الحلقة السادسة

5.3K 251 19
                                    

الحلقة السادسة

استعد قرص ذلك اليوم البرتقالي من مغادرة الأفق بمراسم تليق به، ليبدأ الليل بغزل نسيجه ما أن انسحب غريمه النهار بأذيال ثوبه ..

في ذلك الأثناء بغرفة تحضير الطعام في تلك البناية التي تتوسط هذه الحارة المكدسة بقاطنيها ..

تحدثت "جميلة" بحيرة لوالدتها المنشغلة بإعداد وجبة غذائية ما :
- هو ليه يامه مستنتيش لبكره حتى عشان يكون النهار من أوله ..

بابتسامة منفرجة أجابتها بتشويقٍ حاد:
- عشان ياعبيطة خير البر عاجله، والعمل يشتغل منين ما ياكله مع الأكل ويفضل طول الليل متشوق وعلى نار فيطلع الصبح يتقدم، والعصر يخطبك، والعشا تكون عروسة منوره بيته بعد ما يكون كتب كتابه عليكي ..

شردت "جميلة" حالمة بتلك الأمنيات التي باتت تسيطر عليها قائلة عقبها بصوتٍ بائس:
- مش عرفه ليه يامه حسه أن الحلم ده كبير عليا وأن مش هشوف اليوم ده ، مش شايفه شاكله كان عامل ازاي لما قبلناه على السلم وأحنا جايين وبتقوليله دي بنتي "جميلة"، حسيته رمى السلام غصبن عنه ونزل على تحت طوالي من غير حتى ما يبصلي ..

اسرعت "عنايات" تقطع تشاؤمها بعتابٍ لاذع :
- جرا أيه يا بنت بطني ما تفوقي معايا كده أمال وتفتكري العمل اللي عملته ل "عليا" من زمان بانها متتجوزش وأزاي متنفذ لغاية دلوقت .. صدقيني الأسياد دول سرهم باتع .. ونفس سرهم ده اللي هيجيب عريسنا حتى لو نافر غصب عنه تحت رجلك، وبعدين أمال تعبي وفلوسي دول كلها ليه مش عشان أنفذلك حلمك ، دا أنا يا عبيطة من كتر ما نفسي أحققهولك طبعت بصمتي على ورقة بيضة زي الشيخ "متولي" ما قالي عشان الأسياد توثق الجوازة عندهم وتبقى أكيده مليون في المية ..

تطلعت لها "جميلة" بعينين تقطر عرفانًا قائلة :
- ربنا يخليكي ليا يامه عرفه أن تعبتك معايا اليومين دول ..

زوت "عنايات" ثغرها على أحد جانبيه قائلة :
- سبيكي من الكلام الماسخ ده وروحي جهزي حالك لبكره يا عروسة وسبيني أكمل عمايل الرز بلبن عشان ألحق اطلعه لضكتور الهنا يأكله بروقان قبل زباين العيادة مايهلوا عليه أو قبل بنت سميرة ما تيجي من القهوة على غفلة وتقفشنا ..

بملامح مبهجة تخيلت ابنتها تحقيق مشهد وجود الطبيب ببيتهم لخطبتها غدا، فقالت عند استعدادها للمغادرة:
- حاضر .. دا أنا لازم أبهره، واصلا مش هيكفيني الليلة ولا بكرة عشان أجهز بس هحاول ..
ثم اعقبت كلماتها بإشارة من يديها قائلة :
- سلام يامه ..

تتبعت "عنايات" بمقلتيها الحانية مغادرة ابنتها بملامحها السعيدة فغمغمت مع نفسها عقبها برضا تام:
- عشان خاطر فرحتك دي يا بنت بطني كل حاجة تهون قصادها ..

ثم أشرعت تكمل تطهو الأرز باللبن لإقحام مخططهما اللعين به، من أجل أسقاط الفريسة المحددة أسفل رغبتهم الدنيئة، لتقرع طبول قلوبهم طربًا وتعلن للجميع عن عُرس قادم ببيتهم ..

يا أنا يا خالتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن