مزاحمة عالم الخیال و البرزخ للسالک
ولا ينفض السالك عن نفسه غبار الطريق حتّي يدخل عالم البرزخ الذي هوالكثرة النفسيّة، فيشاهد هنا بوضوح كم أودعت المادّة والكثرات الخارجيّة من ذخائر داخل بيت طبعه، وهي تلك الموجودات الخياليّة النفسانيّة التي نشأت من التعامل والاحتكاك بالكثرات الخارجيّة، وصارت جزءاً من آثارها وثمارها ومواليدها.
وهذه الخيالات تقف مانعاً وعائقاً من سفره، وسبباً لافتقاده للهدوء والسكينة، فلا يختلي السالك بنفسه مناجياً الله تعالي إلاّ وهجمت علیه فجأة كالسيل الهادر قاصدة إهلاكه.
وبديهيّ أنَّ الصدمة والعذاب الناشئين من الكثرات النفسيّة أقوي منهما في الكثرات الخارجيّة، فكم من إنسان استطاع بإرادته أن يبتعد عن مقابلة الكثرات الخارجيّة بالعزلة، ولكنّه بهذه الوسيلة لم يتمكن من أن يتخلّص من عذاب وصدمة الخيالات النفسيّة، لانّها قرينته ومجاورة له علی الدوام.إنَّ المسافر في طريق الله والخلوص والعبوديّة الحقّة لا يخاف من هؤلاء الاعداء؛ فهويشمّر ساعد الهمّة مستعيناً بتلك النغمة القدسيّة ليتقدّم نحوالمقصد ويخرج من عالم الخيالات المسمّي ب «البرزخ». ويجب أن يكون السالك حذراً جدّاً ومتيقّظاً حتّي لا يبقي شيء من هذه الخيالات في زوايا بيت القلب، لانَّ دأب هذه الموجودات الخياليّة أن تخبّي نفسها عندما يُراد إخراجها في زاوية مظلمة من زوايا القلب بحيث يظنّ السالك المنخدع أنـّه قد تخلّص من شرّها، ولم يبقَ فيه شيء من بقايا عالم البرزخ، ولكن ما أن يجد المسافر طريقه إلی نبع الحياة يريد أن يرتوي من عيون الحكمة حتّي تنصبّ علیه فجأة، شاهرة سيف القهر والجفاء فتقضي علیه.
مَثَلُ هذا السالك مَثَلُ من يصبّ الماء في حوض بيته، ويتركه مدّة لا يلمسه حتّي تترسّب كلّ الاوساخ فيظهر الماء في الحوض صافياً فيظنّ أنَّ هذا الصفاء وهذه الطهارة الحاصلة دائمة، ولكن بمجرّد إرادته الغوص أوتطهير شيء بالحوض تعود تلك الاوساخ لتلوّث هذا الماء الصافي وتظهر علی سطحه بشكل قطع سوداء. فينبغي للسالك أن يستمرّ بالمجاهدة والرياضة إلی أن يحصل علی هدوء البال واستقرار الخاطر حتّي تترسّب آثار الخيال في ذهنه وتتحجّر ولا تستطيع أن تقوم مجدّداً لتشوّش ذهنه حين التوجّه إلی المعبود.
وحينما يعبر السالك من عالم الطبع والبرزخ إلی عالم الروح يطوي عدّة مراحل سوف نتحدّث عنها إن شاء الله تعالي بالتفصيل.