الفصل السابع والعشرون

14.3K 318 8
                                    


يا التي هواها يرقص في قلبي
رفقاً بأعصاب تلاعب بها حبكِ الجارف
لم أكن يوماً مستسلماً ولكن
من يراكِ ويصمد؟
أيا بريئة العينين
يا دافئة القلب
أنا أسلم أسلحتي لكِ
وأركض نحوكِ بلا خجل
وبكل أنانية أريدكِ
أريد الدفئ في قلبك
أريد التصميم بعينيكِ
أريدك نقاءاً إفتقدته
أريدك نبضاً بقلب وجل
أريدكِ
.............
يا التي قلبها من ذهب
أنا هنا بكل ذنوبي
بكل خلاياي
فلأقلع بكِ عن إدمان الخطايا
وأُرقع بكِ ما تبقي من شظاياي
فأنتِ الهوية
وأنتِ البداية
وأنتِ النهاية
...........
يا التي حبها جمر يُلهب ماضينا
وقيد عشقُكِ طوق من الياسمين
إسجنيني في العينين
وإجعلي أهدابك سجانيها
إنني أستسلم وآخيراً للحياة
فهلا تكفين عن سحركِ الذي يقتلني؟؟
......................................
((هتفضلي طول عمرك طفلة كدا!!))
جملة واحدة وصوت واحد كانا كفيلان بجعل الدماء تتجمد في عروقها...لحظة..لحظتان ثُم أدارت وجهها لتري هذا الوجه الذي إشتاقت له سنوات لهذا الوجه الذي حفظت تفاصيله عن ظهر قلب...كانت تلتهم تفاصيل وجهه إلتهاماً بينما قلبها يخفق بعنف وأنفاسها المتسارعة أمامه بوضوح عند صدرها الذي يعلو ويهبط بينما عيناها غائرتان بالدموع...مجموعة من المشاعر المختلطة التي سيطرت عليها ولكن أكبرهم كان الإشتياق والسعادة لرؤياه بتلك الهيئة الجديدة شعره الذي إستطال قليلاً...ذقنه الحليقة...عيناه المشعتان بسعادة وصفاء جديد عليه...ملابسه الأنيقة...لم تستطع أن تقول شئ سوي إسمه الذي خرج من بين شفتيها المرتجفتين
أسيل:آسر
إتسعت إبتسامته وهو يقترب ليهمس بجانب أذنيها قائلاً
يوسف:والله إسمي يوووسف مش آسر بس....
لم يستطع أن يكمل جملته وهي تباغته بالتشبث به تحتضنه وتضمه لصدرها....لحظة واحدة فقط حتي يستوعب ما حدث ثُم إرتفعت ذراعاه تلقائياً تحيط خصرها النحيل يعتصرها إعتصاراً...إختلطت دقات قلبه بخفقات قلبها الصاخبة...إختلطت أنفاسه بأنفاسها..إرتعاشه بإرتعاشها فلم يعد يعرف أي هو سوي أنه في عالمها الخاص لا بل عالمه هو..بيته هو...وطنه هو....هل هذا هو معني الإنتماء حقاً..نعم هذا ما يشعر به الأن...إنه ينتمي لها..لروحها النقية...لصفائها وحياتها...لها هي فقط!!
شعُر بدموعها الساخنة تلسع رقبته...حررها آخيراً وهو يحيط وجهها الرقيق بكفيه مُسنداً جبينه علي جبينها...تأوه بإسمها قائلاً بصوت مبحوح
يوسف:ياااااااااه دلوقتي بس عرفت معني الإنتماء...معني إن يكون ليا وطن...إنتي وطني وبيتي اللي كنت تايه عنه من زمااااان
أخرجهم من تلك اللحظة المميزة صوت طفل صغير وهو يشد ثوبها قائلاً
آسر:خاتو خاتو فين البالونة
إرتجفت وهي تبتعد عنه وتمسح دموعها قائلة بصوت مرتعش وهي تلتقط هذا الصغير بذراعيها وتُقبله
أسيل:حبيب خاتو إنت هجيبلك دلوقتي حاالاً
إبتسم وهو يراها تداعب شعر الصغير الشبيه بشعر أبيه بشدة وضع كفه فوق أناملها وهو يداعب شعره هو الآخر بينما هي تتفاجئ عندما وجدت آسر يستجيب له بل ويبتسم أيضاَ عندما حمله منها بخفة وهو يشتري له بالون كبيرة...رأت مازن يقترب ومعه نادين فحاولت بصعوبة أن تأخذ آسر منه ولكنه أبعده عن يديها وهو يُحدثه بلغة خاصة قائلاً ببشاشة
يوسف: نروح لبابا؟
إبتسم الصغير وهو يتلاعب ببالونه بينما هي تتململ في وقفتها بخوف قائلة
أسيل:يوسف إنت بتهزر من فضلك إمشي أرجوووك
إبتسم ولكن لم تكن الإبتسامة لها بل كانت لمازن الذي إقترب بدوره يُصافحه أمام نظراتها الدهشة والمصعوقة قائلاً وهو يحمل إبنه
مازن:إيه ياعم إتأخرت كدا ليه..مش قلتلي هتيجي ساعة الصلاة علي طول
وضع يديه في جيبي بنطاله قائلاً بهدوء
يوسف:معلش بقي يدوب فطًرت بابا علي ما الممرضة وصلت ونزلت
كان الإثنان يتحدثان بطبيعية وبساطة وسط نظرات ذهول أسيل وفضول نادين التي تراه لأول مرة وجها لوجه لذا بدأت بالحديث قائلة بإبتسامة
نادين:مش تعرفنا يا مازن علي صاحبك ؟
إتسعت إبتسامته وهو يُلاحظ صدمة أسيل قائلاً بكل هدوء
مازن:ده يا ستي يوسف إبراهيم أو تقدري تقولي اللي تعرفيه بإسم آسر
لحظة..لحظتان حتي إستوعبت ما قاله فإتسعت عيناها بصدمة وهي تربط بين هذا المشع سعاده الواقف امامها والذي رأته في مقطع الفيديو _الكارثه_ منذ اكثر من عامين تنقل بصرها بينهم شهقة صغيرة خرجت من بين شفتيها وهي تأخذ آسر من مازن وتحتضنه لصدرها بينما مازن لا يبدي أي ردة فعل وهو يقول ببساطة
مازن:تعالوا نقعد شوية علي الكافيه اللي علي البحر ده
كانت تسير كالمنومة مغناطيسياَ وهي تري أخيها يتحدث معه بعفوية بل كان يعرف أنه سيأتي لذا أصر عليها بالمجئ اليوم...كان يوسف أول من جلس علي طاولة نائية بعض الشئ حتي قال مازن وهو يحمل الصغير ليضعه علي حجره قائلاً
مازن:سيلا تعالي إقعدي شوية مع يوسف هيتكلم معاكي شوية ومعاكو آسر أهو محرم يعني (ثُم إتسعت إبتسامته وهو يجر نادين المتحجرة لطاولة آخري ) وإحنا جنبكم أهو
أتبع قوله بالرحيل فلم تجد ما تقوله أمام عينيه المتفحصتين لها بينما كف آسر الصغيرة تتلاعب بأصابعه الكبيرة كأنها تستكشف ماهيتها...إبتلعت ريقها والبريق العسلي يشتعل بعينيها هامسة
أسيل:إنت رجعت !!
إبتسم وهو يداعب شعر الصغير قائلاً ببساطة
يوسف:أيوا رجعت
كان صدرها يعلو ويهبط وقلبها يخفق بعنف وهي تستوعب حقيقة وجوده معها بل جلوسه معها هكذا بدون خوف ولا رعب إرتعشت شفتاها وعيناها تنضح بشوق أليم قائلة
أسيل:عملت إيه؟
غامت عيناه بمشاعر مختلطة فإبتلع ريقه متسائلاً
يوسف:تحبي تعرفي من أول فين ؟
دمعة ساخنة سالت علي صدغها مسحتها بإرتجاف هامسة
أسيل:كل حاجة من ساعة ما سيبتني
قبّل رأس الصغير وإبتلع ريقه للمرة الثانية حتي ظهرت تفاحة أدم الخاصة به بوضوح ثُم
يوسف:ربنا إداني الفرصة إني أكون بني أدم...حط في طريقي الناس اللي تساعدني ...أولهم كان شيخ قابلته في المسجد عرفني علي ربنا وقالي نفس الكلام اللي قاله بابا (ربنا رحمته وسعت كل شئ) وده اللي فهمته وحسيته في كل حاجة حصلتلي بعد كدا...(غامت عيناه بألم شديد وهو يُكمل) كل يوم كنت بحلم بالناس اللي قتلتهم إحساس بشع إني بتخنق وبموووت روحت للشيخ محمد وقلتله يقولي علي طريق أتخلص بيه من عذابي وذنوبي دي قالي مفيش غير طريق واحد
أكملت عنه وهي تقول بألم مُماثل
أسيل:تدفع دية لأهل الناس دي وتطلب غفرانهم !!
رفع عيناه المتألمتين إليها مؤكداً وهو يُكمل
يوسف:بالظبط كدا...
قاطعته بلهفة متسائلة
أسيل:وقدرت تعمل كل ده!!!
أمسك أناملها المفرودة علي الطاولة وهو يبتسم قائلاً
يوسف:ربنا كان جنبي وإنتي كنتي معايا...عنيكي وإصرارك إني أكون كويس كانوا دايماً قدام عينيا...عرفت من الشيخ محمد إني لازم يكون عندي يقين إن ربنا هيساعدني وده اللي حصل (إبتلع ريقه وأكمل بشفتان مرتعشتان) ناس قبلت وأخدت الدية وناس رفضت تاخدها بس سامحت وناس قالتلي هتحاول تسامح
سحبت أناملها بخجل وهي تسأل
أسيل:وبعدين؟؟
قبل أن يرد كان الصغير يجذبه من قميصه وهو يشير لمازن فقبّل رأسه ويداه للمرة الثانية وهو يتركه يذهب لأبيه الذي إلتقطه في الحال ثُم أعاد بصره إليها..لن يمل من النظر إليها أبداً بل يريد أن يعيش حياته وعيناه مُعلقة بها دون غيرها....فرك ذقنه وهو يقول
يوسف:كنت كملت سنة في الموضوع ده وبعدها أخدت بابا وسافرت أمريكا وإشتغلت في كل حاجة ممكن تتخيليها خلال السنة دي وكان بابا حاطتلي مبلغ في دفتر توفير بإسمي (ثُم أكمل بألم) وبعد ما ماتت إسراء حول فلوسها بإسمي بقي معايا مبلغ كويس قدرت أفتح بيه مكتب محاسبة علي أدي أبدأ بيه ومن شهرين إستقريت هنا في إسكندرية والحقيقة مازن ساعدني كتير إني ألاقي دكتور كويس لبابا وأقدر أكمل علاجه في البيت وكمان ألاقي شقة كويسة وبمبلغ معقول
الصدمة والدهشة إرتسمت علي ملامح وجهها الرقيق وهي تهتف
أسيل:مازن!!!!
أجابها وهو يبتسم
يوسف:أيوا مازن لما جيت مصر قابلته وإتكلمت معاه كتيير وكان معاه آسر وقتها وعرفت منه إنك إنتي اللي سمتيه آسر (ثُم أكمل بصوت مبحوح ) سمتيه عشاني !!
إصطبغت وجنتيها بالحمرة القانية بينما إرتعشت شفتاها بشدة وهي تسبل أهدابها هامسة
أسيل:أيوة
أنقذها صوت مازن من خجلها الشديد وهو يقترب منهم قائلاً بإبتسامة
مازن:معلش بقي إبقوا كملوا كلام بعدين يلا عشان إتأخرنا في نفس الوقت رنّ هاتفه النقال وجده والده ضغط علي زر الرد قائلاً
مازن:أيوة يا بابا..معلش ياحبيبي أًصلي قابلت واحد صاحبي جه من أمريكا صدفة.....أكيد هجيبه يتغدي...لأ هو وباباه...طبعاً طبعاً مسافة السكة وهنكون عندكم سلام
أغلق الهاتف ثُم نظر إلي زوجين من العيون المصدومة
نادين تنظر له بدهشة متسائلة بينما هي تنقل بصرها بينهم قائلة بصوت متحشرج
أسيل:هو هييجي يتغدي معانا؟؟
إبتسم مازن قائلاً
مازن:إحنا هنسبقه وهو هيروح يجيب عمو إبراهيم وييجي تمام؟
أجابه وهو يقف قائلاً
يوسف:خلاص ماشي إن شاء الله...سلام
ثُم رحل هكذا ببساطة دون أن ينسي أن يخصها بنظرته العاشقة لها وحدها.....بعدما رحل تهاوت هي علي كرسيها مرة آخري بينما نادين تهدر في مازن قائلة
نادين:مازن إنت مجنون إيه اللي حصل دلوقتي ده !!
أسبل أهدابه بغموض قائلاً لهما معاً
مازن:بعدين هفهمكم كل حاجة بس قبل ما نروح قدام بابا وماما وكل الناس يوسف صاحبي من أيام ما كنت في أمريكا ورجع مصر من كام شهر وفاتح مكتب محاسبة كلمة زيادة لأ..مفهوم؟
أومأت برأسها دون أن ترد...كانت نادين علي وشك الإعتراض وهي تهم بالحديث ولكنه أوقفها بحزم قائلاً
مازن:نادين زي ما قلت لو سمحتي وفي بيتنا نتكلم
أخذت آسر وإنطلقت إلي حيث أوقف السيارة...لم يكن الطريق للمنزل شيق جداً سوي من لعب الصغير مع أسيل وهي تبتسم له بشرود بينما لم يحدث كلمة بين ثلاثتهم إلي أن وصلوا للمنزل راسمين الإبتسامة علي وجوههم لم تكن حقيقة سوي لمازن فقط.....
......................
دخل للمنزل وجد الممرضة تستعد للذهاب...قالت وهي ترتدي معطفها
الممرضة:أستاذ يوسف باباك أكل وأخد الدوا وأنام وأنا المفروض أمشي دلوقتي
إقترب منها وهو يضع في معطفها حفنة من المال قائلاً بإبتسامة إمتنان
يوسف:متشكر جداً يا مدام ليلي...ده المرتب وبزيادة عشان العيد...انا عارف إنك مسافرة متقلقيش أنا هبقي موجود مع بابا طول الوقت بس بعد العيد أتوقع ألاقيكي هنا علي طول
تهللت أساريرها وهي تشكره قائلة
ليلي:متشكرة جداً جداً ياأستاذ يوسف..أكيد بعد العيد هكون موجودة إن شاء الله
بعدما رحلت خلع سترته وفتح أزرار قميصه وإرتمي علي الأريكة وضع ساعده فوق رأسه وهو يتذكرها....رباه كم كانت جميلة ورقيقة....كان علي وشك إختطافها _مرة آخري_ وهي بين ذراعيه ولكنه تمالك نفسه عندما جاء هذا الصغير المشاكس.....يُحبها بل يعشقها ويود لو يرتوي من عشقها حتي الممات.....تذكر عندما رآها في زفاف نادين ومازن...كانت ترتدي فستان باللون الأخضر مزين من الصدر بفراشات صغيرة ينسدل علي جسدها بطبقات من الدانتيل وترتدي حجاباً باللون الأخضر والعسلي أبرز لون عيناها....كانت كالعصفور يتجول هنا وهناك بحرية وتلقائية ولكن كانت هناك عينان آخري غير عيناه ودّ لو يقتلعها وهي تراقبها هكذا...كانت جميلة حقاً ولكن هذا الحزن الذي سببه هو يُلازمها...كم تمني لو تحدث معها قبل رحيله ولكن خوفه منعه...كان خائفا أن يخذل نفسه وقلبه قبلها لذا قرر أن يستكمل رحلته حتي يعود لها فيكون جديراً بنقائها له وحده دون غيره.......
بعد قليل قام ليطمئن علي والده وجده يقرأ في المصحف كعادته في مثل هذا الوقت..كم كان سعيداً عندما تعالجت يداه خلال الفترة الماضية أخبره الطبيب أن الحالة النفسية لها عامل كبير في شفائه..قبّل رأسه قائلاً بإبتسامة
يوسف:كل سنة وإنت طيب يا بابا
صدق الله ثُم أجابه بإبتسامة مماثلة
إبراهيم:وإنت طيب ياحبيبي...ها شوفتها ؟
إلتمعت عيناه بشدة ثُم رد بهدوء يُناقض مشاعره العاصفة
يوسف:أيوة شوفتها وكلمتها...ومازن عزمني علي الغدا عندهم وطلب إني أجيبك معايا
إبتسم بشقاوة وهو يمازحه
إبراهيم:لأ أنا مش هقدر أجي أخاف البنت تحبني وتسيبك إنت عارفني أحلي منك
قهقه برقة قائلاً
يوسف:مش هسملحك تاخدها مني يا هيما فاهم؟
لمس أنامله بكفه قائلاً بإبتسامة
إبراهيم:روح إنت المرادي لوحدك وأنا هبقي أجي معاك مرة تانية ماشي؟
إعترض قائلاً
يوسف:أيوة بس أنا مش هسيبك تاكل لوحدك في أول يوم العيد
قال ببشاشة
إبراهيم:ياحبيبي هاتلي الأكل جنبي هنا وبعدين أنا هاكل حاجة بسيطة وإنت كمان كل حاجة بسيطة وتعالي كمل أكل معايا إيه رأيك؟
فرك ذقنه بتفكير ثُم نظر له بإبتسامة
يوسف:مممممم طيب ماشي بس إوعي تاكل الأكل لوحدك
ضحكا معاً قليلاً ثُم وضع له الطعام وذهب ليأخذ حماماً ساخناً ليستعد لمقابلة حبيبته الشقية

فى جحر الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن