الحلقة الثالثة

5.9K 265 21
                                    

الحلقة الثالثة

- عملتلك أية الحرباية دي وبنتها، قوليلي وأنا أروح أفرج عليهم اللي يسوى واللي مايسواش، هو كل يوم والتاني هيمسكوا فيكي كمنك وحدانية ..

رددتها " منى " بتجهم واضح حتى أعقبتها " علياء" برجاء وريبة :
- عشان خاطري يا "منى" ملكيش دعوة بيهم، أنتي صاحبة تعب ومش حملهم ..

مسترسله حديثها بعد أن اشاحت بنظراتها المتلألئة بالعبرات بعيدًا عنها :
- أنا إللي هقفلهم أكتر من الأول، وماعتش هسبهم يتحكموا فيا أكتر من كده ..

تحركت يد " أمينة " تمسح بحنو على كتفها، متمتمه بنبرة خافته يشوبها القلق:
- عملولك أية المرادي يا بنتي ؟!

حينها نكست "علياء" رأسها بصمت اصابها لثواني معدودة حتى أخبرتهم بخزي وكأن ما حدث منهما كان جرمها هي :
- أجرت الشقة إللي كنت عاملة حسابي أديها ل "منى" تتجوز فيها هي و " جابر " يا خالة " أمينة ".

ارتبكت معالمهما معًا حين اخترقت كلمات "علياء" أذنيهما، ليحتل معالمهما الحزن الشديد والاستياء خاصة " منى " التي دخلت في عام ارتباطها السابع، ومع هذا كل أمل يقترب منها ومن عاقد قرآنها لإيجاد مسكن زوجية يجمع شملهما معًا يتسرب هباءً ..

قطعت " أمينة " وصلت حزنها قائلة برضى تام رغم آلامها على حال ابنتها البكر:
- نصيب ، كله بإرادة الله ، وأحنا الحمدلله راضين ..

متطلعه عقبها ل " علياء " بعيونٍ مبتسمه لازالت حزنها :
- صدقيني يا بنتي " منى " ملهاش نصيب فيها وأنتي ملكيش ذنب في كده، فيبقى متزعليش حالك وأكيد ربنا هيعوضها بشقة أحسن من دي ..

ثم استرسلت حديثها مربته على كتفها بوهج حاني يشاع من عينيها دائمًا تجاه تلك اليتيمة التي تقبع تحت سطوة زوجة أب ظالمة:
- قومي يالا يابنتي مع "منى" حضروا الفطار وأفطروا، حتى عشان تشجعيها تاخد الأنسولين بتاعها قبل ما تفطر، وبعدين ناميلك ساعة ولا حاجة في أودتها على معاد فتح القهوة ما يجي ، لأنك اكيد يا ضنايا معرفتيش تنامي كويس زي كل يوم ..

ما هي إلا ثواني معدودة حتى أومأت " علياء " رأسها بالموافقة على رغبتها من أجل صديقتها المريضة، التي تَملكَ مرض السكري منها منذ ما يقارب الخمس أعوام - آثر حزنها لقلة المادة بين ايديهما لإيجاد مسكن الزوجية المناسب مع شروط الإيجار المستنزفة للحم الفقراء -

قامت بالفعل مع "منى" تنفذ ما أملته عليهما تلك المرأة التي تنظر لها دائما بمكانة والدتها الراحلة ..

تتبعتهما نظرات " أمينة " الشجية حين دفع الماضي دفعًا أمام عينيها بمرارة ، متذكره وفاة والدتها "سميرة" ابنة الطبقة الميسورة التي لا تفرق بطيبة قلبها بين غنيٍ وفقير بشهامتها الدائمة، بل كانت توجه كل ما تملكه من قوة تستطيعها لحماية الضعفاء ، فيكفي مروءتها الفياضة مع غريبة مثلها، حين داهمتها شرطة المرافق وإطاحة عربة خضرواتها المعول الوحيد لأولادها بعد زواج زوجها من آخرى وتركهم بلا عائل، لتسقط أرضًا تصارع حزنها الشديد بشهقاتٍ مرتفعة فاقت منها على يديها الحانية ووعيدها بإصلاح ما افسدته المداهمة، ولم تقتصر معرفتها بها على هذا، بل واستمرت بالعطاء حتى توفت أثر مرضها المزمن، ليحي ذكراها زوجها الوفي الذي بقى على تربية ابنته الوحيدة بمفرده دون الاحتياج لبنات جنسها ، مستمرًا على وعده حتى شاهدت ألاعيب تلك المرأة المسماة " عنايات" ابنة خالة "سميرة" ومعرفتها مصادفتًا بتواليها الزيارات على رجل يُعرف من رجال الدجل والشعوذة لعمل ما يلزم لجذبه إليها..
وعت بأن الرجل وقع ضحية دون دماء لمكر تلك الشيطانة ليتحقق مرادها ، حينما فاقت من نومها ذات يوم على خبر زواجهما وبدء مأساة تلك الطفلة اليتيمة .. على يد هذه المرأة القاسية التي كانت تعاني الفقر مع زوجها الراحل واسرعت بالتملص منه بالزواج من ذلك الرجل الغني الذي يشيب له المجالس من هيبته، غير مبالية لذكرى زوجته التي هي في الأصل من لحمها وأولى الناس بالحزن عليها والتكفل بإعطاء الحنان لابنتها ..

يا أنا يا خالتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن