انتبه محمود من غفوته القصيرة مفزوعا فقد راوده كابوس مروع .
و لكن ذلك لم يثر تعجبه بعد أحداث الليلة الماضية.
و تلقائيا وجد نفسه يعود بأفكاره إلى ما قابله حينما خرج من المنزل ليقاطع الجدل الدائر بين شقيقته و زوجها ... متسائلا بهتاف أخرس كلاهما :
" ما الذي يحدث هنا ؟ "
و لم يقابله حينها سوى الصمت الثقيل كإجابة ... و قد وقف ثلاثتهم و كأن على رؤوسهم الطير.
فقط النظرات المتبادلة بين شهد و كرم و التي تحمل قدرا كبيرا من الإتهام من جانبها يقابلها هو بقدر أكبر من الغضب لموقفها المتخاذل منه و شكها به .
على النقيض وقف محمود بينهما بحيرة جمة لا يفهم طبيعة الموقف .
لم يرتح لهذا الصمت .. لذا دنا من مكان وقوفهما مستطلعا حقيقة ما يحدث فتوسعت عيناه دهشة حين رأى ملابس كرم الملطخة بالدماء.
تلك الدهشة ما لبثت أن تحولت إلى توجس و فضول قلق بسبب الجسد المستكين أرضا ... ليهتف بتساؤل :
" سحقاً ... ما هذا؟.. ماذا حدث هنا ؟ ... من هذه يا كرم؟!! "
حينما قابله الصمت كإجابة للمرة الثانية ... ترك شهد و كرم لمعركة النظرات الدائرة بينهما بصمت فقد بدا أن أحدهما لن يتنازل و يجيب عن الأسئلة التي تنخر رأسه .
و هذا جعل سيناريوهات عدة ترتسم في رأسه عما حدث و كان القاسم المشترك بينهم هو الأفكار السوداء .
الا أنه نفض عنه كل هذا و هو ينحنى سريعا ليفحص الفتاة تحركه شفقته تجاه من ظنها طفلة .
مد محمود أنامله بتوتر بالغ ملتمسا موضع النبض في عنقها ليستشعره ضعيفا ... يسرى برتابة انبأته أنها لازالت على قيد الحياة .
رفع رأسه لينظر لكلا من شهد و كرم شذرا بسبب ردة الفعل المتخاذلة الذي يتخذها كل منهما تجاه الأخر .. متجاهلين تلك الصغيرة التي من المحتمل أنها تصارع الموت في هذه اللحظة ! .
و بغضب مكبوت وجه حديثه إلى كرم أمراً إياه بلهجة سريعة :
" لا زالت على قيد الحياة ... اتصل بالطبيب سريعا "
أسرع كرم ليفعل كما قال و لكنه ناداه مرة أخرى قبل أن يبتعد هاتفا :
" استدعي الدكتور فؤاد ... و لا أحد غيره "
هز كرم رأسه موافقا و هو يتتبع معالم القلق التي انتشرت على صفحة وجه محمود ... و لكنه لم يعلق فهو على دراية بالسر خلف هذا القلق .
و في نفسه أثنى على تفكيره و قد أدرك أن إستدعاء طبيب غريب في مثل هذا الوقت و لمكان نائي كالذي تقع به المزرعة لابد و ان يكون أمرا صعبا و مثيرا للكثير من التساؤلات هم في غنى عنها ... أو ربما قد يورطهم ذلك في مزيد من المشاكل في حالة إصابة الفتاه بمكروه ما .
أنت تقرأ
في الحب انتِ استثناء
عاطفية" إنه انت " زوا ما بين حاجبيه و هو ينظر لها بتعجب متسائلاً : " أنا ماذا ؟ " " أنت ذلك الرجل الذي كان يتصنع التشاغل بالتقليب في أوراقه داخل المصعد .. و ربما أنت نفس الملثم الذي ارتكب جريمة القتل و حاول اختطافي " أومأ برزانة و بعينيه تلك النظرة الجليد...