الجزء العاشر

138 11 1
                                    

رد زيد بهدوء:"لا تُسمى مُراقبة بل اطمئنان أنكِ على ما يرام"
نفرت عروقي وأنا أقول:"لكنك تسأل ..إذن تراقبني أنتَ!"
وقف وقال بهدوء وهو ينظر إلي للأسفل:"إذا كان بنظرك أنها مراقبة فنظرك ضعيف..مع أن المراقبة لا بأس بها لأني شرعاً أخاكِ قبل أن يعرف أي حد ..حتي لو تنكرين أنتِ ذلك..وأنا لم أذهب خلفك إلا يومين ولم أتابع لظروف منعتني يا أمل ..إنني أحاول جاهداً أن أساعدك وأكون عوناً لكِ في حياتك ..ومُصرة أنتِ دائماً على صدي وأنا أُقدر هذا جيداً ..لذلك أنتِ حُرة منذ الآن وافعلي ما تُريدين ..لقد ربتك أمي جيداً وكبرتِ أنتِ بما فيه الكفاية لتعرفي الخطأ من الصواب ..مُنذ اليوم أنا مُتخلي تماماً لكن إذا احتاجتِ إلي مُساعدة تعرفين منزلي وكذلك رقم هاتفي مع صديقتك ..ورقم غدير أعتقد أنه معكِ...وإلي أن نلتقي مُجدداً ربما على خير ..إلى اللقاء"
وخرج من الغرفة الكئيبة قبل أن أتحدث وقبل أن يستوعب عقلي كلامه إنني حزينة وأريد البُكاء ..فأين أنتِ يا أمي!إنني أتجرع كل يوم ألماً جديداً مُختلفاً عن الآخر والجُرعات أصبحت مؤلمة ..وكثيرة علي قلبي المُنهك وعقلي الممتلئ بالأحداث ..وكأنني ورقة بالية ألقاها أحدهم بإهمال بعد أن كتب بها كلاماً جميلاً مُنسقاً..إنهم يتخلون دائماً ولن يصمد معي غير نفسي ..نفسي البائسة،إنني أحاول بشتى الطرق انتشال نفسي من الإنتحار العقلي ..إنني أفكر وأسرح بلا جدوى .. لا يدرون كم يُعاني المرء الوحدة وكيف يكون الألم المُتراكم كالأوساخ المُتراكمة التي يصعب تنظيفها ..كيف أساعد نفسي..إنني لا أكره زيد لكن الأحداث التي جمعتني به جعلتني أُريد أن أقتصه من حياتي..بألا يكون فيها ..اليوم الذي بدأت فيه ألامي هو اليوم الذي قابلت فيه الشخص الأول أخي زيد..وبعدها توالت الصدمات..كُنت سأكون بخير ربما لو أن الخالة سعاد كانت ما تزال علي قيد الحياة..إنها أيضاً ضمتني مرات ومرات أنا أشتاق لأن يضمني أحدهم ..أن ألجأ وتخر قواي علي أحدٍ ما وابكي دون سؤاله ما أسباب بكائك..إنني تائهة ولا أحد يُمسك بيدي ويدلني ..وأنا امنع كل من يُمسكني!..هل سيستمر حالي هكذا..أم اسمي سيكون له أثر في حياتي تلك..الإسم الذي أطلقته أمي علي أمل..!
.
في يومي التالي حضر عاصم ..وعندما سألته كيف عرفت ضحك قائلاً:"بربك..مُتغيبة عن أحد المحاضرات المهمة بالتأكيد قُلت أن هناك ما حدث ..اتصلت على هويدا وأخبرتني أنكِ بالمشفى ..همم كيف حالك!"
قُلت بهدوء:"بخير ولله الحمد"
وهو جلس بصمت يحاول الحديث معي..
وعاصم طالب في الجامعة معي لكنهُ يكبرني بعام ويعرف هويدا قبلي رغم أن هويدا ليست بنفس كليتي..فهي في كلية التجارة!وأتعجب كثيراً كيف وصلت هويدا لشاب كعاصم وكيف عرفوا بعض..إنني لا أهتم لعاصم بتلك الدرجة لكنه هو من وقف معي في السنة الأولى لي في الجامعة وساندني في كثير من الأمور ..لستُ مُعجبة به كثيراً لكنه دائماً ما يُذكرني بأنه مُعجب بي!!
"أمل"
أجفلت من صوته المُرتفع وأنا أقول:"ماذا يا عاصم؟لما الصوت المرتفع!"
رد مُبتسماً:"إنني أنادي عليكِ إلى أن ذهب صوتي .."
لم أبتسم أبداً بل تأملته قلقة جداً من وجوده ..!!
لم يسألني عاصم ما حدث معي ولم يسألني ما سبب وجودي!ربما سأل هويدا لكن حتى لو سأل هويدا هل ترك الأمر يمر وكأن شيئاً لم يكن ..دائماً ما يخبرني عاصم أن أتجنب أصدقائي المُقربين وعندما أخبره أنني لا أعرف إلا هويدا وليست مُقربة مني يصمت!!
تنهدت أحاول إخراج شعوري بالضيق لينتبه أن وجوده الآن غير مرغوب به..
أخرج قلماً وقطع ورقة من مذكرة كانت بجانبي وكتب فيها شيئاً وطواها واعطاها لي وهو يقول:"سأذهب الآن إلى اللقاء"
بعد خروجه لم أكن أريد رؤية الرسالة أبداً ولكن الفضول تغلب علي وفتحتها(إنني سعيد لكونك بخير الآن على الأقل جسداً..لم أسألك عن السبب الذي جعلكِ تذهبين للمشفى ولن أسألك لكنني سأقول لكِ كوني بخير لأجلي غاليتي!..عاصم"
تلك الدموع التي تساقطت مني ليس بسبب الرسالة ولا بسبب أن عاصم الذي قد كتبها..بل لأخر كلمة ختم بها رسالته ..غاليتي!!إنها كلمة أمي ولو أنني حكيتُ لأحد قصة أمي أو لعاصم تحديداً لكنت سأقول أن عاصم يتلاعب بي !! لكم أفتقدت تلك الكلمة وأفتقدت صاحبة الكلمة وأفتقدتك يا أمي ..فليت التراب ينقشع ويخرجك ..وليت زيد تركني أتعلق بأمل على أنكِ على قيد الحياة ..وأقسم لو عُدتِ لي الأن يا أمي سأرتمي بأحضانك وأخبركِ فقط فقط ألا ترحلي مجدداً ولن أعاتبكِ كما كُنت أريد في صغري ..
................
تشاجرنا أنا وغدير لكونها تُريد الذهاب لأمل ..
وكان آخر الشجار بكلمة قاطعة مني:"لن تذهبي وهذا آخر كلام لي وأحذركِ من الذهاب"
غدير تعرف أين تقطن أمل بسبب زيارتي المُتكررة لها وهي معي تنتظرني..!
عند سماعها لصوت سعاد ذهبت إليها وعادت لي وهي تحملها تأففت بصوت مُرتفع:"ارحميني من نظراتك تلك يا غدير!"
قالت بهدوء:"لن أرحمك أنتَ لا تُريد أن تقول لي ما حدث بينكما ..ولماذا لا تريد مني الذهاب أنتَ لا تتجاوب معي بإقناع"
صرخت بصوت مُرتفع:"لأنها تكرهني هي لا تتقبلني ولا تتقبل وجودك من الأساس !هي لا تتقبلني أخاً لها..لقد كنت أتذلل لها لتتجاوب معي لمدة عام وأكثر..إنها تكرهني وتُريد أن ابتعد عنها..أنا ...أنا أريد فقط تنفيذ وصية أمي..هي كانت لي أمل عندما كُنت صغيراً الأخت الصغيرة لي التي شرفت منزلنا ليمتلأ بالبهجة المُحزنة لكونها أختي ولكونها لا تريد أن تعيش معنا..كنت سعيداً جداً يا غدير لكوني سأهتم بها كأختٍ لي ..كنت أنا الرجل الوحيد الذي يريد أن يصبح رجلاً لأختي ولأمي أحميهم ..آه..إنها أمي من كانت تحمينا..أنا أنا أشتاق لأمي ..وأشتاق لأمل الصغيرة التي لا تُريد العودة إلى نفسها القديمة على الأقل .."
...
تنهدت بعد كلامي الذي لم يفعل شيئاً غير جلوس غدير وبكائها الصامت ..ولكم أحتاج إلى أحداً ليشفق على ببكائه ..!!
تابعت بعد دقائق بصوت أجش :"يمكنكِ الذهاب كما تُريدين سأخذكِ إليها بنفسي..!"
#يتبع

أملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن