الحلقة الثامنة

5.3K 250 21
                                    

الحلقة الثامنة

قابعتان منذ الصباح الباكر في جلستهما الدائمة ينتظران حصد ما زرعته أيديهما، الأم بعنقٍ شامخ وابتسامة واثقة، والابنة بكامل استعدادها من ملابس جاذبة ووجه ملطخ بكافة وسائل التجميل، والتي قطعت صمتهما قائلة بقلق متواري:
- أيه يامه الشمس نزلت ومفيش حس ولا خبر، هنفضل متعشمين كده كتير ..

التفتت "عنايات" إليها تجيبها بتذمر نضح على معالمها:
- جرى أيه يابنت بطني هنفضل اللي نقوله نعيده كل شوية..

ثم استئنافت حديثها بعد أن تراخت صفحة وجهها :
- الصبر .. الصبر وكلها دقايق وهيجي عريس الهنا بقوة أسيادنا راكع عند رجلك ..

ما إن أنهت حديثها حتى تفاجأ بولوج "علياء" عليهما بخطوات مترددة مطأطأت الرأس .. فنظرت "جميلة" بحيرة لوالدتها التي قالت في الحال بعد أن وعت لحضورها:
- مش عوايدك يا بنت سميرة تصحي دلوقت، ولا قايمة ترمي جتتك علينا وتقولي صحناكي ..

ثم استرسلت حديثها بردحٍ صادح:
- لا بقولك أيه النهاردة بالذات معملناش حاجة، وأصلا مش فايقين لكي فسبينا وروحي شوفي وراكي أيه بعيد عننا ..

إلا أن "علياء" مازالت ساكنة مكانها تفرك راحتيها بارتباك ظاهري، مما غزت الريبة أوصالهما تزايدت أثر حديثها المتلعثم:
- أا..أنــا.. أنــا ..

بترت "عنايات" حديثها مقلده إياها بحنق :
- أنا .. أنا مش عوايدك الأدب ده كله يا وحش ..
ثم استئنافت بصرخة صادحة:
- ما تنطقي .. ولا هتخلينا نستنى كتير يا غندورة ..

- أنا أتجوزت الدكتور "راجح" أمبارح وهيجي يأخدني النهاردة على بيته !

نزعتها "علياء" من صدرها نزعًا، لتعصف بكيانهما عصفًا، وتذبذب بقلبيهما تذبذبًا، حتى كادت تقسم حينها بأنها رأت اجسادهن ببياض الثلج، لا دماء به ولا روح ولا حتى أدنى تعبير يشعرها بأنهما حيتان، بل متحجرتان مثله تمامًا!

ما أن شاهدتهما هكذا حتى رق قلبها وفزعت من ثباتها الوهمي تهرول باتجاههما متفحصه إياهم قائلة بريبة:
- خالتي .. "جميلة" مالكم، فيكم أيه ؟!

بُغتت على حالة بكاء هستيرية تلبثت جسد "جميلة" المنتفضة من جلستها لغرفتها بتذمر واضح مغمغمه بالكثير من الكلمات الغير واضحة، ليعقبها تتبع "عنايات" خلفها بنظرات أقرب إلى الجنون، غير مصدقه ما سمعته أذنها..

رمقتهما "علياء" من ظهرهما بنظراتها المندهشة لرد فعلهما متمتمه مع ذاتها باندهاش:
- هو أنا قتلتهم قتيل دلوقت وأنا معرفش !

------------------------

- شوفتي يا مه بختي الأسود .. مش قلتلك حسه اليوم ده عمرى ما هشوفه وأنتي كدبتيني .. أهو حصل يا مه .. حصل وبنتك شافت وكسه عمر ما حد شافها في حياته .. وكفاية عليا اسمع منك أن سرهم باتع وبيتفذ على طول .. أهو اتنفذ على حساب بنتك وسعادتها وراح كل حاجة نفسي فيها ل"عليا" خلاص وأنا ضعت .. ضعت واللي كان كان ..

يا أنا يا خالتي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن