الفصل الخامس

358 24 45
                                    

خفت شعورها بالألم إلى حد ما و الفضل في ذلك راجع إلى المسكن القوي الذي أعطاه لها الطبيب بصورة مؤقته .

و رغم أنها استعادت رباطة جأشها و تماسكها إلا أن توترها بدا جلياً للعيان .

كانت ابتهال تجلس بترقب منذ بعض الوقت في إنتظار نتيجة الأشعة التي أجراها الطبيب على رسغها ... بعدما أخبرها أن إصابتها قوية و قد تحتاج إلى تدخل جراحي .

شاركها انتظارها يوسف و محمود .

الأول الذي ارتسم الجزع على صفحة وجهه و هو يواسيها بثرثرته التي بدت طفولية رغم محاولته للتجلد... إلا أنها كانت ممتنة له فقد شتت تفكيرها عن الألم النابض في ذراعها.

و محمود الذي جلس بعيداً عنهما غارق في شروده ... ملتجئ إلى صمته و هو يتفحص جدران المشفى الكئيب بشحوب .. فبدا تحت نظراتها المختلسة و كأنه يحارب وحش خرافي يجثم على أنفاسه .

لكل منا نقطة ضعف .. و كانت النقطة الأضعف لدى محمود هي زوجته .. و بموتها تحول ضعفه لإنكسار لم يجبره الزمن ... هذا ما أدركته ابتهال و لكن بعد فوات الأوان .

تلك الحقيقة ترسخت لديها بعدما اقتربت منه حد الإحتراق .. و الآن هي تعاني .

تعلم أن معاناتها لن تطول بسبب عناده و قوقعته التي حفظ بها روحه بعيدا عن هذا العالم و لكنها الشفقة عليه هي ما تعتصر فؤادها بقسوة .

إنتبه ثلاثتهم بتحفز حينما استدعتهم الممرضة لغرفة الفحص مرة أخرى.

دخلت بترقب يتبعها يوسف ثم محمود الذي تلكأ قدر الإمكان .

طلب منهم الطبيب الجلوس ثم قال بعملية تامة :

" كما توقعت .. الأشعة أظهرت أن هناك خلع في الرسغ .. الجيد في الأمر أن التمزق في الاربطة لم يكن بدرجة كبيرة لذا لن نحتاج إلى جراحة "

أتبع قوله بالفعل حيث باغت ابتهال بالقبض على ذراعها المصابة و بحركة مدربة أعاد العظام المخلوعة إلى مكانها .

ربما أخذتها المفاجأة لتجنبها ألم الترقب و لكن الصرخة التي افلتت منها لم تكن بالحسبان .

و لكن ما جعل الخجل يعتريها بحق هو ما فعلته في غفلة منها ... حيث قبضت على يد محمود الجالس بجوارها تعتصرها بألم .

و حين انتهى الطبيب و بادر إلى تثبيت رسغها بجبيرة انتبهت و حاولت سحبها و لكنه منعها من ذلك .

حيث احتوى كفها الصغير بكفه الكبيرة الدافئة يبثها بعض من الطمأنينة .

إلا أنها لم تشعر بذلك ... و الدليل كان ارتجاف كفها خجلا و توترا ... و في الخلفية تلاعب بداخلها شعور بالذنب .

انتهى الطبيب و ثبت الجبيرة حول ذراعها ثم علقه إلى عنقها .

كان يعطيها تعليماته حول الإهتمام بالجبيرة و مواعيد أدويتها و في تلك اللحظة اقتحم والدها غرفة الفحص .

في الحب انتِ استثناءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن