أمّا الاُستاذ العامّ فلا يُعرَف إلاّ بالصحبة والرفقة في السرّ والعلانية، حتّي يدرك السالك يقيناً واقعيّته، فظهور خوارق العادات، والاطّلاع علی المغيّبات و أسرار خواطر الناس، والعبور فوق الماء والنار وطيّ الارض والهواء والاطّلاع علی الماضي والمستقبل وأمثال هذه الغرائب والعجائب، لا يمكن أن تكون دليلاً علی وصول صاحبها، لانَّ هذه كلّها إنَّما تحصل في مرتبة المكاشفة الروحيّة، ومنها إلی الوصول والكمال طريق بلا نهاية. وإلی ذلك الحين الذي لم تظهر علی الاُستاذ التجلّيات الذاتيّة الربّانيّة فهوليس بأُستاذ، ولا يمكن الاكتفاء بمجرّد التجلّيات الصفاتيّة والاسمائيّة واعتبارها كاشفة عن الوصول والكمال.
والمقصود من التجلّي للصفات هوأن يشاهد السالك في نفسه صفة الله، فيري علمه أوقدرته أوحياته حياة وعلم وقدرة الله، كأن يدرك أن الشيء الذي يسمعه قد سمعه الله وهوالسميع، أويدرك أنَّ الشيء الذي يراه قد رآه الله وهوالبصير، أوأنَّ العلم في العالم منحصر بالله، وأنَّ علم كلّ موجود مستند إلی علمه، بل هونفس علمه.
والمراد من التجلّي للاسماء هوأن يشاهد في نفسه صفات الله المستندة إلی ذاته، مثل القائم والعالم والسميع والبصير والحيّ والقدير وأمثالها، كأن يري أنَّ العلیم في العالم واحد وهوالله تعالي، ولا يري نفسه علیماً في قبال الله، بل كونه علیماً هوعين كون الله علیماً، أوأن يدرك أنَّ الحيّ واحد وهوالله، وأنـّه ليس حيّاً أصلاً، بل الحيّ هوالله فقط، وأخيراً أن يدرك أن ليس القدير والعلیم والحيّ إلاّ هُوَ تَعالَي وتَقَدَّسَ.
وبالطبع يمكن أن يتحقّق التجلّي للاسماء في خصوص بعض الاسماء الإلهيّة، ولا يلزم من تجلٍّ واحدٍ أواثنين من هذه الاسماء في السالك أن تتجلّي البقيّة فيه.