ما قلته و جلس معنا فتوترت لأن منظري لا يوحي أبداً بأنني أقرأ او مسلم حتى فخفت أن (أجيب العيد) فأعدت على مسامعه ما قلته آنفاً فقال لي : " ممتاز ، هذا ما اريده من الجميع ، كل يوم مراجعة ستتحدث انت عن آيات متشابهة في علم البلاغة و البيان و تقوم بشرحها للطلاب "

كنت ساضرب رأسي بالجدار و انا انظر له نظرة استغراب ، أعني اكنت تنصت إلى ما حدثتك عنه قبل دقائق ؟!

و زاد حنق بعض الرجال علي و اسمعوني بعض الكلام ، عن انني أدعي الفهم في امور دينية و انا لا صلة لي بالدين ظاهرياً ، فكما قلت لكم سابقاً شعري و أسلوبي في الملابس و منظري بشكل عام يوحي بأنني من الشباب الذين جل همهم هو الفتيات و المال .. أعلم انه شيء مهم بالنسبة لي في الحقيقة فأنا لا أستطيع العيش دونهما و لكن سأضحي بهما فوراً إن كان هذا في سبيل خلاصي من هذه الدنيا النتنة .

و في الأخير كالعادة بعد مغادرة الأستاذ قال لي أحدهم : "ما الذي كنت تفعله عند الأستاذ الكبير هاا قل لي ؟ "
فنظرت إليه مستهزءاً و قلت : " كنت أطبخ "
فسمعنا رجل قدير أحترمه بشدة هو معي في المجموعة فتشاجر معه مدعياً المزاح فقال له : " و أنت ما شأنك بما فعلاه معاً ؟! دع الخلق للخالق و اهتم بشؤنك الخاص و لا تتدخل فيما لا يعنيك مجدداً "

تركتهما و خرجت مسرعاً قضيت بعض الأعمال و اشتريت بعض الحاجات و عدت لأروي لكِ ما حدث و أنا أشرب مشروب الطاقة .

أشعر بالراحة الآن .. يبدو انكِ تدعين لي .. شكراً لكِ و للجميع هنا .

فاني ..

طريق سماوي {جنا} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن