الشرح التفصیلی للطریق و کیفیة السیر الی الله
الاوّل : ترك العادات والرسوم والمجاملات
والابتعاد عن الاُمور الاعتباريّة التي تمنع السالك من طيّ الطريق. والمقصود أن يعيش السالك بين الناس بنحوالاعتدال. فالمجتمع يحتوي علی طائفة من الناس قد غرقت في المراسم الاجتماعيّة، لا همّ لها سوي جلب الاصدقاء والخلاّن، ولا تبخل بأيّ شكل من أشكال المجاملة والزيارات المضرّة أوالتي ليست لها فائدة حفاظاً علی شخصيّتها ومقامها الخاصّ، وتتكلّف العادات والتقاليد التي تحفظ لها حُسن الظاهر، تاركة صميم الحياة لحفظ هامشها، جاعلة المعيار في التقبيح والتحسين آراء عوامّ الناس، واضعة الحياة والعمر في معرض التلف والهلاك حتّي صارت سفينة وجودهم لعبة تتقاذفها الامواج المتلاطمة للرسوم والعادات المفتعلة، فأينما سارت الامواج بآداب العوامّ وأخلاقيّاتهم سارت معها، فاقدة للإرادة قبال المجتمع، منساقة انسياق العبيد. وفي المقابل هناك طائفة أُخري اعتزلت الجماعة، وابتعدت عن كلّ نوع من العادات والآداب الاجتماعيّة، وتنصّلت من الاجتماعيّات، فلا معاشرة ولا مزاورة لهم مع الناس، وبقي أصحابها كذلك حتّي عرفوا بالمنزوين.
ولكي يتمكّن السالك من الوصول إلی المقصد، علیه أن يختار طريق الاعتدال بين هذين المسلكين، ويتجنّب الإفراط والتفريط، ويسير علی صراط مستقيم، وهذا الامر لا يحصل إلاّ بمراعاة المقدار الذي تقتضيه الضرورة في مجال المعاشرة ومزاولة المجتمع، نعم لوحصل امتياز قهريّ بين السالك وغيره علی أثر اختلاف كمّيّة المعاشرة أوكيفيّتها، فإنَّ هذا الامر لن يكون مضرّاً، وبالطبع فإنَّ مثل هذا الاختلاف ليحصل، فالمعاشرة لازمة وضروريّة، ولكن لا إلی الحدّ الذي يجعل السالك نفسه تابعاً لاخلاقيّات الناس، وَلاَ يَخَافُونَ (فِي اللَهِ) لَوْمَةَ لآئِمٍ، [1] هذه الآية تحكي عن مدي ثباتهم علی هذا النهج المستقيم، وتصلُّبهم في رأيهم ومسلكهم.
وبشكل عامّ، يمكن أن نقول إنَّ علی السالك أن يقيس ويحدّد النفع والضرر في كلّ أمر اجتماعيّ، ولا يجعل نفسه تابعاً لآراء الناس وأهوائهم.