12

2.1K 346 168
                                    

ارتديتُ حُلة إنجليزية رمادية داكنة فخامتها تليق بلقاء مادونتي ليزا.

أرسَل لي السيد برنارد سيارة تُقلّني للمتحف ولم " أخجل " من أن أُحضِر لوحَتي الشخصية كما بدى للسائق.

وبسبب أنوار باريس الساحرة - التي لمحتُها من نافذة السيارة المُتحركة - أخذَت ذكرياتي الرومانسية في هذه المدينة المُشاكسة بالبروز من مخابئها ، يبدو أن رحلتي لباريس هذه المرة كانت غير موفّقة ؛ أولاً أتورّط في مهمة لإنقاذ الموناليزا من السرقة ، وثانياً كُل ما كدحتُ خلال السنين الماضية لنسيانه أخذ يعود لذاكرتي مُجدداً.

حديقة بيلڤيل ؛ حيث أرتني رقصاتها الرشيقة التي تملّكَت أحلامي وقضّت مضجعي لليالٍ طوال متتالية. مستشفى سانت لويس ؛ حيث ركضتُ ليلاً له وأنا أحملها هالكة بين يدي لنكتشف أنها كانت حامل .. كانت. ذلك النادي الصحي الذي اِدّعينا فيه أننا " زوج صحّي " تبعاً لاقتراح الزوجين نوار ، وبعد أن انتهينا من جولة مُرهِقة في ذلك النادي الرياضي - كافأنا أنفسنا بوجبة دسمة في مطعم الفندق الشمالي.

توالَت الذكريات مع كُل دقيقة تمُر وكان السائق يلتمس مشاعري التي ملأت السيارة ، " أرى أنّك ما زلتَ من عشّاق باريس سيّدي " قال السائق بفرنسية مُهذّبة.

أبديتُ استغرابي ليلمح ذلك في نظراتي المُنعكسة في المرآة ، قال " يبدو أنك لا تذكرني سيدي ، أنا جين-جويل ريبيرت "

حاولتُ تذكّره بصعوبة ليقول ماءً يزيد الطينة بلّة - " لقد كُنتُ السائق الذي أقلّك في آخر مرة جئت فيها لترميم اللوحة ، كانت معك الآنسة إيڤا ستاشفّر حينها "

بدى القتوم واضحاً على وجهي وأومأتُ له بأنني تذكّرته رغم أنني لم أفعل ؛ فقط أردته أن يصمُت قبل أن يزيد الوضع سوءً. ألقى بضعة نظرات نحوي عبر مرآته ثم قال " تلك النظرات التي كُنت تُلقيها نحو باريس قبل قليل .. لقد كانت نفسها التي كُنت تُلقيها نحو الآنسة إيڤا تلك المرة ؛ لقد كُنتَ تنظُر للآنسة إيڤا كما لو أنها مدينة النور " حسناً أعرف ذلك ، اصمُت أيها الثرثار.

حلّ الصمت قليلاً قبل أن يَفتَح جُرحاً آخراً قائلاً " لقد بدوتما رائعين معاً ، تليقان ببعضكما البعض كالجُبن والنبيذ " أعلم ، كل ما في الأمر أنها اكتشفَت أن جبنة أورميا ليست نوعها المُفضل .. رغم أن نبيذ سانت-إمليون هو نوعي المفضل من النبيذ ..

وصلنا أخيراً أمام الهرم الزُّجاجي لأنجوا بجلدي من ذلك الثرثار ، رحّب بي السيد برنارد عند باب الهرَم واستغرب حملي للّوحة ، أجبتُ ببساطة - " لدي عملٌ جديد وأحتاجه أن يتم في أسرع وقت ؛ ولهذا قررتُ العمل عليه قليلاً هنا بين فترات اِنتظاري لجفاف الزيت على الموناليزا "

قال السيد برنارد باستغراب مُهذّب - " ولكن لدينا بالداخل أحدث التقنيات التي تساعد في جفاف الزيت بسرعة ، لن يستغرق الأمر الكثير "

في أحضان اللوڤر | In The Louvre's Embraceحيث تعيش القصص. اكتشف الآن