ًٍ
طرق غاضب على زجاج غرفة التسجيل انتزعه من أفكاره ليعيده إلى أرض الواقع .
انها المرة الثالثة التي يسقط فيها أسيراً لشروده حول ما حدث بينه و بين شهد .و ليت الأمر توقف عند هذا الحد فقد ارتكب الكثير من الأخطاء التي واصل مهندس الصوت تصحيحها له خلال مدة تسجيل إحدى حلقات برنامجه وإلى أن فاض به الكيل .
التمس كرم انزعاجه البين و عصبيته المفرطة و هو يتحدث إليه من خلف زجاج غرفة التسجيل بكلام حانق لم يتبينه بفعل الغرفة المعزولة .
و كم كان مستعداً لجعله ضحية يفرغ عليها كل طاقته السلبية فهذا الغاضب في مواجهته كان الشخص الأمثل لذلك .
و ربما قرأ المخرج ما يدور في عقل كرم حين رأه ينهض بغضب و هو يهم بالخروج حتى يفتعل شجار مع ذاك الأحمق الاخر بجواره ... لذا سارع بإنقاذ الموقف بحنكة حين أشار لكلاهما بالتوقف عن العمل لمدة قصيرة .
ثم بادر بصرف مهندس الصوت قبل أن يقتحم غرفة التسجيل .
دلف الرجل الأكبر سنا إلى الداخل و جلس في مواجهة كرم بصمت متفحصا إياه لبعض من الوقت و لكن صمته كان أبلغ من الكلام ... و كان كرم على دراية بمعنى ذلك و لكنه لم يملك أن يسوق له حجة مناسبة .
حافظ على صمته هو الأخر و لم يصدر عنه سوى تنفس عميق حاول أن يطفئ به نيران الغضب المتأججة في صدره ... فهو مدرك جيداً أنه مذنب و لا يحق له الشكوى أو لوم الآخرين على أخطاءه حين سمح لمشاكله الشخصية بالتأثير على عمله فقد كان في طريقه لفقدان السيطرة ما لم ينقذه من عواقب افعاله.
تنهد الرجل بيأس حين علم أن كرم لن يفضي إليه بشيء من تلقاء نفسه ما لم يسأل هو لذا بدأ حديثه بسؤال بديهي و بلهجته الهادئة قال :
" كرم.. ماذا يحدث معك؟.. لم اعهدك فاقد للسيطرة إلى هذا الحد "
و لكن كرم بدا بعيداً جداً غارقاً بأفكاره و مشاكله و ليس ذاك الشخص المرح الذي يستطيع قراءة أفكاره مثل كتاب مفتوح .
لذا واصل الرجل ضغطه ليصل إلى مكامن الالم :
" هل يتعلق الأمر بشهد؟"
أخيرا حصل منه على رد فعل .. فعندما رفع كرم رأسه كان وجهه مكفهرا و عيناه نمت عن نظرات نارية انبأته بأنه أصاب الهدف ... ربما دون قصد .. و لكن تاريخ ما يحدث بينه و بين شهد ليس خافيا عليه.
ربما لو كان رجلاً غيره سأل كرم نفس السؤال لكان رد فعله أعنف .. و لكن هذا الرجل في مواجهته ( الأستاذ شاكر) كما اعتاد الجميع أن يناديه ... كان بمثابة الأب الروحي الذي تكفل به بعد موت والديه.. يعود ذلك إلى صلة القرابة التي تربطهما .
لهذا كان بمثابة القدوة له في سنواته الأولى.. ما دفعه لإختيار مجال عمله الحالي.
حتى أنه كان المعلم الذي أخذ بيده إلى عالم الإذاعة .
أنت تقرأ
في الحب انتِ استثناء
Romance" إنه انت " زوا ما بين حاجبيه و هو ينظر لها بتعجب متسائلاً : " أنا ماذا ؟ " " أنت ذلك الرجل الذي كان يتصنع التشاغل بالتقليب في أوراقه داخل المصعد .. و ربما أنت نفس الملثم الذي ارتكب جريمة القتل و حاول اختطافي " أومأ برزانة و بعينيه تلك النظرة الجليد...